توقيت القاهرة المحلي 09:13:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حسابات إيران الخاطئة مبنية على الاستفزاز والتصعيد

  مصر اليوم -

حسابات إيران الخاطئة مبنية على الاستفزاز والتصعيد

بقلم : هدى الحسيني

أثارت العملية الإيرانية ضد منشآت النفط السعودية سلسلة من الأسئلة حول الاتجاه الحالي للسياسة الإيرانية. من المؤكد أن قراراً كبيراً سبق الهجوم، لأن نطاق الهجوم وتداعياته العالمية كانت عبوراً للخطوط الحُمر وبمثابة إعلان حرب؛ ليس فقط ضد السعودية، بل ضد الولايات المتحدة. وكان توقيت الهجوم غريباً؛ إذ وقع في ظل أصوات خلفية كانت تدعو إلى المصالحة وتخفيف العقوبات واحتمال عقد قمة إيرانية - أميركية. التوقيت كشف عن تفاقم المعضلة المتعلقة بأي اتجاه تتخذه القيادة الإيرانية.
يعدّ محدثي السياسي الغربي أن الهجوم الأخير جزء من خطة لها علاقة ببقاء النظام الإيراني. في الأشهر الأخيرة وجدت القيادة الإيرانية نفسها تحت ضغوط متزايدة على الصعيد المحلي، والسبب الرئيسي هو العقوبات الاقتصادية وآثارها البعيدة المدى على الشعب الإيراني؛ إذ عادت العقوبات بعدما شعر الشعب الإيراني بقدر من الارتياح في السنوات الأخيرة، وبالتالي فإن الانتكاسة بانسحاب أميركا من الاتفاق النووي زادت الشعور باليأس والغضب الشعبي.
ازدادت حدة الانتقادات العلنية بسبب الثقل الإضافي لمليارات الدولارات المستثمرة في المشروع الفاشل لـ«الحرس الثوري» في سوريا ولبنان، وهو المشروع الذي ينهار مع الهجمات المتكررة على مواقع «الحرس» في سوريا ومواقع «حزب الله» في سوريا ولبنان.
داخل حدود النزاع السوري الذي يتجه الآن نحو مراحله الأخيرة، شنت إسرائيل حرب ظل متواصلة للحد من طموحات إيران و«الحزب»؛ تلك الطموحات التي تسعى إلى إقامة نفوذ إقليمي إضافي، وترسيخ عسكري، وجني الفوائد الاقتصادية لإعادة إعمار سوريا... أمر لم يعد خافياً على أحد؛ خصوصاً بعد اعتراف إسرائيل بأنها على مدى السنوات الماضية شنت المئات من الضربات الصاروخية «المستهدفة» إلى جانب العمليات السرية على خطوط إمدادات إيران و«حزب الله»، وعلى مستودعات الأسلحة والمنشآت العسكرية.
في هذه الأثناء كان الاقتصاد الإيراني في حالة تباطؤ، ومن المتوقع أن يبلغ معدل التضخم نسبة 37 في المائة، ونمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019 في نقص نسبته 6 في المائة تحت الصفر. هذه المصاعب الاقتصادية تزامنت مع اضطرابات سياسية. وكانت احتجاجات العام الماضي أثارت انتباه قادة إيران. ومع أن المرشد الأعلى علي خامنئي لا يتعاطف بالتأكيد مع مظالم الإيرانيين اليومية ومحنتهم، ويشعر بأمان وهو يمسك السلطة بقبضته، إلا إنه يدرك تمام الإدراك أن الشعب الثائر يشكل تهديداً. ثم إن المظاهرات الضخمة تثير الاهتمام والدعم في جميع أنحاء العالم؛ لا سيما من أميركا.
تساعد ميزانية الدفاع الإيرانية لعام 2019 على تسليط الضوء على مخاوف القيادة بشأن الاستقرار الداخلي. انخفضت الميزانية العسكرية الإجمالية بنسبة 28 في المائة، بما في ذلك خفض بنسبة 17 في المائة من ميزانية «الحرس الثوري». في المقابل؛ شهدت وزارة الاستخبارات المكلفة مراقبة المعارضين وقمعهم زيادة في ميزانيتها بنسبة 32 في المائة.
لدى «حزب الله» أيضاً اعتباراته الاقتصادية والسياسية المحلية التي تجب مراعاتها، فهو يتلقى غالبية تمويله من إيران بقيمة تصل إلى 700 مليون دولار سنوياً، وهو قلق بسبب العقوبات المفروضة على البلاد التي يخوض الحروب من أجلها. ونشد مؤخراً الأمين العام للحزب حسن نصر الله دعماً اقتصادياً من مؤيديه في الخارج. وأشار استطلاع للرأي العام أجري في ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى أن ثلث الشيعة اللبنانيين فقط لا يعترضون إذا بدأ الحزب «بمواجهة إسرائيل» عسكرياً. يضاف إلى كل ذلك أن سوريا حصلت على استثمارات كثيرة من إيران لدعم نظام بشار الأسد واحتفاظه بالسلطة، وكانت التكاليف البشرية والمالية باهظة للغاية. ثم إن نفقات الدفاع الإجمالية التي تكبّدتها إيران على مدى السنوات العشر الماضية بلغت نحو 140 مليار دولار. لهذا، فإن نسبة كبيرة من الشعب الإيراني تنظر باستياء إلى القيادة الإيرانية لإنفاقها مثل هذا القدر من الأموال في الخارج بدلاً من القضايا الاقتصادية الخطيرة في الداخل.
هذه التعقيدات الاقتصادية والسياسية حملت إسرائيل على الانتقام من إيران أو «حزب الله» الذي لم يعتبر أن الضربات الجوية الإسرائيلية المحددة في سوريا تجاوزت الخطوط الحمر. وكما يقول محدثي، فإن افتراض إسرائيل فيما يتعلق بالإرادة السياسية من قبل إيران و«حزب الله» بقي ثابتاً رغم أن حملتها العسكرية أصبحت أكثر ديناميكية ووصلت إلى استهداف «الحشد الشعبي» في العراق.
وضع هذا الأمر النظام الإيراني في مواجهة تهديد كبير لاستقراره. لقد وجد النظام أنه من الصعب جداً شرح سياساته وإخفاقاته للشعب الإيراني. إن الشاغل الإيراني الرئيسي هو الاضطرابات الداخلية التي تشكل أكبر تهديد للنظام، وبالتالي يمكن أن تندلع مثل هذه الاضطرابات في أي وقت إذا بقيت العقوبات سارية حتى في شكلها الحالي. لذلك رأى النظام أن الطريقة الوحيدة لنزع فتيل الغضب والتهديد الداخليين هي حشد الناس حوله، ويمكن أن يحدث الالتفاف حول النظام من خلال عملية عسكرية تدور حول القضية الرئيسية: العقوبات المفروضة على سوق النفط.
يعرف النظام الإيراني شعبه وإحساسه القومي أكثر من أي طرف آخر، ويعتمد القادة الإيرانيون على الإيرانيين في الالتفاف حول قادتهم في وقت المواجهة العسكرية. وبناء على ذلك، قامت إيران أولاً بتسخين الخليج العربي من خلال هجمات على ناقلتي نفط بغية خلق استفزاز عسكري.
يؤكد محدثي أن الإيرانيين كانوا يتوقعون نوعاً من الرد من شأنه أن يؤدي إلى مواجهة، لكن عندما فشل وصول هذا الرد، لجأوا إلى الخطة «ب» التي، فيما يتعلق بإيران، كانت أكثر فاعلية، كما كان لها ضعف التأثير:
أولاً: توجيه ضربة إلى «عدوها اللدود» السعودية، فسجلت نقاطاً محلية بين الجماهير الإيرانية.
ثانياً: ضربت عصب الاقتصاد العالمي؛ النفط، واستخدمت أداة الحرب الاقتصادية ضد أميركا والغرب.
اعتقدت إيران أن الهجوم على منشآت «أرامكو» سيرفع الضغط الاقتصادي على الدول الأوروبية؛ الأمر الذي سيدفع بها إلى ممارسة مزيد من الضغط على الولايات المتحدة للدخول في حوار مع إيران. فوق ذلك، يقدر القادة الإيرانيون أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب لن يقود حملة عسكرية... إنهم ليسوا قلقين من حملة كهذه، لأنها في نظرهم لن تؤدي إلا إلى تقويتهم في نظر الشعب الإيراني فضلاً عن تحسين شروطهم للانفتاح على مفاوضات مستقبلية لاحقاً.
هذه هي حسابات القيادة الإيرانية. يقول محدثي، ولأنه من المتوقع أن يزداد الضغط الذي يمارس على النظام الإيراني فيزداد بالتالي ضعفه، فستكون المفارقة أن يصعّد من استفزازاته وقد يرفع من نطاق عمليات عسكرية أقرب ما تكون إلى «حالة حرب».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حسابات إيران الخاطئة مبنية على الاستفزاز والتصعيد حسابات إيران الخاطئة مبنية على الاستفزاز والتصعيد



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon