توقيت القاهرة المحلي 10:17:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوباما والإحساس بالذنب كحاكم

  مصر اليوم -

أوباما والإحساس بالذنب كحاكم

بقلم حازم صاغية

بإعلان باراك أوباما رغبته في زيارة هيروشيما يكتمل عقد التكفير الذاتيّ والاعتذار. فهيروشيما وناغازاكي اليابانيّتان، كما يعرف القاصي والداني، ضُربتا بالسلاح الذريّ الأميركيّ في خواتم الحرب العالميّة الثانية. أمّا كوبا التي زارها لتوّه، فهي الجزيرة المجاورة للبرّ الأميركيّ والتي حاصرتها واشنطن ردّاً على مصادرة الأملاك الأميركيّة بُعيد انتصار ثورة كاسترو في 1959. وإيران التي وقّعت معها الولايات المتّحدة وبقية الدول الكبرى الاتّفاق النوويّ، هي الدولة التي رعت واشنطن، عام 1953، انقلاباً عسكريّاً فيها نفّذه الجنرال زاهدي، وأطاح رئيس حكومتها المنتخب محمّد مصدّق إثر تأميمه الصناعة النفطيّة. وتردّد أيضاً أنّ أوباما ينوي زيارة فيتنام قبل انتهاء ولايته، ما يستدعي إلى الذاكرة فوراً الحرب الأميركيّة في فيتنام التي صارت من ملاحم القرن العشرين.

وفي هذا التوجّه شيء من الحسّ الأقلّيّ الذي صدر عنه أوباما كأفرو - أميركيّ ونجل لمسلم، وقد عُكس على الخارج الذي يُعدّ مقهوراً مثله مثل الأقلّيّات، فيما توصف أميركا بأنّها مصدر القهرين.

إلاّ أنّ الملاحظة الأولى التي تتبادر إلى الذهن أنّ العالم العربيّ لا يقع في مدار الشعور الأميركيّ بالذنب، على رغم العلاقة الشديدة التعقيد بين الولايات المتّحدة والعرب التي يردّها بعضهم إلى دعم واشنطن إسرائيل، أقلّه منذ 1967. ولربّما أحال أوباما موضوع العرب والذنب حيالهم إلى الأوروبيّين باعتبارهم هم، لا أميركا، الاستعمار التقليديّ للعالم العربيّ، بما فيه الاستيطان الفرنسيّ في الجزائر. لكنّ المرجّح أنّه، مثل بقية رؤساء أميركا، اعتبر الموضوع الإسرائيليّ - الفلسطينيّ أقرب إلى أن يكون داخلاً أميركيّاً من أن يُدرج في حسابات الخارج.

على أيّة حال، إذا كان الشعور بالذنب يحكم السلوك الأوباميّ حيال البلدان التي زارها وسيزورها، والتي عقد أو سيعقد اتّفاقات معها، بقي أنّ هذا الشعور ليس أصلح الحكّام دائماً. فهو، من غير شكّ، من علامات التمدّن ومن نتائجه، على ما تُبديه بصفة خاصّة زيارة هيروشيما المحتملة، فضلاً عن كونه دليلاً على منح القيميّ والثقافيّ والمجتمعيّ مواقع أكبر في صناعة القرار السياسيّ. لكنّه، إلى ذلك، يثير تحفّظين قد يجعلانه نقيض الغرض الأصليّ المتوخّى منه.

فممّا ينطوي عليه هذا السلوك ضمناً افتراض استمراريّة قوميّة عابرة للأطوار والتحوّلات السياسيّة. وهذا ما يتجلّى خصوصاً في حالة إيران وما يخمّنه بعضهم اعتذاراً منها. ذاك أنّه ما من صلة بتاتاً بين مصدّق والنظام الحاليّ سوى إقدام الأخير على تصفية بقايا المصدّقيّين سياسيّاً وأحياناً جسديّاً. ثمّ إنّ السلف الديموقراطيّ لأوباما، أي جيمي كارتر، سبق أن أضعف شاه إيران بسياسته في «حقوق الإنسان»، ربّما كاعتذار ضمنيّ من الشعب الإيرانيّ عمّا حصل في 1953. لكنّ التجاوب الذي حُرم الإيرانيّون من إبدائه، أبداه النظام الذي احتلّ السفارة الأميركيّة في طهران واحتجز موظّفيها 444 يوماً.

ويصحّ الأمر جزئيّاً على حقبة الحرب الباردة. فإذا جاز أنّ السياسة الأميركيّة حينذاك ليست ممّا يُدافَع عنه، إلاّ أنّه لا يجوز النظر إليها في معزل عن الصراع المحتدم مع الاتّحاد السوفياتيّ. وهذا الأخير لم يكن يمارس عزف البيانو في هنغاريا 1956 وتشيكوسلوفاكيا 1968، أو في الشرق الأوسط حين سلّح وعزّز أشرس الأنظمة العسكريّة والأمنيّة كالنظامين البعثيّين في سوريّة والعراق.
ومن جهة أخرى، فإنّ أوباما إذ يعتذر عن أميركا، يفترض في نفسه تمثيلاً قوميّاً لمسؤوليّة جماعيّة أميركيّة. وهذا الزعم التمثيليّ أكثريّ بطبيعته وليس أقلّيّاً، فضلاً عن انطوائه على تنقية للذات الأميركيّة بما يجعلها متعالية ومنزّهة عن ارتكاب الشرّ أو حتّى الخطأ. وفي هذا كلّه نكهة قوميّة مفادها بأنّنا انتصرنا كثيراً، وأنّه لا بدّ من تواضع مبالغ فيه قد يتجسّد على هيئة تسفيل للنفس هو وجه آخر لإعلائها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوباما والإحساس بالذنب كحاكم أوباما والإحساس بالذنب كحاكم



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon