توقيت القاهرة المحلي 15:32:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الاتفاق النووي» في مهب التعديل أو «التطيير»

  مصر اليوم -

«الاتفاق النووي» في مهب التعديل أو «التطيير»

بقلم - هدي الحسيني

حتى نهاية عام 2016 كانت إيران تعيش نشوة الانتصارات على كل الجبهات التي تخوضها، لكن مع بداية عام 2017 ووصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في واشنطن إضافة إلى أوضاع داخلية، دخلت إيران في وضع لم تعشه منذ نجاح «الثورة الإسلامية». إنها باختصار تعيش حصاراً استراتيجياً داخلياً وخارجياً. لذلك من أجل فهم ما يجري في المنطقة يجب أن ننظر إلى إيران، فنرى 5 عوامل تقلق «المرشد الأعلى»:

الأول: الولايات المتحدة؛ حيث لم يكن أحد يعرف ماذا سيقرر الرئيس ترمب بالنسبة للاتفاق النووي، لأن ما سيقدم عليه سيكون له تأثير على المنطقة، ثم إن الضغوط الأميركية ليست فقط بسبب الاتفاق، بل أيضاً بسبب سوريا؛ إذ إن لأميركا جنوداً فيها كما في أفغانستان.

الثاني: هناك صدام صار علنياً بين الرئيس حسن روحاني من جهة ورئيس الأركان محمد باقري وقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني. روحاني ضد التدخل العسكري في سوريا لعدة أسباب؛ على رأسها أنه يضع إيران في خطر، لأنها ستدفع ثمن ما ستقوم به في سوريا، ولأن التدخل يمنعه من إنقاذ الاتفاق النووي.
سليماني مهندس كل تدخل عسكري إيراني في الدول العربية؛ سوريا ولبنان واليمن والعراق، يعتقد أنه يعرف ما يريد المرشد الأعلى علي خامنئي. الأخير يقول شيئاً فيفسره سليماني بأنه دعم لاستراتيجياته العسكرية، وهذا ضد تفكير روحاني الذي يريد الانفتاح على العالم، وانفتاحاً أكثر على الغرب، وتحسين الاقتصاد. في المقابل، لا يزال سليماني يريد تصدير الثورة، وهذا ما يفعله في لبنان واليمن. لكن المهم أن سلطات روحاني محدودة بالنسبة إلى ما يجري في المنطقة. هو يسيطر فقط على الميزانية ويمكنه تهديد سليماني بتخفيض موازنته.
الثالث: الاتفاق النووي... إيران كانت فخورة بأنها نجحت في فصل الملف النووي عن برنامج صواريخها وعن «المنطقة»، حتى جاء ترمب وقال بذكاء إنه من الضروري تعديل الاتفاق ليشمل وقف برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني والتدخل الإيراني في المنطقة. وهكذا بدأت تشعر إيران بأنها محاصرة.
رابعاً: المرشد الأعلى مريض، والكل يعرف ذلك، فبدأ الصراع على خلافته، من سيكون الخليفة؟ قد يكون ابنه مجتبى حسين خامنئي، أو محمود هاشمي شهرودي رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، أو إبراهيم رئيسي الذي خسر في الانتخابات الرئاسية أمام روحاني. هذا الأخير يتطلع أيضاً إلى خلافة خامنئي، لكنه انتخب بدعم من الإصلاحيين، وإذا أراد أن يصبح المرشد الأعلى المقبل، فإنه يحتاج إلى المحافظين، لذلك بدأ الآن تدريجياً بوضع مسافة بينه وبين الإصلاحيين.
الخامس وهو الأخطر: الوضع الداخلي في إيران... المظاهرات مستمرة ويجري التعتيم عليها، أصفهان لا تهدأ... إنها مظاهرات الفقراء حول الزراعة حيث الجفاف، وارتفاع الأسعار. ومؤخراً ارتفعت مجدداً أسعار الأرز والسكر، ثم هناك انهيار الريال: 70 ألفاً لشراء دولار في السوق السوداء رغم قرار الحكومة بألا يرتفع السعر عن 42 ألفاً.
إذن هناك، وبشكل مؤكد، أزمة اقتصادية ومالية في إيران تنعكس على كل فرد إيراني. وقد لوحظ أن الجماهير في ملاعب كرة القدم تنادي بعودة ابن الشاه رضا بهلوي، وبإسقاط النظام، وهذه الشعارات لم تكن تُسمع في السابق.
عندما اشتعلت مظاهرات 2009 احتجاجاً على تزوير الانتخابات لمصلحة محمود أحمدي نجاد، أرسل النظام «الباسيج». هذه المرة أمر خامنئي بإغلاق تطبيق «تلغرام»، وهذه خطوة لها دلالة مهمة، فالنظام يريد أن يمنع الإيرانيين من الاتصال بعضهم ببعض للتنسيق حول مراكز التجمع، لقد تعلم من تجربة مصر؛ فالاتصالات عبر «فيسبوك» أدت إلى تغيير النظام. لكن الإيرانيين لجأوا للاتصال فيما بينهم إلى «VPN»، فإيران لا تستطيع أن توقف وسائل التواصل الاجتماعي ما لم توقف الإنترنت بالكامل، وهذا مستحيل.
الآن أضيف إلى هذه المشكلات إحساس النظام بأنه مخترق. لقد اخترقت إسرائيل أهم سرّ لديه، وهذا يؤدي بالطبع إلى عدم ثقة داخلية، فإذا كان المرشد الأعلى لا يستطيع الوثوق بأجهزته الأمنية، فماذا بالنسبة إلى الأسرار الأخرى التي يخبئها، دون أن ننسى الشعور بالإهانة: مائة طن من الوثائق والملفات الإيرانية حطت في جنح الليل في إسرائيل.
لكن يبقى الحفاظ على بقاء النظام العامل الأهم لدى خامنئي، فهو يرى الشعب يثور، ترافقه الضغوط الخارجية؛ خصوصاً من أميركا... يرى أزمة مالية خارقة واقتصاداً منهاراً، ويرى الصراع بين أفراد مؤسساته، وجاءه الآن احتمال المواجهة مع إسرائيل. لأول مرة في تاريخ ثورتها تصل إيران إلى هذه النقطة. تشعر بأنها محاصرة، خصوصاً أن الوسائل التي لديها لمعالجة هذه المشكلات محدودة.
لتهدئة، نوعاً ما، الرأي العام الإيراني، أطلق النظام الأسبوع الماضي زهرا راهناورد زوجة مير حسين موسوي من الإقامة الجبرية، ثم قال خامنئي إنه يريد أن يسحب «الحرس الثوري» من الساحة الاقتصادية، فالحرس تقريباً، يسيطر على كل الاقتصاد. خامنئي يريد خصخصة ما يسيطر عليه «الحرس» وهذا ما يريده روحاني، وقد يسبب هذا الفعل خلافاً جسيماً بين الرئاسة و«الحرس».
كانت إيران تنتظر «12 مايو (أيار)»؛ الموعد الذي حدده الرئيس ترمب ليقول كلمته. لكنه استبق الموعد وقال تلك الكلمة يوم الثلاثاء: انسحاب أميركا من الاتفاق. وهدد بعقوبات إضافية صارمة. الآن إذا بقيت روسيا، والصين وأوروبا؛ فسيبقى الاتفاق، وإذا ذهب الأوروبيون مع أميركا، فسينتهي، أما إذا ذهبوا مع روسيا والصين فالاتفاق باق. لكن من الصعب على أوروبا أن تقف ضد أميركا، هناك كثير من المصالح والأعمال والمصارف المتداخلة.
إيران تحاول جاهدة إبقاء أوروبا في الاتفاق، تعرف أنه من دون الأوروبيين (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) فستتعرض لضغوطات مضاعفة، لا سيما إذا انضمت أوروبا في نهاية المطاف إلى أميركا، خصوصاً أن كل دولة غارقة في مشكلاتها الداخلية. المفاوضات حول الاتفاق النووي جرت بين أميركا وأوروبا؛ استبعدوا إيران. كان على أوروبا أن تأتي لأميركا بخطة تتضمن وقف تصنيع الصواريخ الباليستية، وتفكر أوروبا بفرض مقاطعة، خصوصاً على شخصيات إيرانية في سوريا، وقد يكون هذا بمثابة إنذار لشخصيات إيرانية أخرى بأنها قد تتعرض هي الأخرى للحصار.
الدول الأوروبية الثلاث التي التقت ترمب أبلغته بأنها تعتقد بنجاحها في المحاولة، وطالبت بأن يمدد الفترة، حتى يصل الآخرون إلى نتيجة. إيران قالت إنها ترفض أي تعديل في الاتفاق، لكن إذا مورست عليها الضغوط، فإنها ستقبل. والرسالة الآن أن إيران تحت ضغط داخلي وخارجي، ومزيد من الضغوط، تفرض عليها الموافقة على اتفاق أفضل أو اتفاق مختلف. ثم على الغرب وإسرائيل أن يكونوا أكثر حساسية؛ فالضغط الكبير قد يكسر إيران، وقد ينتصر المتشددون ويعاودون تجديد نشاطهم النووي والتجارب الصاروخية وزعزعة الوضع أكثر في لبنان واليمن. هناك من فسر قرار ترمب بأنه البداية لتغيير النظام أو تصرفاته. هو تعهد بعدم المشاركة في حروب شرق أوسطية جديدة، لهذا رأى أن استنزاف إيران اقتصادياً ومالياً لا بد أن يعيد البصيرة إلى قيادتها أو يطيح بها.
مهما كان هدف ترمب، فيجب عليه أن يبقي على احتمال نجاح المحاولات الأوروبية، وعليه أن يشرح استراتيجيته بوضوح ليبقي الحلفاء والأصدقاء إلى جانبه، ثم عليه أن يعيد الدور الأميركي الأكبر إلى الشرق الأوسط. إدارته تقول إنها تنتظر الانتخابات العراقية. الأوروبيون يفكرون بالضغوط ويفكرون بالجزرة.
إيران لا تملك كثيراً من الأدوات لرد الضغوط عنها... روحاني هدّد السبت الماضي أميركا بأنها سترتكب «خطأً تاريخياً» وقال للإيرانيين إنه «لا شيء سيتغير في حياتنا».
إحدى أدوات الضغط الإيراني «المنطقة»، وهذا سيكون موضوعي الأسبوع المقبل.


نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الاتفاق النووي» في مهب التعديل أو «التطيير» «الاتفاق النووي» في مهب التعديل أو «التطيير»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:49 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية
  مصر اليوم - القسام تعلن قصف مدينة سديروت جنوب إسرائيل برشقة صاروخية

GMT 07:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
  مصر اليوم - علاج جيني مبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 11:41 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
  مصر اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 07:31 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هارفي ألتر يفوز بجائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء لعام 2020

GMT 06:50 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سيارة"لكزس "LC ترفع شعار التصميم الجريء والسرعة

GMT 01:30 2021 الأربعاء ,24 آذار/ مارس

مرسيدس AMG تستعد لإطلاق الوحش جي تي 73 e

GMT 01:01 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على نور عبد السلام صاحبة صوت "لؤلؤ" الحقيقي

GMT 14:07 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"التعليم" المصرية ترد على هاشتاج «إلغاء الدراسة»

GMT 05:00 2020 السبت ,05 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يرفض انتقال محمد عواد إلى صفوف سيراميكا

GMT 02:05 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دعوة شحاتة وأبو ريدة والخطيب و لحضور حفل التكريم

GMT 08:17 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوب يتهم رئيس رابطة الدوري الإنجليزي بالافتقار إلى القيادة

GMT 06:12 2020 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

عادات خاطئة تضر العين مع تقدم السن تعرّف عليها

GMT 20:29 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 11:27 2020 الإثنين ,06 تموز / يوليو

اقتصاد المغرب سينكمش 13.8% في الربع الثاني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon