توقيت القاهرة المحلي 20:21:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عاش الضعف... تسقط القوّة

  مصر اليوم -

عاش الضعف تسقط القوّة

بقلم: حازم صاغية

دفع وزير خارجيّة لبنان وطنيّتَه إلى سويّة «جينيّة». أوضح بعد ذلك أنّه جيني لأنّه وطنيّ، مساوياً بين المعنيين.
إذاً نحن مصنوعون صناعة جينيّة خالصة لا يعدّلها قرار إنسانيّ. هذا قضاء وقدر نحن محكومون بهما.
والسويّة الجينيّة سبق أن نشأ عنها «عِلم» زائف سهر عليه النازيّون وعُرف بـ«علم تحسين النسل (Eugenics)» هذا «العلم» سمح، بين ما سمح، بالتعقيم الإجباري لمُنتمين إلى «أعراق منحطّة» ينبغي أن لا تُنجب وتتكاثر. فالفأر يجب ألاّ يحتكّ بالسوبرمان: الأوّل لن يصير سوبرماناً، لكنّ الثاني قد ينحطّ إلى الفأريّة.
لا بأس باستعادة بضع وقائع. فلبنان يشهد حيال اللاجئين السوريين والفلسطينيين أعمالاً يهجس بعضها بما يقارب «تحسين النسل». كذلك ترتفع شعارات، بل «سياسات»، تطالب بإعادة السوريين فوراً إلى بلادهم التي صارت «آمنة للعودة». إنّ نشرة أخبار واحدة عن حماة وإدلب كفيلة باعتبار تلك «السياسات» دعوة صريحة إلى قتل السوريين «غير المفيدين». يترافق هذا مع كلام تبثّه أمكنة قريبة من البيئة السياسيّة للوزير، كلامٍ يمجّد العنصريّة بتباهٍ معلن: «نعم، نحن عنصريّون» يقولون.
في الحدّ الأدنى، ثمّة سعي مَرَضي إلى إظهار القوّة. في الانتخابات النيابيّة الأخيرة كان واضحاً مدى الحاجة إلى تعبيري «قوّة» و«قويّ» في وصف اللوائح والمرشّحين، وأيضاً في وصف المناطق التي يريدون تمثيلها: الجبل قوي والسهل لا يقلّ قوّة. التناطُح بالقوّة بين شمال وجنوب وبقاع جرى على قدم وساق. أمّا حين لا تُذكَر «القوّة» فيُذكَر ما يُفترض أنّه مرادفاتها: الرجولة، الأصالة، العنفوان، طحن الصخر... لا عجب إذاً ألاّ يُعطى لكائن «ضعيف» كالأمّ حقّ منح الجنسيّة إلى ابنها أو ابنتها.
والقوّة، أخيراً، هي موضة يومنا: هكذا هُم زعماء العالم. وإذا قرّرتْ كتل عريضة في تلك البلدان، وبعضها متقدّم، أن ترتدّ عن الحداثة والتنوير، فلماذا تعزف كتل مماثلة في لبنان عمّا اختاره السيّد ترمب أو السيّدة لوبين؟
والحال أنّ هذا البلد، الذي شارك أحد أبرز أحزابه في الحرب على سوريّا، مصاب فعلاً بإغراء «القوّة» على نحو لا يبعث إلاّ على التساؤل عن سرّ الضعف الذي يراد التستّر عليه.
نحن أقوياء، يقول «حزب الله» ملوّحاً بالصواريخ. «العهد» بدوره قويّ، وفقاً لحكمة تردّدها البيئة العونيّة بإيقاع ببغاويّ. شريكا «تفاهم مار مخايل» هذان وجدا طريقهما إلى نادي الأقوياء.
لكنّ الفوارق لا تخطئها العين. «التيّار» يتحدّث عن «القوّة» بقدر ما يمارسها «الحزب»، لا بل إنّ قوّة الثاني وجيشه هما ما يحول دون حمل «قوّة العهد» على محمل الجدّ. مع ذلك، هناك قاسم مشترك هو أنّ الطرفين ليسا قويين بالمعنى الذي يريدانه. لن يستطيعا، مثلاً، أن يفرضا علينا «تحسين النسل» أو أي مهمّة أخرى مشابهة كأنْ نصير «لبنانيين أقحاحاً» أو «مجاهدين ضدّ الصهاينة والتكفيريين». هكذا يمضي «الحزب» في تصريف معظم قوّته في الخارج، مكتفياً بأن ينتزع من الداخل شروط أدائه للمهمّة الخارجيّة.
التفاوت هذا مردّه إلى أنّنا أمام حالات طائفيّة مسعورة ولسنا أمام حالة قوميّة مسعورة. والطوائف قد تنتج ردّات فعل وزفرات فاشيّة لكنّها لا تنتج الفاشيّة التامّة التي ترتبط، بين أمور أخرى، بهيجان القوميّة الجامعة. هنا يمسرح الطائفيّون القوميّة متوهّمين التعويض عن افتقارهم للقوميّ. يحاولون، مثلاً، إقناعنا بأنّ «الأمّة» كلّها تقف وراء مطلبهم في الحرب خارج الحدود أو في طرد الغرباء.
هذا الفارق بين الطائفيّة والقوميّة هو ما يحاول ردمَه الإنشاءُ اللبناني المألوف بتعبير «عملقة». والمتعملقون إذ يخدعوننا بوجود وحدة مزعومة تكبّر الصغير، يبتزّوننا بالأبطال الذين يُضحّون بالنيابة عنّا، وطبعاً لمصلحتنا، من أجل إنجاز الأهداف تلك.
لكنْ «الويل لأمّة بحاجة إلى أبطال»، كما قال غاليليو على لسان بريخت. ومن لا يصدّق فلينظر إلى أحوال لبنان المتنازع على كلّ شيء، والفاقد كلّ قوّة ما عدا النّزر اليسير الذي يمنّ به طرف خارجي ما على طرف داخلي ما.
أزمة اللبنانيين هذه يزيدها تأزّماً انعقادها على مشكلات الأقليّات في لبنان وعموم المشرق. والمُغرض والمتعصّب وحدهما مَن ينكران هذه المشكلات التي تتفاقم يوماً بيوم. لكنّ المغرض والمتعصّب وحدهما من يتوهّمان أنّ القوّة والتجبر سبيل العلاج. ووراءنا ما يكفي من القرائن على أنّ «القوّة» في لبنان أداة تفعيل لكراهية ضخمة بين اللبنانيين يُنفَق بعضها القليل في الكراهية لسواهم. ما يتوافر منها يحملهم على قتل بعضهم، أو اشتهاء ذلك في انتظار الوقت الملائم، وهم يفعلون هذا باسم أمّة غير قائمة أو تحرير غير ممكن أو تفوّق غير موجود، فلا يبقى لنا إلاّ التمعّن العاجز في عبارة شهيرة قالها سياسي حكيم واستحقّ عليها الكثير من الرجم: «إن قوّة لبنان في ضعفه».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاش الضعف تسقط القوّة عاش الضعف تسقط القوّة



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"
  مصر اليوم - فيفا يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة الأفضل

GMT 23:48 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
  مصر اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض  وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 14:12 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
  مصر اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 10:00 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الفنان المصري عادل الفار داخل أحد مستشفيات القاهرة

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 08:26 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 25 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 17:22 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 07:38 2022 الخميس ,20 كانون الثاني / يناير

أشرف بن شرقي يقترب من الرحيل عن الزمالك

GMT 19:01 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كارثة في منزل رانيا فريد شوقي بسبب الأمطار

GMT 13:06 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

"Ferdinand" يُحقّق 13 مليون دولار خلال 48 ساعة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon