توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا يقفون دوماً ضدّ حرّيّة الآخرين؟

  مصر اليوم -

لماذا يقفون دوماً ضدّ حرّيّة الآخرين

بقلم: حازم صاغية

بدا لافتاً في الأسابيع الماضية ظهور موقف عربي ممانع من جزيرة هونغ كونغ. الموقف يستكثر عليها أن تحتفظ ببعض الاستقلال عن سلطة الحزب الواحد في البرّ الصينيّ.
النظريّة الرسميّة للصين التي نسبت الانتفاضة الشعبيّة إلى «مؤامرة استعماريّة»، غالباً إنجليزيّة، هي نفسها النظريّة التي تبنّتها منصّات الممانعين ومنابرهم. فحين أقدم شابّ غاضب على رفع العلم البريطاني فوق برلمان الجزيرة هتف الجميع: «وجدتُها». ها هي «جهيزة» التي تقطع كلّ شكّ بوجود المؤامرة.
في آخر الأمر، هل يُعقَل أن يوجد مَن يفضّل حكم لندن ومجلس عمومها على حكم بكين ومكتبها السياسيّ؟
الصين، التي رفضت هونغ كونغ الانصياع لها، هي ذاتها التي «تفصل بشكل متعمّد الأطفال المسلمين عن عائلاتهم، وعن البيئة الدينيّة واللغويّة الخاصّة بهم، وتضعهم في مناطق بعيدة في إقليم شينغيانغ». هؤلاء الأطفال، وقد عمم مأساتهم تقرير مفصّل لمحطّة «بي بي سي»، يَعدّون بمئات الآلاف. البعض يقولون إنّهم مليون من صغار مسلمي الإيغور محبوسون في «مراكز إعادة التعليم». «بي بي سي» قابلت العشرات من ذوي الأطفال الذين أكّدوا صحّة الجريمة.
الصين لا تريد أثراً للإسلام في ثقافة «أبنائها» المسلمين. إنّها تفعل هذا بوحشيّة قد تتمرّن إسرائيل المتوحّشة قرناً كاملاً لبلوغها.
لنفترض لوهلة أنّ مسلمي الولايات المتّحدة وبريطانيا تعرّضوا لهذا العدوان الإنساني والثقافي الخطير الذي نزل، وينزل، بمسلمي الصين! شيءٌ كهذا كان ليُطلق عندنا سيلاً من الشتائم و«التحليلات» (والشتائم هي نفسها التحليلات) تمتدّ من اجتثاث الهنود الحمر إلى انبعاث النازيّة مجدّداً وفتكها بمسلمي الغرب! ألم نقل لكم مراراً وتكراراً إنّ الشرّ فيهم طبيعة لا تتغيّر.
لكنّنا هنا نتعامل مع طرف مختلف تماماً: إنّه الصين.
والصين صاحبة أيادٍ بيضاء ثلاث على الأقلّ:
أوّلاً، تربطها علاقات غير سويّة مع الولايات المتّحدة الأميركيّة، ويرشّحها خصوم أميركا بديلاً عنها، بل يذهب بعضهم إلى أنّها «ستحطّمها» في غد قريب.
وثانياً، تربطها علاقات ودّيّة مع سوريّا الأسد وإيران خامنئي، أو، في الحدّ الأدنى، نظامُها السياسي يشبه نظاميهما.
وثالثاً، تناهض الديمقراطيّة والحرّيّة وتعتبر المطالبة بهما مؤامرة أجنبيّة دنيئة. إنّها تفعل ذلك بصوت الناجح والواثق الذي لا يخشى في «الحقّ» لومة لائم.
إذاً هناك ما يكفي من جذور وتطلّعات مشتركة تبرّر مسامحة الصين على أفعال قبيحة كريادتها الحاليّة لحركة العولمة الرأسماليّة. لهذا فحين يُضطهَد المسلمون على يدها يمرّون، هُم واضطهادهم، مرور الكرام على انتباه الممانعين. إنّهم، والحال هذه، لا يزِنون وزن ريشة. ذاك أنّ الأخيرين لا يستوقفهم البشر المضطَهَدون بل يستوقفهم الطرف الذي يضطهِدهم. إنّهم اختصاصيّون فحسب في الاضطهاد الإسرائيليّ، وفي الاضطهاد الغربي حين يحصل. سواه من الاضطهادات يقع خارج اختصاصهم. وإذا بدا الأمر مفهوماً جزئيّاً في حالتي «القوميين» و«اليساريين» من الممانعين، فهو يستغلق تماماً في حالة إسلاميي الممانعة الذين يُفتَرض أن تشدّهم رابطة الأخوّة الدينيّة إلى سائر مسلمي العالم. لكنّ التضامن الديني المعطّل لا يفعل إلاّ ما يفعله التضامن الإنساني المعطّل، لأنّ العطل هو المصدر الأوّل للشعور والسلوك. ومَن لا يتمنّى الحرّيّة لمسلمي الصين يُستَبعَد أن يتمنّاها لسكّان هونغ كونغ أو هضبة التيبت.
هناك، على أي حال، سابقة بارزة: صربيا سلوبودان ميلوشيفيتش، حيث تعاطفت البيئة السياسيّة إيّاها، بعلمانييها ومؤمنيها، مع جزّار بلغراد الذي كان مسلمو البوسنة طليعة ضحاياه (وتحلّ، هذه الأيّام، الذكرى الـ24 لأكبر مذابحهم، مجزرة سرِبرِنيتشا). ذاك أنّ ميلوشيفيتش مناهض للولايات المتّحدة، فضلاً عن كونه هو نفسه خلطة شيوعيّة – قوميّة تخفق لها قلوب الممانعين.
ولنتذكّر كيف أنّ هذه البيئة وقفت بين قلّة قليلة في العالم تتّهم المنشقّين الروس بالعمالة للغرب والصهيونيّة، حتّى إذا سقط «المعسكر الاشتراكيّ» راحت تتقبّل التعازي وتتبادل التحسّر على تصدّع ذاك السجن الكبير. أمّا خطّ الدفاع الأخير فإن خصوم الحرّيّة المذكورين، في الصين وروسيا ويوغسلافيا السابقة وسواها، إنّما «يدعمون قضايانا». لكنْ إذا كانت قضايانا على طرف نقيض دائم مع حرّيّات الشعوب، فهذا ما ينبغي أن نعامله كهاجس يقضّ المضاجع ويدفع إلى تساؤل حارق: كيف نُدخل في سياساتنا جرعة أكبر من القيم، ومن قيمة الحرّيّة خصوصاً؟ وكيف نشارك الشعوب همومها، إن لم يكن حبّاً بها فمن أجل أن تشاركنا همومنا؟
عدد من المراقبين والمعلّقين لاحظوا في الآونة الأخيرة مفارقة تتعلّق بالقضيّة الفلسطينيّة التي غالباً ما تُختَصر فيها قضايانا كلّها على تعدّدها واختلافها. مفاد المفارقة أنّ هذه القضيّة تقوى في الغرب، حيث هناك حياة سياسيّة ونقاش عامّ، ولكنْ أيضاً حيث يربطها بعض ممثّليها بهموم تقدّميّة أخرى، كمناهضة العنصريّة والدفاع عن التعدّد والحرّيّات. لكنّها، في المقابل، تضعف عندنا، حيث يُدرجها بعض ممثّليها في مجابهة مع الطلب على الحرّيّة، كما في سوريّا مثلاً، من غير أن يقطعوا حبل سرّتها مع الزمن السوفياتي ومنظّمات الحروب الأهليّة والإرهاب. هذا،
في عمومه، مدعاة للتأمّل... التأمّل على الأقلّ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا يقفون دوماً ضدّ حرّيّة الآخرين لماذا يقفون دوماً ضدّ حرّيّة الآخرين



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon