توقيت القاهرة المحلي 20:56:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مداخل إلى نتنياهو

  مصر اليوم -

مداخل إلى نتنياهو

بقلم: حازم صاغية

بفعل فكرة الأضاحي من جهة، وفكرة النقاء من جهة أخرى، اكتسب «الدم» في التاريخ دلالتين متعارضتين: فهو نجس يُحرَّم أكله، كما ينبغي التطهّر منه قبل أن يؤدّي المؤمنون صلاتهم. وهو أيضاً رمز أصالة وشرف وتضحية، من دون إراقته «لا يسلم الشرف الرفيع».
وبنيامين نتنياهو، الدمويّ، يشبه الدم:
لأنصاره، خارج إسرائيل، وخصوصاً داخلها، يمثّل نتانياهو المعنى الفاضل. فهو، قبل أن يكون هو، ابنُ أبيه وأخُ أخيه. والده بنزيون كان المؤرّخ الجابوتنسكي الذي أرّخ يهود إسبانيا، واستخلص أنّ تحولهم إلى المسيحية لم يرفع عن أعناقهم شفرة التفتيش والطرد والقتل اللاساميّة. شقيقه جوناثان قاد فرقة «الكوماندوز» الإسرائيليّة التي أنقذت، عام 1976، أكثر من مائة مخطوف إسرائيلي إلى مطار عنتيبي في أوغندا. جوناثان كان القتيل الوحيد بين جنوده.
ليلة ذاك، كان الاحتفال بالناجين يشمل بيوت الإسرائيليين اليهود كلّها. وحده بيت نتنياهو كان يبكي.
السياسة، لا سيّما في الأعوام الثلاثة الماضية، أضافت إلى الخلفية الأُسرية مكاسب يعتزّ بها الأنصار والمحازبون: «حزب العمل» انهار. «حزب كاديما» كذلك. إيهود أولمرت لم يخرج إلا مؤخراً من السجن. تسيبي ليفني، التي اعتزلت السياسة، قد لا تخرج من البيت. واشنطن اعترفت بالقدس عاصمة موحّدة للدولة العبرية، ثمّ باركت ضمّ الجولان. موسكو ردّت لتلّ أبيب جثّة جندي قُتل في 1982. طهران اخترقت تليفون المنافس بِني غانتس. تكتّله قد يكون «أزرق أبيض»، إلا أنّ وجهه أصفر.
أصحاب الواقعية الباردة من مؤيدي نتنياهو يسعهم أن يدافعوا عنه بالقول: هكذا هي منطقة الشرق الأوسط: عيشٌ بالسيف، وغطسٌ في الهويّات، فلماذا تريدونه «العاشق الوحيد»؟ أليس تفوّقه على مؤسّس إسرائيل ديفيد بن غوريون في سنوات الحكم برهاناً صارخاً على نجاح منقطع النظير؟
عند خصوم نتنياهو، داخل إسرائيل، وخصوصاً خارجها، هو سياسي شعبوي رخيص وكذّاب. ثلاث قضايا فساد في انتظاره، وقد تكون رغبته في التفلّت منها أقوى حوافزه الراهنة. هو، فوق ذلك، سرّاق أراضٍ وحقوق، عنصري أسقط قانونُ الدولة - الأمة اليهودية ورقة التوت الأخيرة عن عنصريته. وهو استعماريّ، استكمل ضمّ الجولان وقد يضمّ مستوطنات الضفّة الغربية أيضاً، أو أنّ هذا ما هدّد به. سلوكه، قبل أن يكون استجابة لآيديولوجيا توسعية، استجابة لطموح توسّعي عميق في شخصه، فآيديولوجيّة نتنياهو هي شخصه قبل أي اعتبار آخر. هنا تحديداً نفهم ما قصده منافسه غانتس حين قال قبل أيّام: لو كان مناحيم بيغن حيّاً لطرده من «ليكود».
لكنّ أخطر التهم الموجّهة إلى نتنياهو ليست مسألة الاحتلال والتسوية، ولا مسألة الفساد. فموقفه من الفلسطينيين وحقوقهم باتت تشاركه إيّاه أكثريّة الإسرائيليين اليهود ممن عصفت بهم، في العقود الأخيرة، موجة انزياح يميني متصاعد. هكذا لم يشكّل الاحتلال موضوعاً بارزاً من مواضيع الانتخابات العامّة. الشيء نفسه يمكن قوله عن الفساد والتحايُل على القوانين، المحليّة منها والدوليّة: لقد بتنا نعرف كيف تتقبّله الجماهير الشعبوية ثمّ تقلبه إلى ميزة باهرة من ميزات الزعيم «الفذّ».
أخطر التهم أنّ نتنياهو خائن لليهود أنفسهم. فهو حليف الحكّام الشعبويين من الولايات المتحدة إلى أوروبا الوسطى، من ترمب إلى أوروبان، وهؤلاء صادرون عن بيئات لا سامية أو مدعومون بها. إسرائيل «الليكودية» قد تكسب من صداقة هؤلاء، وهي تكسب فعلاً، إلاّ أنّ اليهود يدفعون أكلاف صعودهم القومي والديني والمناخ المشحون بالكراهية الذي يلازم ذاك الصعود. وماذا يفيدك، في آخر المطاف، أن تربح العالم وتخسر نفسك؟
أكثريّة اليهود في الولايات المتّحدة تعرف ذلك لأنّها تعاني آثار الرئاسة الترمبيّة عليها. إنّها، للسبب هذا «تقترع» ضدّ نتنياهو، ومثلها «تقترع» القضيّة الوحيدة التي كان في وسعه أن يستخدمها ذريعة لأفعاله: مقاومة اللاساميّة.
إذن الدم بمعناه السيّئ هو الغالب كيفما قلّبنا زعيم «ليكود». وبغضّ النظر عن تسنّمه رئاسة الحكومة، أو تسلّمه قيادة المعارضة، أو ذهابه إلى بيته، فالرجل يصعب أن يظهر في التاريخ بوجه مضيء. «خير هذا»، ولو من وجهة نظر صهيونية وإسرائيلية، سيقلّ كثيراً عن «شرّ ذا» من وجهة نظر يهودية وإنسانية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مداخل إلى نتنياهو مداخل إلى نتنياهو



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:47 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

ميسي وصيفا لـ محمد صلاح تسويقيا

GMT 16:55 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السويد تعتقل عراقيا اتهمته بالتجسس لصالح إيران

GMT 06:05 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

تعرّف على الفوائد الصحيّة لفيتامين "ك" ومصادره الطبيعية

GMT 05:39 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

حقيقة إصابة خالد الغندور بفيروس كورونا

GMT 07:44 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

سيفاس يفوز على دينيزليسبور بصعوبة في الدوري التركي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon