توقيت القاهرة المحلي 20:52:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تحولات «الغازى» و«المحتل»

  مصر اليوم -

تحولات «الغازى» و«المحتل»

حازم صاغية

قبل أيّام احتُفل بمرور ربع قرن على تحرير الكويت من غزو صدّام حسين. وكان لافتاً أنّ ذلك الحدث التحريرىّ أثار من العواطف، على تضاربها، ما كانت أعمال التحرير من الغزاة والمحتلّين كفّت عن إثارته.

ذاك أنّه بين 1956، سنة العدوان الثلاثىّ وحرب السويس، و1962، عام استقلال الجزائر، صُرفت آخر قطرة كانت تنطوى عليها الحماسة لتحرير الأرض من طرف أجنبىّ. فالحقبة المذكورة ما لبثت أن أدّت إلى تبديد واضح لما يُفترض أنّه تراكم قومىّ ضدّ محتلّ أجنبىّ أو مستعمِر. ففى المشرق انفجرت الصراعات الدموية بين الناصريّة وخصومها في لبنان والعراق والأردن، وكان ما عُرف بالصراع على سوريّا، ثمّ الوحدة المصريّة – السوريّة ومن بعدها الانفصال السورىّ، عبوراً إلى الصراع الناصرىّ– البعثىّ، ووصولاً إلى الصراع الناصرىّ– الفلسطينىّ وولادة حركة «فتح» التي انشقّت عن التيّار القومىّ العريض وانتزعت منه العلّة الأبرز بين علل وجوده. أمّا في المغرب، فبعد أشهر على استقلال الجزائر، انفجرت «حرب الرمال» الجزائريّة – المغربيّة، ثمّ أطاح «جيش التحرير» أحمد بن بلله، وكان ما كان.

ولئن تلكّأ اليمن الجنوبىّ بضع سنوات، فهو أيضاً ما لبث أن طرد المحتلّ البريطانىّ في 1967 مُكملاً الحرب الموازية بين «جبهة التحرير» و«الجبهة القوميّة»، قبل أن يمتدّ مبضع الأخيرة إلى زعيمها قحطان الشعبى ويروح الرفاق، سنة بعد سنة، يمارسون رياضتهم الوطنيّة تلاعباً برؤوس رفاقهم.

أمّا الموجة الثانية للاصطدام بالغازى والغريب، فكانت مع غزو الإسرائيليّين لبنان في 1982. يومذاك، وعلى عكس الخمسينيات والستينيات، لم يظهر ما يُعتدّ به من حماسة عربيّة، على رغم العقود المتتالية من تلقين الأجيال أنّ فلسطين «قضيّة العرب القوميّة الأولى».

فإذا كانت الحقبة القوميّة للخمسينيات والستينيات قد أخلت مكانها لحروب ونزاعات تجافى كلّ تصوّر لما هو انسجام قومىّ، فإنّ حرب 1982 التي جاءت مسبوقة بحرب مسيحيّة – فلسطينيّة في لبنان، كانت عمليّاً حرباً فلسطينيّة– إسرائيليّة، قبل أن تستمرّ وتتواصل في حرب شيعيّة– إسرائيليّة.

وقد يرى المراقب في هذا التحوّل ما يُذهل التوقّعات البسيطة التي سبق أن رافقت هزيمة 1967، والتى عبّرت عنها أطنان من الورق والخطابة حول وحدة المعركة وشموليّة الهزيمة ونكسة الأمّة. لكنّ ذلك كلّه لم يردع الحرب الفلسطينيّة– الأردنيّة من أن تندلع في 1970. فحين ظُنّ أنّ حرب 1973 أتت تعيد تصويب المسار، جاء افتراق الطريقين المصرىّ والسورىّ وانفجار الحرب الأهليّة– الإقليميّة في لبنان يصوّبان المسار من موقع معاكس.

أمّا غزو الكويت وتحريرها، بوصفهما الموجة الثالثة الكبرى، فتميّزا، في ما يعنينا هنا، بأنّ الغازى بات هو نفسه عربيّاً، فيما المحرّر الطارد الاحتلال أمريكىٌّ، ولو وقف على رأس تحالف عريض يضمّ عرباً وغير عرب.

فلئن أسّس غزو 1982 للحرب التي تعنى جماعة بعينها دون سواها، فقد أسّس غزو 1990 وتحرير 1991 لخمسة مستجدّات نوعيّة لا تترك شيئاً من المعنى القديم للتحرير أو للغزو والاحتلال. فأوّلاً، تحرّر عرب من عرب آخرين. وثانياً، تمّ ذلك بقيادة وقرار غير عربيّين. وثالثاً، تعاطفت الحماسة «الجماهيريّة» العربيّة، ما عدا في منطقة الخليج، مع الغازى. ورابعاً، باتت الانشطارات الأهليّة العربيّة تكتسب وجهاً إقليميّاً ومناطقيّاً وضع الخليج في مقابل المشرق والمغرب، والعكس بالعكس. وخامساً، ترافق القتال مع أعمال طرد لـ«الإخوة العرب» من العراق ومن الخليج.

ثمّ كان غزو العراق في 2003 فأطاح أشرس استبداد عرفه التاريخ العربىّ الحديث، بحيث تداخل الاحتلال والتحرير على نحو يُدهش الرواية البسيطة. وفيما العراقيّون يستأنفون أعمال غزوهم الذاتىّ، طوائف ومناطق، اندلعت الثورات العربيّة التي قالت، بأكثر من لسان وطريقة، إنّ المستعمر إن هو إلا الحاكم المستبدّ من أبناء جلدتنا.

والحال، ولننسَ للحظة صراخ «القضيّة المركزيّة»، أنّ الغازى والأجنبىّ هو اليوم كلّ عربىّ يقيم على مبعدة كيلومترين من عربىّ آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحولات «الغازى» و«المحتل» تحولات «الغازى» و«المحتل»



GMT 09:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 09:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 09:15 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد وقف إطلاق النار؟

GMT 09:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 08:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 08:44 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon