بقلم - منى بوسمرة
يقال إن السياسة فن الممكن، قد يكون هذا صحيحاً في مكان آخر غير الإمارات، لأنها هنا فن تحويل المستحيل إلى ممكن، والشاهد هذا الحضور الدولي القوي سواء السياسي أو الاقتصادي أو العلمي لهذه الدولة الفتية، فأينما حل اسم الإمارات حضر الاحترام والثقة والتقدير، حيث أثبتت قدرة أثارت الإعجاب في التخطيط والنمو والازدهار، والانطلاق نحو بناء علاقات دولية متوازنة قائمة على المنافع المتبادلة، وعلى التعاون في القضايا الإنسانية، في إطار من علاقات التعاون والتحالفات التي تخدم البشرية.
وتمثل زيارة محمد بن زايد الحالية لفرنسا انعكاساً واضحاً لتلك السياسات، والعلاقات الثنائية القوية والمتوازنة التي نسجتها الإمارات مع القوى العالمية الكبرى والمؤثرة في العالم، ومنها فرنسا التي ترتبط مع الإمارات بعلاقات ثنائية تتجاوز العلاقات التقليدية إلى علاقات تحالفية استراتيجية.
قد يذهب البعض بالتحالف الاستراتيجي إلى الجوانب الدفاعية والأمنية فقط، لكن في الحالة الإماراتية الفرنسية أوسع من ذلك لتشمل كل المجالات من الثقافة إلى الطاقة والبيئة والتكنولوجيا والأمن الغذائي والتعاون العلمي والرياضي وغيرها، لذلك حين يقول محمد بن زايد عن العلاقة مع فرنسا إنها صديق وحليف استراتيجي، فهو توصيف لواقع تاريخي لم يتغير، بل تطور ويتطور في مسارات أكثر اتساعاً وعمقاً، ليس فقط لأنها تستند إلى تاريخ مبكر من العلاقات، بل لثبات المواقف وتلاقيها والاحترام المتبادل والمنافع المشتركة في أغلب القضايا التي تهم البلدين.
في المباحثات الثنائية بين محمد بن زايد وماكرون كان الانشغال واضحاً، ليس بتطوير العلاقات الثنائية فقط، بل أيضاً بالقضايا التي تهدد البشرية والكوكب، ففي عصر اليوم تحتاج الشراكات الثنائية مثل شراكة الإمارات وفرنسا إلى الاهتمام بتحديات العصر مثل البيئة والأمن الغذائي وأمن الطاقة، بسبب مدى التشابك بين ما هو ثنائي وما هو إقليمي وعالمي، فالتغيرات المناخية تؤثر اليوم في الأمن الغذائي والرعاية الصحية في كل الدول بلا استثناء، ومن غير العمل الثنائي والجماعي معاً لا يمكن النجاح في التصدي لمثل تلك القضايا.
هو إيمان البلدين بتجاوز المسؤولية الوطنية إلى المسؤولية الإنسانية الأوسع، والنابعة من تبني قيم مشتركة لخدمة البشرية، لأن العائد في النهاية فائدة للجميع، ويبدو البلدان مؤهلين ومنسجمين تماماً بل متحالفين للقيام بدور قيادي عالمي في قضايا العصر، لما يمتلكانه من هدف نبيل، ومن تجارب ثرية وطموح وعلم ومعرفة للبحث عن حلول جماعية تضمن مستقبلاً أكثر أمناً للأجيال.
ننظر إلى الزيارة ونتائجها بتفاؤل كبير بتحقيق قفزة جديدة في العلاقات الثنائية، وفي نفس الوقت تحديد مسارات عمل دولية تسهم في التخفيف من الأزمات العالمية وتحديداً المناخ، خاصة أن الإمارات تستعد لاستضافة المؤتمر الـ 28 لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 28) العام المقبل في أبوظبي، لتكون صوت العالم لإعلان حالة طوارئ عالمية تحمي المناخ، وتحقق المستحيل في الزمن الصعب.