توقيت القاهرة المحلي 12:17:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

النتائج غير المتوقعة لمُغامرة بوتين فى أوكرانيا

  مصر اليوم -

النتائج غير المتوقعة لمُغامرة بوتين فى أوكرانيا

بقلم - سعد الدين ابراهيم

لعالِم الاجتماع الجليل روبرت ميرتون R.Merton نظرية صاغها فى ستينيات القرن العشرين حول النتائج غير المتوقعة للسلوك الإنسانى. من ذلك مثلاً أن منَ اخترع السيارة كارل بنز، كان يُفكر فى وسيلة انتقال سريعة، بدلاً من العربات التى كان يجرها البغال، ولكن لم يخطر بباله أن ذلك الاختراع ستصبح له وظائف أخرى، إلى جانب ذلك فقد أصبحت السيارة من حيث الشكل، والقوة، والحجم، وقوة المُحرك، أى الموتور، محسوبة كما لو كانت عدداً من الأحصنة، أى أن السيارة رمز للوجاهة والمكانة الاجتماعية.
أكثر من ذلك تأثير اختراع وانتشار السيارات، ومنها الملاكى، على السلوك الرومانسى للنساء والرجال على السواء، ابتداءً من عشرينيات القرن الماضى. الأمر الذى لم يخطر على بال السيد كارل بنز، كما لم يخطر على بال السيد جيرهام بيل، مخترع الهاتف، أنه سيحدث عِدة ثورات انتقالية فى العالم كله، وكان مقدمة لاختراع التليفون، الذى كان بدوره حلقة فى سلسلة أخرى من الاختراعات.

وبالعودة إلى عالم الاجتماع روبرت ميرتون هو وتلاميذه، ورصدهم لمبتكرات أدى كل منها إلى سلسلة لا نهائية من المبتكرات الأخرى. ولكن أيضاً هناك سلوكيات فردية كانت سبباً، أو همزة وصل، أو فتيلاً لانفجارات كُبرى، أو حتى حروباً عالمية - مثل محاولة الشاب الصربى غافريلو برانسيب اغتيال ولى عهد النمسا، عام 1914، وهو ما أشعل أول حرب عالمية، شاركت فيها أكثر من ثلاثين دولة، واستمرت أربع سنوات (1914-1918)، وراح ضحيتها أكثر من عشرين مليوناً، وضعفهم من الجرحى والمشردين، وغيّرت خريطة العالم فى أربع قارات (أوروبا، وآسيا، وأمريكا، وإفريقيا).

ومع نفس نظرية روبرت ميرتون وآخر تجلياتها فى حدث واحد، وهو غزو روسيا لجارتها أوكرانيا (فى فبراير 2022). وكانت حساباته وأجهزة مُخابراته تؤكد له أن تِلك العملية لا تستغرق أكثر من سبع ساعات، يتم فيها وصول طلائع القوات الروسية إلى مشارف العاصمة كييف، ليستسلم الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، ويُسلّم بالمطالب الروسية بضم ثلاثة أقاليم أوكرانية، يسكنها أغلبية عِرقية سُلافية، يتحدثون الروسية، مع التعهد بعدم انضمام أوكرانيا، لا إلى الاتحاد الأوروبى ولا إلى شمال الأطلنطى.

ولكن المقاومة الشرسة للأوكرانيين، جيشاً وشعباً، عطلت طابور الدبابات الروسية فى منتصف الطريق إلى كييف، وجعلت منه أهدافاً سهلة للأوكرانيين لعِدة أسابيع، ثم لعِدة شهور. ورغم السيادة الجوية الروسية على سماء المعركة، إلا أن الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة وبُلدان حِلف الناتو الثلاثين، وجدوها فُرصة لاستنزاف روسيا بوتين بشرياً واقتصادياً، وبالنسبة لأمريكا خصوصاً وجدها الرئيس جو بايدن فُرصة لتعويض بلاده عن خروجها المُهين من أفغانستان والعِراق.

من ذلك أن أمريكا وحُلفاءها، دون أن يتدخلوا بقواتهم عسكرياً، اعترفوا لأوكرانيا بآخر ما فى ترسانتها من الأسلحة التقليدية (أى غير النووية)، وتدريب الأطقم الأوكرانية.

كذلك على سبيل الدعم غير المباشر، وبالمعلومات، استصدر أولئك الحُلفاء عِدة قرارات من الأمم المتحدة عقوبات دولية لتجميد أرصدة روسيا فى الخارج، ومُصادرتها، وتجميد الأرصدة والحسابات الشخصية للرئيس بوتين، وزوجته وابنته فى البنوك الغربية، وكذلك مستشاره وفئة رجال الأعمال القريبين منه، والذين يُطلق عليهم بالسياسة مصطلح الأوليجارش، أو الأوليجارشية، الذين هم أشبه بالحاشية فى الأنظمة الملكية، وبمراكز القوة فى الأنظمة السلطوية فى بُلدان العالم الثالث.

أكثر من ذلك ما أثارته مغامرة بوتين فى أوكرانيا، وقبلها فى جمهوريات آسيا الوسطى، التى كانت سابقاً جمهوريات الاتحاد السوفيتى، الذى انهار فى أواخر ثمانينيات القرن العشرين، وحاول بوتين إعادة إخضاعها لموسكو تحت مصطلح الاتحاد الفيدرالى الروسى، فقررت بُلدان اسكندنافية، ظلت مُحايدة طوال المائة سنة الأخيرة، التخلى عن حيادها، وطلبت الانضمام إلى حِلف الأطلنطى، وفى مقدمتها أوكرانيا نفسها وفنلندا والسويد. وبذلك امتدت وتضاعفت الحدود المشتركة من تِلك الدول فى البلطيق أكثر من ألف ميل.

وهكذا أدى طموح بوتين فى استعادة أمجاد روسيا العُنصرية (بين القرنين السادس عشر والعشرين)، إلى نتائج عكسية غير متوقعة لم يحسب لها بوتين كل حساب.

فتحية لعالم الاجتماع الراحل روبرت ميرتون.

وعلى الله قصد السبيل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النتائج غير المتوقعة لمُغامرة بوتين فى أوكرانيا النتائج غير المتوقعة لمُغامرة بوتين فى أوكرانيا



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon