توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تغيير مجرى التاريخ: من السادات إلى جورباتشوف

  مصر اليوم -

تغيير مجرى التاريخ من السادات إلى جورباتشوف

بقلم:سعد الدين ابراهيم

سبق أنور السادات فى قمة السلطة المصرية قيادات كاريزمية عملاقة مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس، ومحمد نجيب، وجمال عبد الناصر.ولكن محمد أنور السادات، الذى لم يتمتع بأى كاريزما، هو الذى جرؤ على المساس بما كان المصريون والعرب يعتبرونه من الثوابت التاريخية، وهو المبادرة السلامية نحو العدو الصهيونى، بزيارته لإسرائيل، ثم توقيع معاهدة سلام معها. وبذلك أنهى السادات مسلسل المواجهات العسكرية المسلحة، وتحول الصراع من عربى إسرائيلى، إلى فلسطينى إسرائيلى، يصطلح به أصحاب العزيمة أنفسهم، أى الفلسطينيون من أطفالهم ونسائهم، إلى شيوخهم.

واقتصر الدور المصرى على الدعم المعنوى والإنسانى للفلسطينيين. وكانت مبادرة السادات، عام 1977، فتحا جديدا فى إدارة الصراع سلميا، والتفرغ لتحولات هيكلية فى الداخل المصرى، كان أهمها الانفتاح الاقتصادى والتعددية الحزبية.

ومع اختلاف التاريخ والأحجام والتفاصيل، فإن الزعيم السوفيتى أناتولى جورباتشوف قام بدور مماثل فى الاتحاد السوفيتى، أنهى به الصراع بين المعسكرين الشرقى والغربى، بتوقيع معاهدة للحد من الأسلحة الذرية، وتحويل الاقتصاد الروسى إلى آليات السوق والنهج الرأسمالى، بعد سبعين عاما من الثورة البلشفية، التى حملت وروجت للفكر الماركسى الشيوعى.

وكما أنهى أنور السادات حقبة ساخنة من التاريخ المصرى والعربى العداء للغرب وإسرائيل، فعل أناتولى جورباتشوف نفس الشىء، لا فقط فى السياسات والإدارة الداخلية فى الاتحاد السوفيتى، ولكن فى إنهاء قبضة موسكو على مقاليد الأمور فى جمهوريات الاتحاد السوفيتى، وفى بلدان أوروبا الشرقية، التى ظلت تدور فى الفلك الروسى سياسيا وعسكريا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عام 1945، من خلال حلف وارسو، الذى نشأ كمقابل وظيفى موضوعى لحلف شمال الأطلنطى، الذى قادته أمريكا، وضم حلفاءها الأوروبيين الغربيين.

أدرك أناتولى جورباتشوف أن بلاده تدفع فاتورة باهظة فى سباق التسلح والحرب الباردة، وفى قيادتها لبلدان حلف وارسو، وأنها لا يمكن أن تتحمل تلك الفاتورة الباهظة. كما أدرك بنفس الشجاعة أن تجربة الاقتصاد الاشتراكى، التى بدأت عام 1914 مع نيقولا لينين، ومن بعده جوزيف ستالين، قد استنفدت قوة دفعها، وعوائدها الاقتصادية والاستراتيجية، وأن استمرارها ينطوى على مزيد من إفقار روسيا نفسها، وتبديد ما ظلت تملكه من قوة ذاتية، ومن تأثير خارجى. ولم يكن جورباتشوف وحده فى ذلك الإدراك، ولكن سبق ورافقه آخرون من زعماء الحزب الشيوعى والقادة السوفييت.

ووجد جورباتشوف ترحيبا وتشجيعا من الرئيس الأمريكى رونالد ريجان، ومن المرأة الحديدية البريطانية مارجريت تاتشر، ومن الرئيس الفرنسى تشارلز ديجول. كما وجد ترحيبا وابتهاجا لنفس تلك السياسات الجديدة من المواطنين الروس أنفسهم.

وحين افتتحت بعض شركات الوجبات السريعة، مثل ماكدونالد، وبيتزاهات، فروعا لها فى موسكو، وفى مناطق روسية أخرى أقبل عليها الروس إقبالا منقطع النظير، حيث كانت الطوابير تصل إلى عدة كيلومترات لشراء إحدى تلك الوجبات السريعة. وتكرر نفس الشىء فى سلاسل محلات الملابس والأحذية والسلع الأخرى. باختصار كان هناك نهم استهلاكى سوفيتى لكل ما هو أمريكى، أو بريطانى، أو فرنسى، أو إيطالى.

ومن أوجه الشبه الأخرى بين المصرى أنور السادات، والروسى أناتولى جورباتشوف، أن كلا منهما أسهم بشكل كبير فى تبديد الصراعات الإقليمية والدولية، وفى تجنيب بلادهما وجيرانهما أخطار صراعات مسلحة.

ولذلك، وجدت الأكاديمية السويدية للعلوم والفنون أن كلا من أنور السادات وأناتولى جورباتشوف يستحقان الحصول على الجائزة السنوية الشهيرة باسم جائزة نوبل.

ومن مفارقات التاريخ والأقدار، أن كلا من أنور السادات وأناتولى جورباتشوف، لم يحظيا فى داخل بلديهما بنفس القدر الهائل من التقدير الذى حظيا به عالميا.

رحم الله السادات وجورباتشوف، وأدخلهما فسيح جناته.

وعلى الله قصد السبيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تغيير مجرى التاريخ من السادات إلى جورباتشوف تغيير مجرى التاريخ من السادات إلى جورباتشوف



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon