توقيت القاهرة المحلي 14:49:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا يزدهر اليوم هذا الكذب على الفلسطينيّين وباسم فلسطين؟

لماذا يزدهر اليوم هذا الكذب على الفلسطينيّين وباسم فلسطين؟

  مصر اليوم -

لماذا يزدهر اليوم هذا الكذب على الفلسطينيّين وباسم فلسطين

بقلم: حازم صاغية

قبل أيّام قليلة ظهر على إحدى شاشات التلفزيون المحلّيّة وزير الداخليّة اللبناني محمد فهمي. ما أراد الوزير قوله كان الدعوة إلى «الإقفال التامّ» بهدف مكافحة وباء كورونا. هذا كلام مفهومٌ صدوره عن وزراء الداخليّة. لكنّ ما قاله فهمي، في المقابل، أنّ عدم الإقفال يفكّك المجتمع من الداخل، و«هذا هدف واضح للعدوّ الصهيونيّ».
العبارة أثارت سخرية الكثيرين، لا سيّما الذين تذكّروا منع أفراد فلسطينيين، هم الضحايا المفترضون للعدوّ الصهيونيّ، من العودة إلى لبنان. لكنّ الأمر يبقى أبعد من إثارة السخرية. إنّه إهانة لألم الفلسطينيين وحقوقهم وقضيّتهم. إنّه استسهال لا ينمّ إلاّ عن استرخاص.
مع هذا، فإن يكون تناولٌ كهذا دارجاً إلى هذا الحدّ، فهذا يشير إلى قابليّة القضيّة الفلسطينيّة للاستسهال والاسترخاص. لقد جُعلت، للأسف، مشاعاً كلاميّاً سهلاً.
محمد فهمي تصرّف بسذاجة مَن يقلّد الموضة الدارجة. الرجل نطق بافلوفيّاً بعبارة صارت أوتوماتيكيّة. لكنْ هناك آخرون يتحدّثون بهذه اللغة جامعين بين العيش على كوكب آخر وممارسة الغشّ على هذا الكوكب.
الأمين العامّ لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله قال، خلال كلمة ألقاها لمناسبة «يوم القدس العالميّ»، «إنّنا اليوم أقرب ما نكون إلى القدس وإلى تحريرها، رغم كلّ التحوّلات الدوليّة والإقليميّة وكلّ الفِتَن».
جريدة «الأخبار» اللبنانيّة الممانعة كانت سبقت نصر الله بأيّام، فوجدت، بمناسبة مرور 72 عاماً على نكبة 1948، أنّ فلسطين «عصيّة على الاقتلاع». أحد كتّابها المتخم بالتفاؤل اعتبر أنّ ما يحدث الآن إنّما يحدث «في موازين قوى ليست في مصلحة الكيان الصهيونيّ، وذلك على غير ما كانت الحال في مرحلة النكبة أو بعدها من مراحل». من بعيد، وعلى جاري العادة، أدلى بدلوه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. «العلاج»، كما اقترحه المرشد، هو «الحلّ النهائيّ» لإسرائيل (وإن استدرك مستثنياً منه «إزالة الشعب اليهوديّ»).
«الحلّ النهائيّ»، كما نعلم، هو التعبير الذي وصف به المشروع النازي لإبادة اليهود في أوروبا.
هذه اللغة ليست جديدة بطبيعة الحال، فقد ردّدها الساسة والمثقّفون العرب منذ 1936 على الأقلّ، وإنْ بوتائر كانت تعلو وتهبط. اليوم تعلو وتيرة استخدامها كما تزداد حضوراً وتألّقاً بيننا. والحال أنّ تزايدها يرتبط على نحو وثيق بازدياد العجز وازدياد الحاجة إلى التنفيس اللفظيّ.
مثلاً: كلّما حلّقت طائرات إسرائيليّة بطيّار أو بدونه في سماء دمشق وارتفع عدد المواقع التي تضربها، حلّقت كلماتنا في التهديد والوعيد. وحين تشكّل الدولة العبريّة حكومة ائتلافيّة لا تتكتّم على برنامجها العدواني (ضمّ مستوطنات الضفّة الغربيّة)، على ما هي الحال اليوم، يتعاظم توكيدنا على أنّنا صرنا أقرب إلى القدس والصلاة فيها.
لكنّ وتيرة التحليق اللفظي ترتبط بسبب آخر: فبعد خروج مصر من ساحة الصراع العربي – الإسرائيلي بنتيجة معاهدات كامب ديفيد في 1978/9، تضخّم الكلام النضالي وأمطر وعوداً ملحميّة عن التحرير والصلاة في القدس. هذه اللغة كانت قد ازدهرت بعيد هزيمة 67 مباشرة كـ«ردّ» على الهزيمة، ثمّ عاودت انكفاءها إلى حين. بعثُها إلى الحياة في أواخر السبعينات جاء تعبيراً مداوراً عن الخوف من تراجع الشروط القتاليّة بسبب الحدث المصري – الإسرائيليّ. الآن، نشهد بأمّ العين خروج سوريّا والعراق من هذا الصراع: الأولى لأنّها مدمّرة ومجزّأة ومتعدّدة الاحتلالات، والثاني لأنّه مفتّت وفقير وموزّع بين أصحاب النفوذ الخارجيين. يكمّل هذا الظرفَ الراهن تعويلُ المعوّلين على تحرير يأتي من إيران!
درجة دنيا كهذه من المعقوليّة الفعليّة تستدعي تلك الدرجة العليا من اللامعقوليّة اللفظيّة.
في المقابل: الكاتب الفلسطيني محمد شحادة، الذي يعرف عمّا يتحدّث، يكتب في «هآرتس» الإسرائيليّة أنّ «المخاطر الجدّيّة لما يلوح من ضمّ إسرائيلي لا تعوزنا إلى توكيدها. ففي مجرّد تنفيذ الضمّ رسميّاً، سيكون من شبه المستحيل على أي حكومة إسرائيليّة في المستقبل أن تتراجع عنه أو أن تلغي ما ينشأ عنه من ضرر».
لكنّه يلاحظ أيضاً أنّ القادة الفلسطينيين، من محمود عبّاس إلى «حماس»، لا يملكون أي استراتيجيّة في مواجهة الضمّ والإلحاق، وأنّ أي استجابة فلسطينيّة متعثّرة أو فصائليّة أو عديمة التماسك ستحقّق أحلام التوسّعيين الإسرائيليين.
كاتب فلسطيني هو ماجد كيّالي يُصدر مؤخّراً كتابه الذي عنونه «نقاش السلاح» ويختمه بالاستخلاص التالي: «حتّى لو كان وضع الفلسطينيين أحسن حالاً من مختلف النواحي، فإنّ قدرتهم على استثمار كفاحهم وتضحياتهم تتطلّب واقعاً عربيّاً مسانداً، ووضعاً دوليّاً ملائماً. لذا ففي الغضون يُفترض الموازنة بين التضحيات والإنجازات، والكلفة والمردود، في صراع صلب ومعقّد وطويل ومرير. وهنا مكمن التحدّي في التجربة الوطنيّة الفلسطينيّة المعاصرة».
هذا من صنف الكلام الذي يقوله من يعيش على هذا الكوكب ولا يريد أن يكذب على نفسه، أو على الفلسطينيين، وأن يحوّل الكذب إلى استراتيجيّة وحيدة للمستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا يزدهر اليوم هذا الكذب على الفلسطينيّين وباسم فلسطين لماذا يزدهر اليوم هذا الكذب على الفلسطينيّين وباسم فلسطين



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon