توقيت القاهرة المحلي 15:32:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاتفاق النووي: مع أميركا يكون ومن دونها لا يكون!

  مصر اليوم -

الاتفاق النووي مع أميركا يكون ومن دونها لا يكون

بقلم : هدى الحسيني

  ظل الأوروبيون متمسكين بالاتفاق النووي مع إيران على أساس أنه ليس لدى الولايات المتحدة «خطة - ب»، حتى جاء يوم الاثنين الماضي، وكشف مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي عن «الخطة ب»، البعض سماها طلب استسلام من إيران، وسماها آخرون تنازلات من أميركا. قال إن أميركا ستمارس ضغوطاً مالية غير مسبوقة على طهران، وستلاحق عملاءها ورديفها «حزب الله» حول العالم لسحقهم، حسب تعبيره. ثم أضاف أن بلاده مستعدة لرفع العقوبات في نهاية المطاف، مطالباً حلفاء أميركا بالدعم، خصوصاً الأوروبيين، محذراً في الوقت نفسه الشركات التي ستقوم بأعمال في إيران في قطاعات تحظرها العقوبات الأميركية، بأنها ستتحمل المسؤولية.

عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، قال الإيرانيون بتشاؤم إن الأوروبيين عندما كانت أميركا لا تزال في الاتفاق عجزوا عن إقناعها بتوسيع قاعدة التعامل مع إيران، فكيف الآن.
الأوروبيون يشاركون الأميركيين القلق من برنامج إيران الصاروخي، ودورها في المنطقة ودعمها للمجموعات المسلحة، إنما يختلفون في التوجه. هم يريدون أن توافق إيران على العمل معهم حول هذه القضايا انطلاقاً من حمايتهم للاتفاق النووي. بومبيو يوم الاثنين الماضي رفض هذه المعادلة، فالاتفاق قائم منذ عام 2015 ولم تتغير تصرفات إيران.

يقول الدبلوماسيون الأوروبيون في واشنطن إن حملة الضغوط على كوريا الشمالية دفعتها إلى طاولة المفاوضات، وقد حصل هذا مع إيران عندما تم التوصل إلى الاتفاق النووي، لكن لم تكن حملة الضغوط على كوريا الشمالية هي العامل الوحيد، وكذلك الحملة السابقة على إيران، كانت هناك حملة عالمية. الآن هل بإمكان الأميركيين إعادة تجميع حملة عالمية؟ يمكن ذلك بسبب ضعف أوروبا.

عندما أعلن ترمب الانسحاب من الاتفاق قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رسمياً إنه من الآن وصاعداً سيكون على أوروبا أن تأخذ مصيرها بأيديها، وعندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واشنطن، قال إثر ذلك إنه يقبل ألا تزيد إيران مدى صواريخها عن 2000 كلم، غير عارف أن نشر إيران صواريخها في سوريا ولبنان تقرب المسافة من أوروبا، ولا تحتاج إلى حسبة المدى من إيران، بل من الدول الحليفة لها.

قبل خطاب بومبيو، طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانسحاب كل القوات الغربية من سوريا، إذ ترى موسكو أن الحرب الأهلية في سوريا انتهت، ولماذا بالتالي الانتشار المكثف للإيرانيين فيها، هو الآخر يتجاهل أن إيران تريد أن تفعل في سوريا ما فعلته الأخيرة في لبنان. صارت سوريا مصدر أموال لإيران، إذ بعد اتفاق الأكراد والحكومة العراقية إثر الاستفتاء أعاد الأكراد حقول نفط للعراق، عوائدها تذهب مباشرة إلى إيران، والقاطنون في مدينة البصرة يرون الشاحنات الإيرانية تنقل يومياً نفطاً منها إلى إيران.

في سوريا 3 شركات للهاتف الجوال، تريد إيران شراء واحدة منها، كما أنها صارت تملك بعض مناجم الفوسفات في سوريا، وتنقل عائداتها إلى إيران. وتتطلع إيران إلى الزراعة في سوريا وإلى شراء مناطق سياحية، يرون كنوزاً متدفقة من إعادة بناء سوريا، لكن المنافس الكبير لإيران يبقى روسيا، وهناك الصينيون الخبراء في بناء الجسور والطرق. إذن مشروع سوريا لإيران مهم جداً عسكرياً واقتصادياً. ثم جاء بومبيو ليقول إن الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران الآن هي العقوبات.

قبل اتخاذ ترمب القرار كثر الحديث عن الطرق التي قد تتجنب بها أوروبا، أو تحرّف، أو تتصدى للعقوبات الثانوية الأميركية - التي لا تستهدف إيران فحسب بل أي كيانات تتعامل معها، وذلك للسماح للشركات الأوروبية بدخول السوق الإيرانية، مما يوفر حوافز كافية لإيران للبقاء في الاتفاق، وبعد إعلان ترمب قام الموقعون الأوروبيون الثلاثة: فرنسا وألمانيا وبريطانيا بإجراء محادثات مع إيران لإنقاذ الاتفاق. لكن من غير المرجح أن تغامر الشركات الأوروبية بإمكانية الوصول إلى السوق الأميركية مقابل إيرادات هامشية إيرانية. وقد شعرت الشركات الأوروبية الكبرى بالخطر المقبل عندما وضعت الخزانة الأميركية حاكم البنك المركزي الإيراني على قائمة العقوبات. فهمت الشركات أن الضربة القاضية ستأتي قريباً، وبدأت بالانسحاب، وعلى رأسها شركة «توتال». لن يبقى أمام إيران من حوافز كي تبقى ملتزمة سوى وعود ومشاريع من الصين وروسيا والهند. وإذا بقي الاتفاق حياً، فإن أوروبا التي لعبت دوراً أساسياً في مفاوضات شاقة أسفرت عن الاتفاق ستراقب الأرباح التجارية تتحول إلى الشرق.

ببساطة تحتاج أوروبا إلى الولايات المتحدة أكثر من حاجة الأخيرة لها، وفي كثير من الحالات فإن الانقسامات الداخلية الأوروبية تجعل الولايات المتحدة شريكاً أكثر قيمة للدول الأعضاء من الاتحاد الأوروبي نفسه.
وعندما يتعلق الأمر بالاتفاق الإيراني، هناك ضعفان أساسيان يعرقلان قدرة أوروبا نفسها على الالتزام.

الضعف الأول يتعلق بعيوب تصميم اليورو، والعقوبات الثانوية لا تستمد قوتها فقط من جاذبية السوق الأميركية، بل بسبب القوة التي تأتي من الدولار كونه عملة الاحتياط العالمية. ولشركة متعددة الجنسيات تعمل في نطاق الأعمال التجارية في إيران، فإن عملها دون الوصول إلى النظام المالي الأميركي، أو دون التعامل مع كيانات مثل البنوك والموردين المنفتحين على النظام المالي الأميركي، سيكون من الصعب عليها تحقيق المقاصد والأغراض، ومن الأصعب تجنب التعرض للعقوبات الأميركية.

يشكل اليورو حالياً ما يقرب من 20 في المائة من احتياطيات العملات الأجنبية على مستوى العالم، مقارنة بما يقرب 65 في المائة بالنسبة إلى الدولار.

على المدى القصير، فإن أوروبا في وضع غير ملائم في المواجهة الحالية بشأن الاتفاق الإيراني. أما الضعف الهيكلي الآخر الذي يقيد أوروبا، وفي الاتفاق الإيراني على الأخص، فهو افتقارها إلى قدرة منسقة لعرض قوتها العسكرية في الخارج، وعلى الرغم من وجود مئات الآلاف من الجنود الأوروبيين تحت السلاح، لا يمكن للجيوش الأوروبية القيام بعملية خارج حدودها بشكل مستقل، باستثناء فرنسا وبريطانيا.

إن عودة ظهور الجغرافيا السياسية المقترنة بسلسلة الأزمات الوجودية للاتحاد الأوروبي على مدى العقد الماضي، كشفت أنه على الرغم من أن القوة العسكرية لا تقدم بالضرورة الحلول، إلا أنها تزيد من القوة على طاولة المفاوضات، حيث يتم طبخ الحلول. وبالتالي تبقى الولايات المتحدة في مقعد السائق في المناطق التي لا يزال فيها للقوة العسكرية أو للتهديد بها، دور في الحفاظ على النفوذ.

قال الاتحاد الأوروبي أن لا بديل عن الاتفاق النووي، وبموجب كل الحقوق لا ينبغي أن يصبح الموقعون الأوروبيون على الاتفاق، رهينة لمزاج الرئيس ترمب أو أي رئيس أميركي آخر، لكن، للأسف، حتى تعالج أوروبا كل مشاكلها الداخلية ستكون كذلك.

النظام الإيراني ينهار، أولاً لأنه تحت أي ظرف من الظروف لا يمكن ولن يقبل مطالب الولايات المتحدة لوقف الدعم المالي والعسكري لمختلف الميليشيات الشيعية التي استثمر بها كثيراً، ثم إن «محور المقاومة» ضد إسرائيل وأميركا والغرب هو أساس العقيدة الإقليمية والدولية للنظام. إن وضع النظام في بغداد بعد الانتخابات صار معرضاً، و«حزب الله» في لبنان لا يريد أن تجره إيران إلى الحرب مع إسرائيل، فهو خفف من وجود قواته في سوريا، وقد يكون هدفه السيطرة سياسياً على لبنان.

تريد إيران تغيير أنظمة بلدان أخرى، لكنها لا تريد أن تصغي لمن يطلب منها تغيير سلوكها هذا. لا اتفاق نووياً من دون أميركا. علق المرشد الإيراني علي خامنئي أنه لا يقبل أن تقرر أميركا سياسة إيران، وكذلك الدول المحيطة بإيران لا تقبل بأن تقرر إيران سياستها. ولن تنفع بعد الآن حملة محمد جواد ظريف وزير الخارجية بأن إيران لم تعتدِ على أحد. ومن أجل مستقبل الشعب الإيراني، الأفضل لإيران أن تحمل ميليشياتها وتنسحب. لقد طال وقت تدخلها من دون أن تكسب معركة، ربحت في تقسيم الشعوب وفي تدمير مستقبل المنطقة، وآن الأوان لينتهي كل ذلك!

نقلًا عن الشرق الآوسط اللندتية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاتفاق النووي مع أميركا يكون ومن دونها لا يكون الاتفاق النووي مع أميركا يكون ومن دونها لا يكون



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 07:31 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هارفي ألتر يفوز بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء لعام 2020

GMT 06:50 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة"لكزس "LC ترفع شعار التصميم الجريء والسرعة

GMT 01:30 2021 الأربعاء ,24 آذار/ مارس

مرسيدس AMG تستعد لإطلاق الوحش جي تي 73 e

GMT 01:01 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على نور عبد السلام صاحبة صوت "لؤلؤ" الحقيقي

GMT 14:07 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"التعليم" المصرية ترد على هاشتاج «إلغاء الدراسة»

GMT 05:00 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يرفض انتقال محمد عواد إلى صفوف سيراميكا

GMT 02:05 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دعوة شحاتة وأبو ريدة والخطيب و لحضور حفل التكريم

GMT 08:17 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوب يتهم رئيس رابطة الدوري الإنجليزي بالافتقار إلى القيادة

GMT 06:12 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

عادات خاطئة تضر العين مع تقدم السن تعرّف عليها

GMT 20:29 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 11:27 2020 الإثنين ,06 تموز / يوليو

اقتصاد المغرب سينكمش 13.8% في الربع الثاني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon