بقلم : هدى الحسيني
بعد مراسم أداء اليمين الدستورية في ديترويت، أقامت عضو الكونغرس الجديدة رشيدة طليب مأدبة عشاء خاصة للعائلة وللمقربين من الأصدقاء، وكان أحد أبرز ضيوفها عباس حميدة من أكبر مؤيدي «حزب الله» في أميركا. لاحقاً كتبت طليب تغريدة ونشرت صورة تجمعها وحميدة وهما يحملان صورة لها ووراءها مبنى الكونغرس الأميركي. أما حميدة وتحت صورة لأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله فقد نشر تغريدة جاء فيها: «أحببت دائماً زعيم المقاومة البطل، يحيا السيد حسن نصر الله».
في هذه الأثناء، وبينما كانت طليب توثق علاقتها مع حميدة، كانت الحكومة الأميركية مشغولة بتكثيف الضغط على لبنان بسبب «حزب الله».
يُعتبر حميدة واحداً من مؤسسي «حركة العودة» التي تشدد على حق العودة الفلسطينية، وتقوم بانتظام بشجب إسرائيل.
يشيد حميدة باستمرار بـ«حزب الله» وقائده حسن نصر الله، ويقول إن اليهود ليس لديهم تاريخ في إسرائيل ويجب «أن يعودوا إلى بروكلين» مقر حميدة في كليفلاند؟
بدأت تقارير أميركية تشير إلى ارتباط طليب بمجموعات تسمى «محور المقاومة»، وتحكي عن دور حميدة في جعلها تغير المواقف التي كانت تعلنها في حملتها.
في 8 أغسطس (آب) الماضي، دعم حميدة، علانيةً، طليب، بعد إقراره هذا نشر موقع «الانتفاضة الإلكترونية» تأييد مجموعة «جي. ستريت» اليهودية الليبرالية لطليب. وكانت المجموعة نشرت على صفحتها التي تحث على تقديم التبرعات المالية لحملة طليب، أنه «عندما يتعلق الأمر بعملية السلام، فإن طليب تعتقد أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تشارك مباشرة في المفاوضات للوصول إلى حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين». ثم إن طليب، كما قالت المجموعة، تدعم جميع المساعدات المالية، ومن كل الأنواع، لإسرائيل وللسلطة الفلسطينية، خصوصاً تمويل المبادرات التي تعزز السلام، فضلاً عن الخدمات الاقتصادية والإنسانية.
والمعروف أن مجموعة «جي. ستريت» لا تؤيد المرشحين، ناهيك عن إعطائهم المال، دون فحص مسبق ودقيق. وكي يكون المرء مؤهلاً للحصول على تأييدها، يجب على المرشح السياسي أن يثبت أنه يدعم حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، ويدعم أنشطة القيادة الأميركية للمساعدة في إنهاء النزاع، ويؤيد العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، واستمرار المساعدات للسلطة الفلسطينية ومعارضة المقاطعة، أو طلب سحب الاستثمارات أو فرض عقوبات.
خلال حملتها لم تأت طليب كثيراً على ذكر فلسطين، وعندما سُئلت لم تكن مرتاحة، قالت لصحيفة «واشنطن بوست»: «نحن في حاجة إلى أن نكون صادقين في شأن اتهام أي من الجانبين بعدم الإنسانية، والأهم من ذلك نحن في حاجة إلى عدم اختيار جانب أو طرف».
لم تلق هذه المواقف الارتياح لدى دوائر الناشطين المحيطين بحميدة، لذا أكد لأنصاره، أنه سيصل في البحث والتدقيق إلى القاع. وبدأ تحركاته، لذلك وبعد فترة وجيزة شعرت طليب بالضيق وعبرت على صفحتها على «فيسبوك» أن حميدة يحاول تحديد من هي، وما هي مواقفها، واتهمته بمهاجمتها ومهاجمة أصدقائها.
في وقت لاحق، انقلبت طليب على مواقفها السياسية السابقة، فأعرب حميدة عن دعمه المتواصل لها، وعبر عن فخره بمدى قربه من أفراد عائلتها.
حتى مناسبة العشاء بعد أداء اليمين، كانت طليب تبدو غاضبة من حميدة، لكن الآن عاد عباس حميدة إلى خانة رضا طليب.
في 18 أغسطس (آب) الماضي، كتب حميدة تغريدة: «إن النقد البناء في النهاية، لم يكن سيئاً للغاية. لقد أخبرتكم يا رفاق أننا لا نقوم بتمزيق الناس، نحن نبنيهم ثم نقدمهم، وهذا أمر عظيم».
لاحقاً سحبت مجموعة «جي. ستريت» دعمها لطليب بعدما رفضت تأييد حل قيام الدولتين. وهنا جرى التساؤل عن مدى النفوذ الذي سيؤثر به حميدة على طليب العضو الجديد في الكونغرس الأميركي ومن أصل فلسطيني؟
لم تجعل طليب المتابعين ينتظرون طويلاً، إذ في الخامس من يناير (كانون الثاني) احتلت العناوين الرئيسية في يوم مهم في السياسة الأميركية إذ أعلنت: «سنذهب إلى هناك (الكونغرس) وسنقوم بمحاسبة ابن الـ(…)» وهي تقصد الرئيس دونالد ترمب.
أدلت طليب بتعليقها هذا بعد ساعات من أداء نانسي بيلوسي اليمين الدستورية زعيمة الديمقراطيين الذين استعادوا السيطرة على مجلس النواب. وكان تعليق الديمقراطيين ووسائل الإعلام على طليب «أن هذا النوع من الخطابة يضر بالسياسة الديمقراطية والأهداف السياسية، وهذه ليست ثقافتنا السياسية».
المثير للتساؤل، لماذا تتصرف عضو جديد في الكونغرس بهذه الطريقة، وتدعم علناً رجلاً، بدوره يدعم علناً «حزب الله» المدعوم من إيران، وقد أتت مواقفها خلال رحلة مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط للبحث في كيفية احتواء التصرفات العدائية لإيران، وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية، وأيضاً دعمها لحركة «حماس» في غزة على حساب السلطة الفلسطينية في رام الله، وفي وقت تحث واشنطن، لبنان، على بذل ما في وسعه لتخفيف نفوذ «حزب الله» على كل مواقع الدولة.
ربما لا تعرف طليب دور «حزب الله» في الحياة السياسية في لبنان، أو على الأصح هي تعرف، وهذا ما تشجع عليه. وفقط للفت نظرها، فقد أعرب ديفيد هايل وكيل وزارة الخارجية الأميركية عن قلق الولايات المتحدة خلال الاجتماعات التي عقدها في بيروت، وكان البيان الذي صدر عن السفارة الأميركية في بيروت أوضح أسباب مجيء هايل، فهو أكد على المخاوف الأميركية حول أنشطة «حزب الله» المزعزعة للاستقرار في لبنان والمنطقة، بما في ذلك اكتشاف إسرائيل وتدميرها أنفاقاً شقها «الحزب» عبر الحدود اللبنانية إلى إسرائيل، متحدياً بذلك قرار مجلس الأمن الدولي 1701، مما يعرض أمن لبنان كله للخطر، ويقوض شرعية مؤسسات الدولة اللبنانية.
ربما تستطيع طليب أن تسأل عباس حميدة عما يتساءل عنه الشعب اللبناني: إلى أين يريد «حزب الله» أخذ لبنان؟
وطالما اعترض المسؤولون الأميركيون على «حزب الله» وعلى عملياته التوسعية وصواريخه والأسلحة التي يتلقاها من إيران، كما تعتقد وزارة الخارجية الأميركية وأذرع أخرى في الحكومة الأميركية، أن محسوبين على «حزب الله» صاروا يشكلون بأنشطتهم تهديداً للأمن القومي الأميركي من خلال تهريب الدخان وتجارة المخدرات والأسلحة وأنشطة أخرى في أميركا اللاتينية.
ثم هل تعرف طليب أن إيران غير مهتمة بمصير الشعب الفلسطيني، بل إن اهتمامها بالقضية الفلسطينية ليس أكثر من تغطية لتحقيق طموحاتها التوسعية في الدول العربية، وقد تورط الآن سوريا في حرب مع إسرائيل، بعدما أوشكت الحرب الأهلية على الانتهاء؟ تهنئة إلى طليب على وصولها كفلسطينية إلى مجلس النواب الأميركي، والأمل أن تعمل على إحلال السلام في الشرق الأوسط. والأولى بها مراجعة ملف اللاجئين الفلسطينيين ومشكلاتهم، ومشكلات اللاجئين السوريين والكوارث التي تحل بهم.
نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع