توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا الجامعة الأميركيّة في بيروت؟

  مصر اليوم -

لماذا الجامعة الأميركيّة في بيروت

بقلم: حازم صاغية

حين شاع الخبر القائل إنّ الجامعة الأميركيّة في بيروت تعاني أزمة ماليّة، أحسّ لبنانيّون كثيرون بصدمة تصيب وعيهم بعد الصدمة التي أصابت أملهم. مردّ ذلك أنّ تلك الجامعة، ولأسباب بعضها فعلي وبعضها وهميّ، بدت منيعة على الأزمات.
يوم الأربعاء الماضي، عقد رئيس الجامعة الأميركيّة في بيروت فضلو خوري ندوة دعا إليها عدداً من الصحافيين اللبنانيين. الغرض كان شرح الأوضاع الماليّة الراهنة التي تعانيها الجامعة وطمأنة الرأي العامّ، من خلال الإعلاميين، إلى أنّها سوف تستمرّ «153 سنة أخرى». ذاك أنّ شائعات تردّدت هنا وهناك، بعضها بريء وبعضها مُغرض، بأنّ الجامعة سوف تغلق أبوابها.
والحال أنّ فضلو خوري نجح في مهمّة الطمأنة. إلاّ أنّ ذلك لا ينفي استمرار بعض الهواجس الأبعد التي تتعلّق بمستقبل الجامعة الأميركيّة في بيروت. أربعة من تلك الهواجس نافرة جدّاً:
فأوّلاً، هي تعريفاً جامعة أميركيّة في زمن تنتشر فيه، لسبب ولا سبب، موجة العداء لأميركا. صحيح أنّ الثمانينات ليست، على الأرجح، في وارد التكرار، لكنّ تذكّرها قد يكون مفيداً لإدراك طبيعة المرحلة. حينذاك ترافقت ولادة القوّة المسلّحة والمزهوّة بإخراجها القوّات متعدّدة الجنسيّة من لبنان مع انتهاك الجامعة الأميركيّة وقتل أو خطف بعض أساتذتها (من يذكر اغتيال مالكولم كير في مطالع 1984؟).
يوم الأربعاء الماضي، فيما كان خوري والإعلاميّون مجتمعين، كان الأمين العام لـ«حزب الله» يلقي خطاباً آخر من مكان يُرجّح أن لا يبعد أكثر من كيلومترين.
وثانياً، هي جامعة خاصّة تجتذب أبناء الطبقات الميسورة عموماً، في زمن يتّسم بانهيار اقتصادي ليست الجامعة نفسها بمنأى عن آثاره، وبإفقار يتزايد ضحاياه. هذا ما يضعها في عين الشعبويّة الرائجة والمرشّحة لمزيد من الرواج.
وثالثاً، هي مصدر لقيمٍ (التفكير الحرّ، الفرديّة...) لم تعد، للأسف، مرغوبة في المنطقة. التعصّبات على أنواعها تستولي اليوم على الأفق. للتذكير بحجم الفجوة: جاء في كلمة دانيال بلس، رئيس الجامعة، لدى تدشينه «كوليدج هول» عام 1871: «هذه الكلّيّة هي لكلّ شروط البشر وطبقاتهم، بمعزل عن أي اعتبار للّون والقوميّة والعِرق أو الدين. المرء، أكان أبيض أو أسود أو أصفر، مسيحيّاً أو يهوديّاً أو مسلماً أو غير مؤمن بدين توحيديّ، يستطيع أن يدخل إلى هذه المؤسّسة ويستفيد من كلّ مزاياها، [يستطيع ذلك] لثلاث سنوات أو أربع أو ثمانٍ، ثمّ يمضي في طريقه».
وأخيراً، كانت الجامعة الأميركيّة الجسر الثاني، إلى جانب قناة السويس، في ربط المنطقة مبكراً بالعالم: القناة التي بدأ العمل بها في 1859 دُشّنت في 1869. فيما نشأت الجامعة (وكان اسمها «الكليّة السورية الإنجيليّة») في 1866. الانكفاء عن العالم هو اليوم صفة لا تخطئ من صفات المنطقة (هذا من دون أن نتحدّث عن آثار كورونا المحتملة في دعم اتّجاهات العزلة).
يمكن القول إذاً إنّ الجامعة لم تكن غريبة عن محيطها، ولا كان محيطها غريباً عنها، كما الحال اليوم. وربّما جاز لنا أن نذهب أبعد، فنقول إنّ الأزمة الراهنة للجامعة الأميركيّة مجرّد تعبير قاسٍ عن المشكلة الأعمق المشار إليها أعلاه. فإلى متى تستطيع هذه الجزيرة الخضراء الصمود في محيط، لبناني وعربيّ، عاصف وقد يزداد عصفاً؟
الزميل يوسف بزّي صاغ التحدّي على النحو التالي: «التنازل المطلوب من الجامعة، هو أن تتخلى تقريباً عن هويتها، وأن تخسر مثلاً قدرتها على خلق بوتقة من طلاب متعددي الجنسيات، وتخسر جاذبيتها كفضاء محفّز على الحريات الفردية والعامة، لتنعزل عن المدينة وكأنها ناد خاص.
وهذا على عكس الميل الظاهر لدى الجامعة إلى التفاعل مع حال لبنان والمنطقة، خصوصاً مع تجدد الحيوية الطلابية فيها وانتعاش دوائر النقاش السائدة في قاعاتها، وحتى خارج أسوارها. وقد توضح الأمر أكثر في لحظة انتفاضة تشرين 2019. لتتأكد مفاعيل حضور الجامعتين العريقتين، الأميركية واليسوعية، في صوغ مزاج عام وخطاب سياسي مغاير، وفي إبراز ذاك الطموح المشروع نحو لبنان أفضل أو مشرق عربي أفضل».
لسائل أن يسأل: لماذا مستقبل الجامعة الأميركيّة مهمّ؟ الجواب بسيط: لأنّها نقلت مجموعة من القيم الجديدة إلى المنطقة، وعملت على إنتاج طاقم من المتعلّمين توزّعوا على مشارق الأرض ومغاربها، خصوصاً الأرض العربيّة. لكنْ فوق ذلك، وقبله، لأنّها كانت صاحبة الإسهام الضخم في جعل بيروت مدينة كوزموبوليتيّة، وفي جعل حي رأس بيروت تحديداً أوّل حي في الشرق الأوسط لا يشكّله نظام القرابة: هذا الحي الذي أقامت فيه الجامعة هو الذي عاش في مبانيه الهندي والبريطاني والبحريني والفلسطيني والسوداني والأميركي والعراقي إلى جانب البيروتي والهابط من أريافه إلى بيروت بوصفه فرداً لا بوصفه حمولة.
فتعافي لبنان بالتالي من تعافي الجامعة بقدر ما أنّ تعافي الجامعة من تعافي لبنان. هذا ما يجعل القلق مشروعاً، إن لم يكن واجباً. العلاج علاج لبنان إنْ لم يكن المنطقة ككلّ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا الجامعة الأميركيّة في بيروت لماذا الجامعة الأميركيّة في بيروت



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon