توقيت القاهرة المحلي 05:21:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لوائحُ تُشبِهُ الناس ولا تُشبِهُ الوطن

  مصر اليوم -

لوائحُ تُشبِهُ الناس ولا تُشبِهُ الوطن

بقلم - سجعان قزي

أهلُ السياسةِ في لبنان هُم طاقَمٌ أكثرَ مِـمّا هُم طبَقةٌ سياسيّة. الطبَقةُ هي مجموعةٌ نُخبَويّةٌ متمايزةٌ عن الطبقاتِ الاجتماعيّةِ الأُخرى، بينما الطاقَمُ السياسيُّ هو مجموعةٌ مُتنوِّعةٌ تَعكِسُ ألوانَ الناسِ والمناطِق. أهلُ السياسةِ في لبنانَ ليسوا كلُّهم سياسيّين: مِنهم مُلحَقونَ بأقطابٍ من دونِ شَراكةٍ في القرارِ (كَـوْرَس)، ومنهم مُنفَرِدون من دونِ موقِفٍ (figurants)، ومنهم اسْتَحْلوا السياسةَ لَــهْـثًا وراءَ جاهٍ إضافيٍّ (هُواة). قليلون هُم السياسيّون اللبنانيّون الّذين يَـحمِلون قضيّةَ الإنسانِ والوطنِ ويُـخطِّطون لمستقبلِ لبنان، وقليلون الّذين تَنطبِقُ عليهم صفةُ "رجلٍ سياسيٍّ" أو "امرأةٍ سياسيّة". ليسَ كلُّ مَن وطِئَ مياهَ البحرِ أصبحَ سبَّاحًا، وليس كلُّ من اقتَنى صِّـنارةً أصبحَ صَيّادًا، وبالتالي، ليس كلُّ من اشترى أصواتًا أصبحَ صوتَ الشعب.

وخِلافًا لما يُظَنُّ، الطاقَمُ السياسيُّ اللبنانيُّ الـمَشْكُوُّ منه يُشبِهُ الشعبَ حتى التَماثُلِ والاستِنساخِ ويَنتمي إلى كلِّ طبقاتِه. بقدَرِ ما تبدو اللوائحُ النيابيّةُ الحاليّةُ عجيبةً وهجينةً وحُوشِيّةَ التكوين، جميعُها صورةٌ طِـبْقُ الأصلِ عن المجتمعِ اللبنانيِّ الجديدِ الفُسيفِسائيِّ، المتنافِرِ، المتفَجِّرِ، والـمُشَوَّهِ الهويّةِ والشَخصيّة. كلُّ مرشّحٍ يُشبِهُ مواطِنًا وكلُّ لائحةٍ تُشبِه جماعةً. تحالفاتٌ من دونِ مبادئَ، وتصويتٌ أيضًا من دونِ مبادئ. وأسوأُ مِن هذه اللوائحَ، الناسُ الّذين يَنتخبونَها.

لم يَسبِق أنْ طابَقَ السياسيّون اللبنانيّون واقعَ المجتمعِ اللبنانيِّ مثلما طابَقَه الطاقَمُ الحالي. هو انتخَبهُم ـــ وسيَنتخبُهم ـــ عن قناعةٍ مُـغَـفَّلَةٍ، أو تسليمٍ غريزيٍّ، أو تقليدٍ موروثٍ، أو التباسٍ سياسيٍّ، أو مصلحةٍ آنيّةٍ، أو حاجةٍ ماليّةٍ، أو استخفافٍ بالفِعلِ الانتخابيِّ.

الشعبُ اللبنانيُّ راضِخٌ بمشيئتِه. اللبنانيّون يُطالبون بالحريّةِ الفرديّةِ (الفوضى) ويَتقبّلون الرضوخَ الوطنيَّ (التسليمُ بالأمرِ الواقِع): تَقبّلوا الانتدابَ الفرنسيَّ والاحتلالاتِ الفِلسطينيّةَ
والسوريّةَ والإسرائيليّة. أقليّةٌ لبنانيّةٌ قاومَت هؤلاءِ ودَحَرتهم، أما الباقون فمِنهم مَن صَبرَ، ومنهم من تَطبَّعَ، ومِنهم من تَواطَأ، ومنهم مَن تَـباهَى ببطاقاتِ "تسهيلِ المرور" و"الخطِّ العسكريّ".

القاعُ الذي بَلغناه لا يَسمحُ لنا بإصدارِ أحكامٍ مُـخفَّفةٍ على أنفسِنا. عَبَثنا بوطنِنا كِفايةً، تَنكَّرنا لشهدائِنا كثيرًا، ومَسَخنا تاريـخَنا وهُويّتَنا طويلاً، وما زِلنا نُكَمِّل.

عادةً، بعدَ الحروبِ والاحتلالِ والوصايةِ، تَتقدّمُ المجتمعاتُ لأنّها تَحظى بكبارٍ يَحكُمونَها ويَنقلونَها إلى رِحابِ المصالحةِ والازدهارِ والرقيِّ (حالُ الدولِ الأوروبيّةِ بعدَ الحربِ العالميّةِ الثانية). أما في لبنان، فنُكِبنا بمسؤولينَ على نقيضِ الحكّامِ الأوروبيِّين.

 2 تراجعَ المجتمعُ اللبنانيّ. رَحلَت الشخصيّاتُ الكبيرةُ وبُدِّدَت الأحزابُ التاريخيّة. شُوِّهَت الديمقراطيّةُ وعُلِّقَت الاستحقاقاتُ الدستوريّة. ارتَبطَ الإنماءُ بفئةٍ وبُقعةٍ وأُهمِلَ الشعبُ والمناطق. تَدنّى مستوى التعليمِ والثقافة. انتَشرَ الفُقرُ والبَطالةُ والعَوَز. تَـغيّر سُلَّمُ القيمِ وتَسخَّفَ مفهومُ الدولة. سادَت ثقافةُ الرشوةِ والفَساد، فُقِدت معاييرُ الخِياراتِ الصحيحة .
انخفَضَ سقفُ الطموحاتِ الوطنيّةِ وأُعيدَ تحديدُ مفاهيمِ العزّةِ والكرامة. انتقلَت الميليشياتُ  إلى المؤسّساتِ وأُقصيَ النبلاءُ عنها. أُبدِلَ المشرِّعون بالأُميِّين والنُخَبُ بالمهرِّبين والشرفاءُ
بالمُرائين. فُضِّلَ مُداوِمو أجهزةِ الاستخباراتِ على روّادِ الجامعاتِ والمكتبات.

كنا شَعبَ "على قدْرِ أهلِ العَزمِ"، صِرنا شعبَ "على قدْرِ أهلِ الغُــنْمِ". كنا شعبَ "تَصْغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ"، أصبَحنا شعبَ "تَعظُـمُ فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُه". هكذا مُرشَّحون من هكذا مجتمعٍ، وهكذا نوابٌ من هكذا ناخبين.

لا فائدةَ وطنيّةً من هذه الانتخاباتِ النيابيّةِ: لنْ تُـحْييَ النظامَ الديمقراطيَّ، لن تُغيّرَ الطاقَمَ السياسيَّ، ولن تُنقِذَ لبنان. حَرَّكت الانتخاباتُ الدورةَ الماليّةِ مناطقيًّا من دونِ أنْ تُـحرّكَ الدورةَ السياسيّةَ وطنيًّا. جُهدٌ لا طائلَ منه أنْ يَـحصُلَ تداولُ أسماءٍ من دونِ تداولِ ذِهنيّة. تَصوَّروا أنْ تتغيّرَ الفصولُ من دونِ أنْ يَتغيّرَ الطقسُ. عَرَفنا الشخصيّاتِ النيابيّةَ المميَّزةَ التي حَذَفها سلفًا هذا القانونُ الاستِنسابيُّ، لكنْ لا نرى الجهابِذةَ الّذين سيخرُجون من الـمُلصقاتِ الإعلانيّة. نتَّجهُ نحوَ مجلسٍ عامّيٍ لا إلى مجلسٍ نيابيٍّ.

الخطورةُ الكبرى، الضائعةُ في حمأةِ الحملاتِ الانتخابيّةِ وزَغْرداتِـها، أنَّ طبيعةَ التحالفاتِ النيابيّةِ الـمُقبِلةِ والناتجةِ عن التسوياتِ السياسيّةِ السابِقةِ، ستُسَهّلُ تمريرَ قوانينَ من شأنِـها أن تَمسَّ بسيادةِ الدولةِ، وأن تُغيّرَ وجهَ لبنان وهويّةَ الوطنِ وتزيدَ في الاختلالِ الديمغرافيّ. وما المادةُ 49 حولَ حقِّ الإقامةِ، والأموالُ الدوليّةُ المشروطةُ بدمجِ النازحينَ واللاجئين، سوى مؤشِّرٍ على هذا التغييرِ السلبيّ. تحتَ شعارِ استمالةِ الاستثماراتِ سيَقضُون على خصوصيّةِ لبنانَ التاريخيّةِ، بل على لبنان. لا تَمنعوا التوطينَ، لقد حَصَل. قاوِمُوه. وهنا تَصلُح ثلاثيّةُ "الشعبِ والجيشِ والمقاومَة"... اللبنانيّة.

في التسعيناتِ أَوْقَعوا لبنانَ تحت مديونيّةٍ باهظةٍ مُتّكِلينَ على وعدٍ بسلامٍ شرقِ أوسطيٍّ آتٍ، فأَتتِ الحروبُ وطارَ السلامُ وتَعاظمَتِ الديون. اليومَ، يَستدينون على أملِ سلامٍ سوريٍّ مُقبِلٍ، لكنَّ الحربَ في سوريا مستمرةٌ فصولاً جديدةً والنازحين السوريّين باقون والاستثماراتِ مُقَطَّرة. باستثناءِ رئيسِ الجُمهوريّةِ، محاورُ الحكمِ اللبنانيِّ اليومَ ـــ كما كانت الحالُ في التسعينات ـــ تُـفكِّرُ ماليًّا لا وطنيًّا.

ما لَم تَحدُث تطوراتٌ رادِعةٌ، سيَضْطَلِع المجلسُ النيابيُّ المقبِلُ بدورٍ شبيهٍ بدورِ مجلسِ 1992 حين شَرّعَ كلَّ القوانينِ والمعاهداتِ الـمُضادةِ مصلحةَ لبنان وسْطَ معارضةٍ رمزيّـة.
حَيالَ هذا الواقعِ، حيثُ الكُلُّ متواطئٌ مع الكُلّ، تبدو البلادُ سائرةً نحو امتحانٍ قاسٍ إذا تمادى البرلمانُ الجديدُ والحكومةُ المقبِلةُ في تشريعِ ما لا يُشرَّع. لكنَّ مَرجِعيّتين يُـمكنُهما نَزعُ الصواعق، وقد أَثبــتَــتَــا ذلك مرَّاتٍ: رئيسُ الجمهوريّةِ في ردِّ كلِّ ما هو مناقِضٌ

3 مصلحةَ لبنان، والمجلسُ الدستوريُّ في الطعنِ به. أما الشارعُ فيحتاجُ إلى شعبٍ وقائدٍ، إنَّما... الشعبُ مُستَهتِـرٌ والقائدُ مفقود  .

نقلا عن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لوائحُ تُشبِهُ الناس ولا تُشبِهُ الوطن لوائحُ تُشبِهُ الناس ولا تُشبِهُ الوطن



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon