توقيت القاهرة المحلي 10:02:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شبق السُّلطة: من تونس إلى السودان

  مصر اليوم -

شبق السُّلطة من تونس إلى السودان

بقلم - سعد الدين ابراهيم

الشبق هو قمة الشهوة، والشهوة هى الرغبة العارمة فى إشباع إحدى اللذات الإنسانية الأساسية، وهى الرغبة الجنسية. وقد انتقل تعبير الشبق من عالم الجنس إلى العوالم الأخرى- مثل السياسة، والفن، والاقتصاد. وفى هذه كلها يُشير إلى نفس المعنى، وهو الرغبة العارمة، بلا حدود ذاتية، أى بلا كوابح من داخل الفرد نفسه.

وربما لا يُضارع أو يقترب من شهوة الجنس فى قوتها، إلا شهوة السُّلطة، أى الرغبة العارمة فى الوصول إلى موقع الشهرة والتأثير فى الآخرين من الأقربين والأبعدين. ويرتبط بتِلك السُّلطة التحكم فى سلوك البشر المُحيطين بصاحب تِلك السُّلطة، وبالموارد المادية والمعنوية والرمزية، التى تُضفى على صاحبها الإحساس بالعظمة والتفرد على من حوله من البشر، كما تجعل معظم هؤلاء البشر على استعداد للخضوع والطاعة، والامتنان والاحترام، أو الخوف والرهبة من صاحب تِلك السُّلطة.

ولأهمية وضرورة السُّلطة فى علاقات البشر ببعضهم البعض، فقد نظمت المجتمعات الإنسانية ظاهرة السُّلطة من حيث حجمها، وطُرق الحصول عليها، وتقنين أو ضبط توزيعها، وطُرق استخدامها، وتفويض أفراد أو جماعات باستخدام تِلك السُّلطة، لتنظيم وتسهيل سُبل الحياه للبشر.

وقد صاغ عُلماء الاجتماع والسياسة نظريات حول هذا الموضوع، أطلقوا عليها نظريات العقد الاجتماعى (Social Contract). وبعد ذلك قننها السياسيون ورجال القانون فيما نُطلق عليه الآن مصطلح الدستور الذى هو بمثابة الوثيقة الأساسية فى صياغة وتنظيم السُّلطة وتداولها سِلميًا، لتحقيق الحدود المُثلى من المنافع والطمأنينة لمعظم من يعيشون فى مجتمع، على أرض الوطن.

المقدمة السابقة، أعلاه، هى لتفسير ظاهرة ثورات الربيع العربى، التى بدأت فى مطلع القرن الحادى والعشرين فى تونس، وليبيا، ومصر، والجزائر، والسودان، واليمن، وسوريا. ثم لتفسير عودة المظاهرات الجماهيرية فى ربيع وصيف 2022 فى كل من تونس والسودان، احتجاجًا على استئثار رأس الدولة بسُلطة القرار، أو تلكئه فى تنفيذ بعض بنود العقد الاجتماعى، الذى كان قد جاء بمقتضاه إلى السُّلطة.

لقد كان الدكتور قيس سُعيّد أستاذًا جامعيًا مرموقًا فى الجامعة التونسية، وكانت صفات النزاهة، والاستقلال، والتواضع، والزُهد، هى ما جعلت معظم التونيسيين يرتضون به رئيسًا للجمهورية، بعد عشر سنوات من القلاقل والتوترات التى صاحبت ثورة الياسمين، وسنواتها الأولى، على أمل أن يقود السفينة التونسية من الأمواج المُضطربة إلى المياه الصافية الهادئة، ويُسلّم السُّلطة إلى حكومة مُنتخبة جديدة، خلال فترة انتقالية معلومة. ولكن الأستاذ الأكاديمى، الزاهد، النزيه، بعد شهور معدودات، لعبت السُّلطة بوجدانه ورأسه. فبدأ يُماطل، ويخترع الأعذار لتأجيل الوفاء بالاستحقاقات السياسية التى يتوقعها وينتظرها الشعب التونسى. وكان انضمام الاتحاد التونسى للشغل إلى القوى الشعبية الأخرى التى انخرطت فى الاضطرابات، إشارة لمنَ يعرفون المجتمع التونسى، بأن ساعة الخطر بدأت دقاتها السريعة. فذلك الاتحاد هو أقدم التنظيمات النقابية التونسية والعربية على الإطلاق، وتعود بدايته إلى مرحلة النضال من أجل الاستقلال، ضد الاستعمار الفرنسى لتونس، فى النصف الأول من القرن العشرين. وتعنى مُشاركة ذلك الاتحاد فى الإضراب إصابة الحياة العامة التونسية بالشلل التام. لذلك يتوقع المُراقبون للمشهد التونسى، سُرعة استجابة الرئيس قيس سُعيّد لتلبية الاستحاقات التى يتوقعها شعبه.

ويصدق نفس التحليل السابق أعلاه على الحالة السودانية. فخلال الانتفاضة الشعبية السودانية، التى أنهت أكثر من ثلاثين عامًا من حُكم المُستبد عُمر البشير، كان تدخل الجيش السودانى إلى جانب الجماهير السودانية، لإجبار البشير على الرحيل، تطورًا محمودًا، حقنًا للدماء التى كان يتوقعها أن تنهمر، لو كان البشير قد أمعن فى الإصرار على إشباع شبق السُّلطة فى داخله وفى داخل أتباعه المُقربين الذين استغلوا الإسلام، وادعوا الحديث باسمه، وتسبّبوا فى انفصال جنوب السودان، ذى الأكثرية غير المسلمة، حين أصر نظام البشير على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على كل السودانيين، حتى من غير المسلمين.

المهم لموضوعنا هو أن قيادة الجيش السودانى مُمثلة فى شخص قائده، الفريق عبد الفتاح البُرهان، قد انحازت للاحتجاج الشعبى ضد عُمر البشير، حتى سقط من عليائه. وكبادرة امتنان للجيش وقائده، ارتضت قوى الاحتجاج الشعبية السودانية تقاسم السُّلطة والتناوب المدنى- العسكرى، خلال مرحلة انتقالية معلومة.

ولكن غواية السلطة تسببت فى المماطلة للوفاء بالاستحقاقات المتفق عليها خلال الأسابيع الأولى للانتفاضة الشعبية ضد عمر البشير.

وعلى الله قصد السبيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شبق السُّلطة من تونس إلى السودان شبق السُّلطة من تونس إلى السودان



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon