بقلم - منى بوسمرة
اليوم ليس إشارة إلى ختام «إكسبو دبي»، بل جرس إلى بداية مشروع وطني جديد، فهكذا عودتنا دبي أن القادم أفضل وأسرع.
دبي تودع إكسبو، لكنها في الحقيقة هي إكسبو دائم، فهي صورة مصغرة لقارات العالم بثقافتها وتنوعها وروحها ونسيجها. اليوم نكمل 182 يوماً من الفرح والإبهار والترفيه والعمل والأعمال والحوارات العالمية، سبقها عشرة أعوام من الجهد والتحضير، ليأتي الاختتام على قدر ذلك الجهد، وبحصاد كبير وإرث وفير، ليس للإمارات فقط، بل للبشرية جمعاء التي تجمعت بكل دولها هنا على أرض الإمارات، لتسمع كل دولة صوتها للعالم، وتطرح تصوراتها للمستقبل المشترك.
الختام الأهم ليس بالاحتفال التقليدي في مثل هذه المناسبات، فقد أرادت دبي أن يكون الختام على قدرٍ عالٍ من المسؤولية الجماعية الدولية، بتنظيم قمة الحكومات في الأيام الأخيرة للحدث، التي شارك فيها نفس عدد الدول المشاركة في إكسبو (192 دولة)، وكأنها تقول لحكومات العالم إن القضايا والمحاور التي ناقشها إكسبو على مدار ستة أشهر، لا تستكمل إلا بتبني الأحلام والطموحات والحلول لبناء غدٍ أفضل يتشارك فيه الجميع على أساس من العدل والإنصاف.
لقد نجح إكسبو دبي أن يجمع بلدان العالم في عرض منتجاتها وابتكاراتها وتراثها وتصوراتها، وربط ذلك بالتنمية والحياة الكريمة للشعوب وحماية الكوكب، ليقدم محتوى عميقاً وثرياً يستدعي التزاماً جماعياً بمخرجاته، التي كانت أعمال قمة الحكومات بمثابة تتويج لها.
ومثل هذه الفرصة سواء بحجم التجمع الدولي أو بعدد القضايا المطروحة في برامج إكسبو أو في أجندة قمة الحكومات، ما كانت لتجد هذا الصدى الدولي والحراك العالمي نحوها على أرض الإمارات لولا سياسة الاعتدال والتوازن والتسامح والتعايش التي تنتهجها الإمارات، فكسبت ثقة العالم في ظرف رافقه عدم اليقين صحياً وسياسياً.
لكن التزام الإمارات وتوازنها سمحا لها بجمع وتوحيد العالم لاتخاذ مواقف تتسم بالمرونة والإيجابية والتعاون نحو القضايا العالمية. وهو ما عبرت عنه الوزيرة ريم الهاشمي حين قالت «لم نكن يوماً أكثر تمكناً مما نحن عليه الآن» مسنوداً بالحكمة الجماعية للمشاركين التي آمنت بقدرة الإمارات على تنظيم هذا الحدث وتجاوز العقبات والتحديات فكان حجم المشاركة تاريخياً في سلسلة معارض إكسبو الدولية.
وهذا جواب على كل الذين شككوا في البداية في صعوبة الأمر، لكن العبرة بالنتائج، فالمعرض حقق أكثر من 23 مليون زيارة، وهي نفس التوقعات لما قبل الجائحة، وهي شهادة عالمية جديدة بصوابية رؤية الإمارات وقيادتها وبالقدرة على جمع العالم لبحث مستقبل البشرية، في قضايا وتحديات العصر التي لا تحتمل التأجيل، خصوصاً قضايا البيئة والمياه والصحة العامة.
لقد كان كل شيء إيجابياً من البداية حتى النهاية، فكان تعبيراً صادقاً عن آمال وتطلعات البشرية والتنبؤ بالمستقبل، وشكل إرثاً عالمياً مستداماً لأنه يرتبط بحياة البشر وكوكبهم، ولن تدعي الإمارات الفضل في ذلك، لكن يحق لها أن تقول للعالم إن الأمانة بين أيديكم والمسؤولية الآن عليكم لتنفيذ وعودكم وتصوراتكم بما يغير حياة البشر للأفضل، وتتويج هذا النجاح العالمي عبر تحويله إلى سياسات قابلة للتنفيذ.