توقيت القاهرة المحلي 06:46:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روسيا «تَكشّ» فرنسا من غرب أفريقيا!

  مصر اليوم -

روسيا «تَكشّ» فرنسا من غرب أفريقيا

بقلم - هدي الحسيني

بعد مشاركة أكثر من 53 دولة في القمة الروسية - الأفريقية التي عُقدت في سانت بطرسبرغ الشهر الماضي، رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك مهماً للغاية نسبةً إلى الأحداث الجارية في أفريقيا، مثل الوضع المتوتر في النيجر، فيما يتعلق بأهداف روسيا في القارة الأفريقية. بخاصة مع اعتقاد الولايات المتحدة أن هناك بالفعل فرصة «ضيقة» لقلب الاستيلاء العسكري في النيجر.على مر التاريخ، كان الاعتراف بغرب أفريقيا على نطاق واسع بوصفه واحداً من أهم معاقل فرنسا، حيث تم الحفاظ على نفوذها الثابت لعدة عقود. ومع ذلك، بالنظر إلى الاضطرابات السياسية التي شهدتها كل من مالي وبوركينا فاسو، وأدت إلى إنشاء حكومات مؤيدة لروسيا ومعادية للغرب، فإن التمرد المستمر في النيجر يمثل حدثاً مهماً آخر لديه القدرة على تعزيز النفوذ الروسي في أفريقيا.في حين أنه ليس من غير المعتاد أن تشهد دول غرب أفريقيا انقلابات، إلا أن الانقلابات الأخيرة في مالي وبوركينا فاسو والانقلاب المستمر في النيجر، تُظهر سمةً مشتركة في محاذاة الأنظمة الجديدة مع روسيا. ويتضح هذا من الاحتجاجات المستمرة في هذه الدول، حيث يُرفع العلم الروسي بفخر، إلى جانب التأثير المتزايد لمجموعة «فاغنر» الروسية في هذه الدول.

في السنوات الأخيرة، سَعَت روسيا إلى إقامة شراكات استراتيجية مع الدول الأفريقية، بما في ذلك النيجر، وهي دولة غير ساحلية في غرب أفريقيا. في حين أن مدى ودوافع مشاركة روسيا في كل بلد أفريقي تختلف، ويمكن للمرء ملاحظة أنماط معينة في نهجها. تشمل هذه الأنماط المبادرات الدبلوماسية والاقتصادية والتعاون العسكري والمصالح المتعلقة بالموارد الثمينة.

في النيجر، على سبيل المثال، زارها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في عام 2021 لتعزيز العلاقات الثنائية، حيث تم التوصل إلى اتفاقات بشأن مختلف مجالات التعاون، مثل الطاقة والتعدين والدفاع. وتنظر روسيا إلى أفريقيا على أنها منطقة يمكن أن تقلل فيها من النفوذ الغربي من خلال الاستفادة من العلاقات التاريخية وتعزيز التحالفات مع الدول الأفريقية وترسيخ الشراكات مع بلدان مثل النيجر. ومن المرجح أن تقوض روسيا المبادرات والمشاريع المدعومة من الغرب، مثل المساعدات الاقتصادية والتعاون العسكري. بينما يسمح هذا النهج لروسيا بتحدي هيمنة الغرب وزيادة مجال نفوذها على الساحة العالمية.

يسلّط اهتمام روسيا بالنيجر الضوء أيضاً على اهتمامها بالموارد الطبيعية الوفيرة في البلاد، مثل اليورانيوم والمعادن الأخرى. هذه الموارد حيوية لمختلف القطاعات، بما في ذلك إنتاج الطاقة والدفاع. كما يثير سعي روسيا لاستخراج الموارد والشراكات التجارية الدهشة في المجتمع الدولي، لأنه من المحتمل أن يزعج الهيمنة الغربية في هذه المناطق.

في ضوء العقوبات الغربية المفروضة على روسيا في أعقاب عملياتها في أوكرانيا، تسعى موسكو إلى إيجاد سبل بديلة للنمو الاقتصادي. يمكن توسيع وجودها في أفريقيا أن يساعدها على الاستفادة من هذه الموارد وتطوير شراكات تجارية خارج مجال النفوذ الغربي. علاوة على ذلك، يسمح نفوذ روسيا المتزايد في أفريقيا لها بالضغط بشكل غير مباشر على الغرب. على سبيل المثال، لم يمضِ أسبوع واحد على انقلاب النيجر حتى أعلن قادة الانقلاب تعليق صادرات اليورانيوم إلى فرنسا، وهي ضربة كبيرة للبلاد، التي تعتمد على اليورانيوم إلى حد كبير لتوليد الكهرباء.

لا تدعو التطورات الجارية في النيجر الدول المعادية للغرب مثل روسيا إلى ممارسة النفوذ في غرب أفريقيا فحسب، بل تسمح أيضاً للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي لديها وجهات نظر متعارضة تجاه فرنسا بالاستفادة. على سبيل المثال، أشار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مؤخراً إلى أن تعليق النيجر صادرات اليورانيوم إلى فرنسا هو رد على سنوات من اضطهاد فرنسا.

كما أن الانقلاب في النيجر كان مصحوباً بعدم الاستقرار الإقليمي الذي يجلبه، ويعرّض للخطر خطط نيجيريا لتطوير خط أنابيب غاز بقيمة 13 مليار دولار أميركي من شأنه أن يسمح بتصدير الغاز من نيجيريا إلى الاتحاد الأوروبي، شريطة أن ينجح المشروع، سيستفيد الاتحاد الأوروبي من انخفاض الاعتماد على الغاز الروسي، مما يشير بوضوح إلى سبب عدم تحقيق مثل هذا المشروع لمصلحة روسيا.

بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، ستسمح مشاركة روسيا في دول غرب أفريقيا ببناء قوة أمنية سريعة الحركة في المنطقة. على الرغم من أن معظم الدول الأفريقية وقّعت اتفاقيات عسكرية مع روسيا، فإن مجموعة «فاغنر» الروسية تحتفظ بالفعل بوجود قوي ونشط في جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وليبيا ومالي، وكلها على مقربة جغرافية من النيجر. وبالتالي سمحت مجموعة «فاغنر» لروسيا بدخول ساحة المعركة بشكل فعال في النيجر.

الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن مالي، حيث تتمتع مجموعة «فاغنر» بموطئ قدم قوي، أعربت عن دعمها الكامل لمتمردي النيجر. وبالمثل، انضمت بوركينا فاسو إلى مالي، وادَّعت أن أي تدخل في النيجر سيكون إعلان حرب على مالي وبوركينا فاسو. في ضوء نفوذ روسيا المتزايد في غرب أفريقيا، تجدر الإشارة إلى أن بوركينا فاسو نفسها تعرضت لانقلاب في يناير (كانون الثاني) 2022، ومنذ ذلك الحين طلبت من فرنسا سحب قواتها بالكامل مع الترحيب بروسيا كحليف استراتيجي، وبالتالي زادت التكهنات حول الوجود والنفوذ الروسي. وعلى نفس المنوال، أعلنت الجزائر، المعروفة بولائها القوي لروسيا، معارضتها لأي تدخل في النيجر.

سيكون المكسب طويل الأمد لروسيا هو الوجود الكامل والنشط لقوة عسكرية بالوكالة في النيجر، مما يسمح لها بالحفاظ على وجود كامل تقريباً من الغرب إلى الشرق الأفريقي وبالتالي تحدي المصالح الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أفريقيا.

مع هذه التطورات قد يتم تعطيل جهود مكافحة الإرهاب في أفريقيا أو تعليقها، سيسبب هذا السيناريو فرصة للجماعات المتطرفة والإرهابية لتعزيز وجودها في النيجر وشن هجمات عبر الحدود على البلدان المجاورة، مما يزيد من تفاقم المخاوف الأمنية الإقليمية، وهذا يفسر سبب إرسال المركبات العسكرية والمعدات الأمنية إلى تشاد لدعم جهود مكافحة الإرهاب في ضوء التصعيد المستمر في النيجر.

علاوة على ذلك، لا يزال الموقف الجيوسياسي لإيران فيما يتعلق بالنيجر موضوع دراسة متأنية. وفي هذا الصدد، من المحتمل جداً أن تسعى إيران إلى استغلال الاضطرابات السياسية السائدة في غرب أفريقيا، ومواءمة نفسها مع الفصائل والميليشيات المناهضة للولايات المتحدة والغرب العاملة في المنطقة.

في النهاية تُظهر التقارير أن هناك خلافاً مستمراً بين الرئاسة الفرنسية ووكالة الاستخبارات في البلاد بشأن الاتهامات المتعلقة بالفشل في التنبؤ بالانقلاب. على الرغم من كل ما قيل، فإن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه في وقت سابق من هذا العام، وفي محاولة لمواجهة النفوذ الروسي والصيني في أفريقيا، تعهدت فرنسا بتخفيض وجودها العسكري في أفريقيا وتحويل القواعد الفرنسية إلى شراكات مع الجنود الأفارقة. ومع ذلك، يبدو أن استراتيجية فرنسا أسفرت عن العكس تماماً وعملت على إطلاق عنان القوة الروسية في أفريقيا بدلاً من مواجهتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا «تَكشّ» فرنسا من غرب أفريقيا روسيا «تَكشّ» فرنسا من غرب أفريقيا



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon