توقيت القاهرة المحلي 13:53:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصادر التناقض بين «حزب الله» والوطنيّة اللبنانيّة!

  مصر اليوم -

مصادر التناقض بين «حزب الله» والوطنيّة اللبنانيّة

بقلم: حازم صاغية

في لبنان وفي غيره، حين تكون الطائفة، أي طائفة، في عزِّ قوِّتها وعنفوانها، واثقة بسلاحها ومكتفية بعلاقاتها الخارجيّة، يستحيل أنْ ينشأَ مشروعٌ وطنيٌّ. حصل هذا مرَّتين سابقاً، لكنْ لم يكن هناك مشروعٌ وطني أصلاً. المرّة الأولى، حين اشتدَّ عودٌ طائفي بقوَّة سلاح المقاومة الفلسطينيَّة، والمرَّة الثانية، حين اشتدَّ عودٌ طائفي مضادٌّ بسلاح الاجتياح الإسرائيليِّ.

اليوم، في المرّة الثالثة، يشتدّ عود طائفي ثالث فيما هناك مشروع وطني يولد. هذا يرتّب فارقاً ملحوظاً: في الحالتين السابقتين، أمكن للمشروعين الطائفيين تلفيقُ وطنيّة ما والتظاهر بالاستحواذ عليها: في الحالة الأولى، رُبطت هذه الوطنيّة «اليساريّة» بمقاومة إسرائيل، والاستعمار والإمبرياليّة استطراداً. فوق هذا، استطاعت تلك الطائفيّة المموّهة أن تزعم امتداداً اجتماعيّاً وإصلاحياً لتلك الوطنيّة. في الحالة الثانيّة، رُبطت الوطنيّة «اليمينيّة» بمقاومة «الغرباء» وبضبط السلاح وتوفير الاستقرار حفاظاً على وضع قائم موصوف بـ«التفوّق». كمال جنبلاط من جهة، وبشير الجميّل من جهة أخرى. الاثنان اُغتيلا كزعيمين لفئتين كلٌّ منهما تقول إنّها لبنان.

في الحالة الراهنة، سوف تزداد صعوبة زعمٍ كهذا، زعمٍ يستحوذ على الوطنيّة، أو حتّى يتقاطع معها. يكفي أن نعودَ أيّاماً قليلة إلى الوراء، إلى «العرض المدنيّ» لعشرات الآلاف بمناسبة عيد الاستقلال، كي نلاحظ أنّ الوطنيّة الوليدة تستكمل عدّتها، وهي تفعل ذلك في مكان تفصله مسافة ضوئيّة عن مكان «حزب الله». لقد بدا ذاك الاحتفال بالاستقلال استقلالاً: عن خشبيّة الاحتفالات السابقة بالمناسبة نفسها. عن العازل الإضافي الذي كانت تقيمه المناسبة نفسها بين الشعب و«المدنيين» من جهة والسلطة والعسكريين من جهة أخرى. عن فوقيّة المناسبة التي حلّ محلّها خيار قاعدي يصعد من تحت. عن لغة ميّتة يمكن قولها في أي وقت وعن أي ذكرى. عن معانٍ بليدة وفولكلوريّة لا يصنعها أحد ولا يشارك فيها أحد... لكنّ المناسبة نفسها كانت أيضاً انفصالاً عن طريقة لا تقلّ سخافة في نقد الاستقلال: «لم ندفع الدم ثمناً له. حقّقنا الاستقلال السياسي ولم نحقّق الاستقلال الاقتصاديّ. إنّه استقلال مفتعل لبلد مفتعل...»... هذه أيضاً حجج دُفنت مع الحجج التي احتجّت عليها.

بلغة أخرى، نزل اللبنانيّون الجدد إلى الساحة ليرفضوا طاقماً كاملاً من الأفكار والتصوّرات. ليعلنوا تمسّكهم بوطن ينبغي أن يتأسّس على قواعد غير القواعد التي تأسّس عليها وأفضت إلى ما انتهينا إليه.

أهل السلطة، في المقابل، أعادوا تمثيل الاحتفال الذي مثّلوه عاماً بعد عام منذ 1943. هذه المرّة بدوا فائضاً لا لزوم له. بدوا مضحكين ومحزنين في وقت واحد.

وراء ذلك كلّه أنّ المشروع الوطني اللبناني قطع بالفعل شوطاً بعيداً على طريق التشكّل الذاتيّ. مقاومة «حزب الله» بدت خارجه كلّيّاً. هنا، لا بأس بالقول إنَّ الحزب المذكور بتكوينه، كحزب طائفي وديني في وقت واحد، قليل التأهيل للتعايش مع مشروع وطني هو تعريفاً ضدّ – طائفيّ. حزب ديني فقط؟ قد يتعايش. حزب طائفي قابل للتكيّف؟ ربّما. أمّا مع حزب ديني وطائفي معاً، فهذا صعب. كذلك يصطدم بالوطنيّة مدى إيرانيّة الحزب التي تتجاوز نوعيّاً أي انجذاب داخلي إلى طرف خارجيّ. هنا، ليس الأمر مجرّد تأثّر بنموذج، أو مجرّد ولاء دينيّ، أو مجرّد تقليد في الملبس والسلوك والشعائر، أو مجرّد مساعدة ماليّة، أو مجرّد تسلّح. هنا، تجتمع هذه الأبعاد كلّها في علاقة فريدة، علاقة يصعب أن تهضم الوطنيّة أو تهضمها الوطنيّة. أضيفت عناصر أخرى تعقّد العلاقة بين الطرفين: فهو، بتدخّله في سوريّا، استفزّ قطاعات عريضة جدّاً من اللبنانيين ذوي المصلحة في التغيير. وهو، بالتحريم الذي أحاط به قائده، استفزّ كلّ وعي ديمقراطي وكلّ ميل نقدي تتباهى بهما الوطنيّة الجديدة. أهمّ من ذلك أمران آخران: أنّ طريقة الحزب في تفادي الخطر الإسرائيلي ليست موضع إجماع، وثمّة لبنانيّون كثيرون يرون أنّ هذه الطريقة، المفروضة عليهم، أفدح كلفة من كلفة الخطر نفسه، أمنيّاً كما اقتصادياً وسياسياً. الأمر الثاني أنّ متطلّبات الظرف الراهن، لا سيّما الحصار المفروض على إيران وحلفائها، وانتفاض العراقيين والإيرانيين، تهدّد اللبنانيين بمزيد من التضحيات، وأولاها التضحية بمشروعهم لبناء الوطن. بالتالي: مصالح الحزب في مواجهة «الهجمة الأميركيّة»، باتت تتطابق تماماً مع مصالح التركيبة التي يثور الشعب عليها. المقاومة صارت إذاً مشروعاً بارداً وبائداً، خائفاً من الوطنيّة الجديدة ومخيفاً لها. حجج الحزب التآمريّة لا تقنع، فيما يتأدّى عن تمركزه الذاتي انفضاض حلفاء له سبق أن نسبوا إليه أبعاداً أغنى. بعض اليساريين الذين ظنّوه حليفاً في المعركة الاجتماعيّة اكتشفوا أنْ لا حليف له سوى العونيين.

هنا تكمن المعضلة التي يصعب تجاهلها بقدر ما يصعب حلّها، والتي قد تُنهي الوطن نفسه. فإذا كانت المعرفة بالواقع تفرض على الوطنيّة اللبنانيّة غضّ النظر عن مسألة السلاح، بانتظار أن يقضي الله أمراً، فالمعرفة بالواقع عينه تمنع «حزب الله» من غضّ النظر عن الوطنيّة اللبنانيّة الوليدة. اعتداءات جسر الرينغ وساحتي الشهداء ورياض الصلح ومدينة صور تقطع بهذا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصادر التناقض بين «حزب الله» والوطنيّة اللبنانيّة مصادر التناقض بين «حزب الله» والوطنيّة اللبنانيّة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon