توقيت القاهرة المحلي 05:25:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

“حزبُ الله” يَرحلُ إلى… الفيِدِراليّة

  مصر اليوم -

“حزبُ الله” يَرحلُ إلى… الفيِدِراليّة

بقلم : سجعان القرّي
بقلم : سجعان القرّي

هل اللبنانيّون على حقٍّ في انتقادِ “حزبِ الله”؟ هل فَهِموا حقًّا رمزيّةَ مواقفِه وأبعادَها؟ أليس حلُّ ألغازِها أجْدى من النِزاعِ معه؟ كلَّ يومٍ يُوجِّه “حزبُ الله” رسائلَ إلينا، خصوصًا عبرَ مواقفِه المُتطرِّفة، ونحن لا نُبالي بها، بل نَروحُ نتَّهِمُه بشتّى الاتّهاماتِ ونَتغنّى بوِحدةِ “لبنانَ الكبير”، و”لبنانَ الرسالة”، ولبنان الـ10452 كلم².لا يَنفكُّ “حزبُ الله” يَرسُمُ الحلَّ ويَسألُنا أن نَقتديَ به ما دامَ البعضُ يُطالبُ دستوريًّا بما يقوم هو به واقعيًّا، أي الفِيدِراليّة أو الانفصال أو التقسيم. يَسألنا لماذا لا نؤسِّسُ مثلَه كانتوناتٍ ونُنشِئُ دورةً اقتصاديّةً مستقلّةً وإدارةً ذاتيّة؟ لماذا لا نَبني، نحن أيضًا، جيشًا خاصًّا من مئةِ ألفِ مقاتل؟ لماذا لا نَستعملُ حقَّ الڤيتو مثلَه ونُعطِّلُ الدولةَ المركزيّةَ وحكوماتِـها ومؤسّساتِـها؟ لماذا لا نَعقِدُ تحالفاتٍ استراتيجيّةً مع دولٍ أجنبيّةٍ على غرارِ تحالفِه العُضْويِّ مع إيران؟ لماذا لا نُزايدُ في عَداءِ إسرائيل وإسباقِ اسْمِها بعبارةِ “عدّو” ونُغْنى عن محاربتِها؟

يُدرِكُ “حزبُ الله” أنه يَعجِزُ عن حكمِ كلِّ لبنان، ويرفُض بالمقابل أن تَحكمَه شرعيّةٌ غيرُ شريعتِه، فمَالَ إلى “الفِيدِراليّةِ الموسَّعة” حِفاظًا على ذاتيّتِه. ما خلا بيئتَه المباشَرة، اللبنانيّون ــــ مسيحيّين ومسلمين ودروزًا ــــ ضاقوا ذَرْعًا ب”حزبِ الله” ويَدينون يوميًّا خِياراتِه وأداءَه ويعتبرونه، عن حقٍّ أو عن باطلٍ، مسؤولًا عن جميعِ مصائبِهم الجارية. وإذا كان “حزبُ الله” يَدعونا، بشكلٍ أو بآخَر، إلى إعادةِ النظرِ في وِحدةِ لبنان، فسَبقَ أن دَعوْناه وسألناه إعادةَ النظرِ في مشروعِه لكي نُنقذَ وِحدةَ لبنان. لكن، أيُّهُما أسهلُ: تغييرُ لبنانَ أم تغييرُ “حزبِ الله”؟ نحن عندَ هذا المنعطَف.

منذ أن أنْشأت إيرانُ في بَدءِ الثمانينات “حزبَ الله” في إطارِ تصديرِ الثورةِ الخُمينيّةِ والتأسيسِ لجمهوريّةٍ إسلاميّةٍ في لبنان، واللبنانيّون يخشَوْنَ مشروعَه الدينيَّ رُغمَ رَغبتِهم بالتعاونِ معه في إطارِ شراكةٍ وطنيّةٍ مدنيّةٍ اتحاديّة. وفي هذا السياق، لا يزالُ اللبنانيّون يَنتظرون أنْ يُوضِحَ السيّدُ حسن نصرالله قولَه: “لا نؤمن بوطنٍ اسمُه لبنان بل بالوطنِ الإسلاميِّ الكبير (“النهار” ـــ أيلول/ سبتمبر 1986). و”لبنانُ وهذه الـمِنطقةُ هي للإسلامِ والمسلمين ويجبُ أن يَحكُمَها الإسلامُ والمسلمون (“السفير” ـــ 12 تموز/ يوليو 1987). لكنَّ الشيخَ نعيم قاسم وَفّرَ سنةَ 2021 على السيد نصرالله التوضيحَ فأعلَن: “مَن لا يُعجِبُه لبنانُ المقاومة فلْيرحَل”. كلامُه قِمّةُ التلويحِ بالتقسيمِ وذُروةُ العَداءِ لسائرِ اللبنانيّين. كأن الشيخَ “القاسِم” يُصِرُّ على أن يَصرخَ به اللبنانيّون، وقد صَرخوا: “لك حزبُكَ ولنا أحزابُنا. لك مَنطِقُك ولنا مَنطِقُـنا. لك قيمُك ولنا قيمُنا. لكَ عُزلَتُك ولنا شراكتُنا. لكَ مؤتمرُك التأسيسيُّ ولنا تأسيسُنا التاريخيُّ. لك نَمطُ حياتِك ولنا نمطُ حياتِنا”. لكَ سِلاحُكَ ولنا وطنُنا.

منذ الثمانيناتِ مَرّ “حزبُ الله” في مراحلَ عِدّةٍ هي التالية: المرحلةُ الأولى: العمليّاتُ الانتحاريّةُ على سفاراتٍ عربيّةٍ وغربيّةٍ وخَطفُ مواطنين أجانب. الثانيةُ: العملُ المسَلّحُ في الجَنوب والسيطرةُ على الـمِنطقةِ بعد انسحابِ إسرائيل. الثالثةُ: تعزيزُ السيطرةِ على الجَنوبِ والبقاعِ والتَمدُّدُ في ساحلِ الشوف حتى الضاحيةِ الجَنوبيّة. الرابعةُ: المشاركةُ في الحياةِ السياسيِّة اللبنانيّةِ من خِلالِ المجلسِ النيابيِّ والحكومةِ والمجالسِ المحليّة والإدارات. الخامسةُ: الانتقالُ من موقعِ المشاركةِ في الدولةِ إلى موقِعِ الهيمنةِ عليها، بالوسائلِ السلميّةِ حيث يَسمحُ تأثيرُه، وبالوسائلِ الأمنيّةِ والعسكريّةِ حيث يَسمحُ سلاحُه. السادسةُ: طرحُ عقدِ مؤتمرٍ تأسيسيٍّ بغيةَ السيطرةِ دستوريًّا على الدولة. السابعةُ: التحوّلُ من حزبٍ إيرانيٍّ في لبنان إلى حزبٍ إيرانيٍ في دولِ الشرقِ الأوسطِ أيضًا من خلالِ مشاركتِه في حروبِ غزّة وسوريا والعراق واليمن. الثامنةُ: الانقلابُ على الدولةِ اللبنانيّةِ عبرَ تعطيلِ مؤسّساتِها، وضربِ نظامِها الـمَصرَفيِّ والماليِّ والاقتصاديِّ والقضائيِّ، وعزلِ ديبلوماسيّتِها عن المجتمعَين العربيِّ والغربيّ، وتعليقِ تنفيذِ القراراتِ الدُوليّة. التاسعةُ: تَخييرُ اللبنانيّين بين الخضوعِ لمشروعِه أو الرحيل (تصاريح الشيخ نعيم قاسم) لاختبارِ ردّةِ فعلِهم. وبهذا يُهدِّدُ “حزبُ الله” السِلمَ الوطنيَّ ويُكرِّسُ اختلافَه عن الشعبِ اللبنانيِّ وانفصالَه عنه. العاشرةُ: وُلوجُ “حزبِ الله” مرحلةَ الانكفاءِ المستَترِ، إذ تَيقّنَ أنَّ سلاحَه لا يكفي ليأخذَ لبنانَ “غِلابَا”، وأنَّ دورَ إيران في الشرق الأوسط مُهدّدٌ جِدّيًّا. وما ارتفاعُ نسبةِ العَدائيّةِ في تصاريحِ مسؤولي الحزبِ سوى دليلِ قلقٍ على وضعِه ومصيرِه أكثرَ ممّا هو دليلُ ارتياحٍ وقوّة.

إذا كان “حزبُ الله” يُخيِّرنا بين القَبولِ بمشروعِه أو الرحيلِ عن لبنان، نحن ندعوه إلى العودةِ إلى لبنانِ بمشروعِ الدولةِ الجامعةِ والبقاءِ معنا. فلبنان يتّسِعُ للجميعِ في إطارِ دولةٍ واحدةٍ لامركزيّةٍ أو مناطقيّةٍ أو اتّحاديّة. منذُ اتّفاقِ الطائف، ولبنانُ يمارسُ الاتحاديّةَ الهجينة. وجميعُ حكوماتِه، حتى ذاتُ اللونِ السياسيِّ الواحد، هي حكوماتٌ اتّحاديّةٌ لا توافقيّة، لأنَّ تشكيلَها يَتمُّ على أساسِ تمثيلِ مكوناتٍ يمارسُ كلٌّ منها حَقَّ الڤيتو خِلافَ الدستورِ اللبنانيِّ ونظامِ مجلسِ الوزراء. والأزمةُ الحكوميّةُ الحاليّةُ تَكشِفُ أنَّ النظامَ الاتّحاديَّ الذي يُمارِسُه لبنانُ يحتاجُ إلى اعترافٍ دستوريٍّ لئلّا يبقى بدونِ قواعدَ ويؤدّيَ إلى التقسيم، ولئلّا تكرِّسَ الاتحاديّةُ المناطقَ على أسماءِ الأحزابِ عوضَ تنظيمِها على أساسِ مكوناتٍ متجانسةٍ حضاريًّا تَفرِزُ الحكّامَ المركزيّين والإقليميّين الجدُد.

مُعاناةُ اللبنانيّين اليوم تَدفعُهم إلى التفكيرِ بجميعِ الخِياراتِ لا لأسبابٍ عقائديّةٍ أو قوميّةٍ أو انعزاليّةٍ، بل لأسبابٍ نفسيّة. صار مستقبلُ لبنان شعورًا نفسيًّا مستقِلًّا عن العقيدةِ السياسيّةِ ويَتحكّمُ به الصراعُ بين القرَفِ والأمَل. هذا الشعورُ منتَشرٌ في وِجدانِ المجتمعِ اللبنانيّ. يكفي أن نسألَ مؤسّساتِ الإحصاءِ والقنصليّاتِ العامِلةَ في لبنان، لنكتشِفَ أنَّ طالبي الهِجرةِ يَنتمون إلى جميع الطوائفِ والفئاتِ والأعمارِ والمستوياتِ الاجتماعيّةِ والماليّةِ المختلِفة، كما أنَّ المصَمِّمين على البقاءِ هنا والصمودِ متعدِّدو الانتماءاتِ أيضًا.

يبقى أن نعرفَ أيَّ نداءٍ يُلبّي اللبنانيّون: نداءَ التاريخِ فيُنقِذون لبنانَ بمساعدةِ الأصدقاء، أم نداءَ “حزبِ الله” فيَدخُلون في متاهاتِ اقتسامِ لبنان؟ مهما كان الشكلُ الدستوريُّ الآتي، هناك نداءٌ آخَرُ هو نداءُ الحِيادِ الذي يُشكِّلُ حلًّا للجميع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“حزبُ الله” يَرحلُ إلى… الفيِدِراليّة “حزبُ الله” يَرحلُ إلى… الفيِدِراليّة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon