توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مرافَعةُالبطاركة أمام البابا

  مصر اليوم -

مرافَعةُالبطاركة أمام البابا

مصراليوم
بقلم : سجعان قزي

بدأ هذا الصباحَ في روما "يومُ التفكيرِ والصلاةِ من أجلِ لبنان". لافِتٌ أنْ يُقرِّرَ البابا فرنسيس شخصيًّا فتحَ مِلفِّحلِّ القضيّةِ اللبنانيّةِ من خلالِ البطاركة الموقَّرين،كأنّه لا يَثِقُ بالدولةِ اللبنانيّةِوبالجماعةِ السياسيّة؛ والباباوات قلّما يُخطِئون. هذه اللفتةُ تُحمّلُ البطاركةَ مسؤوليّةَ قولِ "الحقيقةِ اللبنانيّةِ" دونَ سِواها، خصوصًا أنّ الشعبَ اللبنانيَّيَرصُدُهم بأنظارِه وآمالِه ليُرافعوا موحَّدين عن قضيّتِه وأوجاعِه ومصيرِه على غرارِ ما يَفعل البطريركُ بشارة الراعي في لبنان وأحبارٌ لبنانيّون شُجعان كالمتروبوليت الياس عوده.
دعوةُ قداسةِ البابا بطاركةَ الشرقِ تعني أنَّ قداستَه انتقَل من الاهتمامِ بلبنان، إلى التحرّكِ دُوليًّا لدعمِ حلٍّ سياسيٍّ للبنان. ما كان الفاتيكان اتّخَذَ هذا القرارَ لو لم يَبلُغ الوضعُ اللبنانيُّ مرحلةً حَرِجَة، ولو لم يَلمُسْ تجاوبًا أوّليًا لدى المرجِعيّاتِ الدوليّةِ القادرةِ على رعايةِ الحلّ. منذ بَدأت الاضطراباتُ الدستوريّةُ والسياسيّةُ والأمنيّةُ والاقتصاديّةُ، ودوائرُ الفاتيكان تحضِّرُ بصمتٍ وثَباتٍ لعملٍ دُوَليٍّ يوقفُ انهيارَ لبنان ويَضعُ المرتكزاتِ الأسَاسيّةَ لإنقاذِ "الوطن الرسالة". يجري ذلك بالتنسيقِ المنتظِمِ مع البطريرك المارونيِّ بشارة الراعي الذي بادرَ وطرحَ الحِيادَ وتنفيذَ القراراتِ الدوليّةِ قاعدةً لأيِّ حلٍّ وطنيّ. لقد دَخل لبنانُ مدارَ الحلولِ، لكنْ لا نعرفُ مَداها الزمنيَّ، فكل حلٍّ مصيريٍّ يَتضمّنُ إشكاليّاتٍ تَستدعي المعالَجة بشكلٍ أو بآخَر.
لم يَدْعُ الفاتيكان بطاركةَ الشرقِ بصفتِهم "بطاركةَ أنطاكية وسائرِ المشرِق"، بل بصفتِهم يُمثّلون مسيحيّي لبنان. هذا التخصيصُ لا يُلغي واجبَ التضامنِ مع سائرِ مسيحيّي العالمِ العربيِّ وتَفهُّمَ مواقفِهم، لكنّه يُعبّرُ عن مدى قلقِ قداسةِ البابا على مسيحيّي لبنان وسائرِ اللبنانيّين في هذه الظروفِ المصيريّة. أفهمُ هذه الدعوةَ رسالةً مفادُها أنَّ مصيرَ لبنان يَتعلّقُ بمصيرِ مسيحيّيه، ومصيرَ هؤلاءِ رهنُ شكلِ الشراكةِ مع المسلمين. إنَّ الفاتيكان، الذي لا يَستوعبُ لبنانَ خارجَ الشراكةِ المسيحيّةِ/الإسلاميّة، صار يؤمنُ أنّه بقدْرِ ما يكون مسيحيّو لبنان أقوياءَ يَتعزّزُ الدورُ المسيحيُّ في هذا الشرق. وأصلًا، ما اهتَزَّ وضعُ المسيحيّين في العالمِ العربيِّ إلا حين بدأت الحربُ على الوجودِ المسيحيِّ في لبنان وعلى دورِه الوطنيِّ الخاصّ. يومَها بدأت تَسقُط خطوطُ الدفاعِ الأماميّة.
الفارقُ بين وضعِ مسيحيّي لبنان ووضعِ مسيحيّي بعضِالدولِ العربيّةِ والإسلاميّة أنَّهم هنا أحرارٌ بدونِ شروطٍ، وهناك أحرارٌ بشروط. هنا يواجهون أيَّ مَنحى استبداديٍّ ليَبقوا أحرارًا،وهناك يُضْطرّون إلى دعمِ أنظمةٍ استبداديّةٍ ليَبقوا أحرارًا. هنا يَصنعُ المسيحيّون النظامَ، وهناك يَخضَعون للنظامِ. هنا يأذَنون وهناك يَستأذِنون. هنا يُعارضون ولو تَرفًا، وهناك يُوالون واجبًا. هنا يشاركِون في الدولةِ ريادةً، وهناك يُعيَّنون إنعامًا. هنا لا يتحوّلُ الجامعُ كنيسةً، هناك تَتحوّلُ الكنائسُ جوامِعَ (آيا صوفيا أخيرًا). هنا يَشعرون أنّهم أكثريّةٌ ولو كانوا أقليّةً، وهناك يَشعرون أنّهم أقليّةٌ ولو كانوا أكثريّة. لذلك كان لبنانُـــ وهذه رسالتُه ــــ قِبلةَ كلِّ مسيحيٍّ ومسلمٍ في هذا الشرقِ يَنشُدُ الحرّيةَ والأمنَ بعيدًا عن القمعِ الدائمِ والأمنِ الـمُقنَّنِ والحرّيةِ المراقَبة. 
مثلُ هذا الدورِ اللبنانيِّ يُلقي مسؤوليّةً مضاعَفةً على مسيحيِّي لبنان. حريٌّ بهم أن يُقلِعوا عن عَبثِهم بالعطايا، وعن صراعاتِهم الدمويّة، وعن نِزاعاتِهم السياسيّةِ التي لم يَستفِدْ منها سوى الطامعين بدورِهم. لا يستطيعُ مسيحيّو لبنان أن يكونوا قُدوةَ الحرّيةِ ما لم يكونوا مثالَ الوِحدة. هذا الانقسامُ أضعفَ دورَهم في لبنان وتأثيرَهم لدى مسيحيّي المشرِق. وإذا كان مسيحيّو المشرقِ ابْتُلُوْا بأنظمةٍ فُرِضَت عليهم، فمسيحيّو لبنان اختاروا قياداتٍ سياسيّةً يَصلُحُ البعضُ منها لكلِّ دينٍ إلا للدينِ المسيحيِّ، ولكلِّ وطنٍ إلا للبنان، ولكل ظرفٍ إلا لهذا الظرف. هؤلاء، الّذين لم يَمرّوا بمعموديّةِ الدَمِوالمقاومةِ ولم يَفهَموا معنى القضيّةِ اللبنانيّة، بَلغوا ما بلغوه، في غفلةٍ من الزمن، ولا يَستحقّون ثقةَ مسيحيّي لبنان، فكيف بثقةِ مسيحيّي العالمِ العربيّ؟
لم يتوجّه القديسُ يوحنا بولس الثاني بعبارتِه "الوطنُ الرسالة" إلى مسيحيّي لبنان حصرًا، إنّما إلى جميعِ اللبنانيّين. المسيحيّون وحدَهم يَصنعون وطنًا مسيحيًّا. وقد يَلعبُ هذا الوطنُ المسيحيُّ دورًا رائدًا في محيطِه، لكنّه لن يكونَ رسالة. الدورُ غيرُ الرسالة. الدورُ وطنيٌّ زمنيٌّ محدودٌ، أمّا الرسالةُ فإنسانيّةٌ روحيّةٌ لامتناهية. الرسالةُ هي أن نكونَ امتدادًا لدورِ الله. وطنُ الرسالةِ هو في الشراكةِ الوطنيّةِ بين المسيحيّين والمسلمين، بحيث يُعطون معًا الدليلَ على أنَّ الله في عيونِ الآخَر لا في فُوَّهةِ البندقيّةِ وحَدِّ السيف، وفي الانفتاحِ على الآخَر لا في الفتوحات. بيدَ أنَّ الإيمانَ بهذه الشراكةِ اضْطَربَ ثمَّ تزَعزعَ ثم تَزلزَلَ لأنَّ الشركاءَ فقدوا الثقةَ ببعضهِم البعضِ. فَمِنهُم من فَقدوا الإيمانَ الحقيقيَّ والولاءَ الصافي، ومِنهم من اتَّبَعوا زعماءَ ادَّعوا التكليفَ الإلَهيَّأو اعتبروا أنفسَهم مَعصومين من الخطأ.
لا قيمةَ لهذه الشراكةِ خارجَ المشروعِ اللبنانيّ والهوّيةِ اللبنانيّة والحِياد. وبالتالي، إن مصيرَ "الوطن الرسالة" يَستلزمُ تجاوبَ جميعِ المكوّناتِ اللبنانيّةِ مع هذه الثوابت، الأمرُ الذي لم يَتوفّر لأنَّ اللبنانيّين ليسوا متّفقين على دورِ لبنان وهندستِه الدستوريّة. ففيما اختارَ لبنانيّون الدولةَ والدستورَ والديمقراطيّةَ والميثاقَ والحِياد، هناكَ من يريد لبنانَ مِنصّةً أو جَبهةً أو قاعدةً أو نُسخةً عن دولةٍ أخرى، أو وطنًا للإيجارِ لأنظمةِ الـمِنطقةِ ومشاريعِها المذهبيّة. وهناك من يَنظُر إلى لبنان ثَمرةً حانَ قِطافُها.
قد يكونُ لبنانُ "الوطنَ الرسالة" وقد لا يكون. في جميعِ الأحوال هو وطنٌّ مميزٌ. المهمُّ أن نَعرفَ تكاليفَ هذه الرسالةِوالرصيدَ الباقي علينا. فاللبنانيّون، وإن كانوا يَفتخرونبأن يكونوا "الوطنَ الرسالة"، ليسوا مستعدّين أن يَظلّوا أضاحي على مذبحِ هذا الشعار الرائع. "الوطنُ الرسالة" يُصبح مسألةً فيها نَظر ما لم يكن وطنَالحرّيةِوالأمن، والسيادةِ والاستقلال، والاستقرارِ والحضارة. قيمةُ القيمِ المتعلِّقةِ بمصيرِ شعبٍ هي في تطبيقِها المفيد. خارجَ سعادةِ الإنسان وكرامتِه تَصغُرُ القيمُ الأخرى.
في الـمُحَصِّلةِ، مهما فَعل الفاتيكان، إنقاذُ لبنان يبدأ بتغييرِ خِياراتِ الحُكمِ وتحالفاتِه وأدائِه، وإلا بتغييرِه هو. بـمُجَرّدِ تغييرِه تتبدّلُ الظروفُ السياسيّةُ، يَستعيد لبنانُ صداقاتِه واحترامَه، تأتيه المساعداتُ الماليّةُ، يُحِّررُ شرعيّتَه، يَسترجعُ دورَه وحيادَه، يعود المهاجرون، ويُصبح للبنان حكمٌ قويٌّ وحكيمٌ، وعندئذٍ يحيا "الوطنَ الرسالة".

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرافَعةُالبطاركة أمام البابا مرافَعةُالبطاركة أمام البابا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon