تسببت جائحة كوفيد 19 فى تأجيل العديد من أفراح الشباب المصرى الراغبين فى الزواج حتى لا تتسبب تلك الأفراح وما تنطوى عليه من تقارب المدعوين إلى ما لا تُحمد عُقباه!.
ولكن قريحة المصريين لم تعدم إيجاد الحلول والبدائل، ومن ذلك عقد الأفراح أثناء النهار، وفى أماكن فسيحة مفتوحة تسمح بالتباعد بين موائد المدعوين، ولذلك يتباعد هؤلاء المدعوون حول نفس المائدة، فبدلًا من جلوس عشرة مدعوين حول مائدة واحدة تقلص العدد إلى خمسة أو ستة حول نفس المائدة، ذلك فضلًا عن تباعد الموائد.
وكان ذلك ينطوى على تقليص عدد المدعوين إلى تلك الأفراح، التى أصبحت تقتصر على أسرتى العروسين، أقرب أقربائهما، وأصدق أصدقائهما. وكانت إحدى المزايا غير المقصودة لهذه الممارسة الجديدة فى أفراح الطبقة الوسطى هى الاقتصاد فى نفقات الأفراح، التى كان بعضها قبل جائحة الكورونا يصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات فى قاعات فنادق الأربع نجوم، وإلى ما يقرب من المليون فى قاعات فنادق الخمس نجوم.
وقُبيل جائحة كوفيد وتقييد السفر إلى الخارج، كان أبناء الطبقة المصرية الأكثر يُسرًا يُقيمون أفراحهم فى عواصم خارجية، مثل قبرص وأثينا وروما ولندن. وهو ما كان يعنى أن مَن يقبلون الدعوة إلى تلك الأفراح خارج البلاد هم بالضرورة من الميسورين أيضًا، الذين يمكنهم تحمل تكاليف السفر بالطائرات، حتى لو كان العروسان سيستضيفانهم فى تلك المواقع الخارجية، التى أصبحوا يُطلقون عليها مقاصد الأفراح Destination Weddings.
وكان ولا يزال إلى وقت كتابة هذا المقال (أواخر يوليو 2022) فى مصر- مثلًا- الأقصر وأسوان والجونة ومنتجعات البحر الأحمر، التى اكتشف المصريون جمالها فى مطلع القرن الحادى والعشرين- مثل خليج أبوسومة وسهل حشيش وشلاتين، قُرب الحدود المصرية السودانية، فضلا عن الحدائق العامة داخل المدن كحديقة الأزهر، والمساحات الواسعة الغنية بجمال الطبيعة كواحة سيوة. وفى ذلك السياق يكتشف المصريون جمال مواقع عديدة من وطنهم، ظلوا غافلين عنها، إلى أن علموا أن كثيرًا من الأوروبيين، وخاصة من سويسرا وألمانيا والبلدان الإسكندنافية، قد اكتشفوها، ويقضى فيها المتقاعدون منهم ما بين أربعة وستة أشهر.
كذلك اكتُشف أن مَن يملكون حدائق أو حقولًا حول منازلهم يمكن بمساعدة شركات إعداد الوجبات الفاخرة أن يقوموا هم بكل المطلوب لإعداد المكان، وتزيينه بالزهور والأضواء والموسيقى.
وقد لبيت وزوجتى، مؤخرًا، دعوة إلى أحد هذه الأفراح، لأحد أحفاد شقيقى الأكبر، فى حديقة بيت أحد العروسين فى قرية أبيس، جنوب شرق الإسكندرية. وكانت بهجتنا مُضاعفة، مقارنة بأفراح فنادق الخمس نجوم. من ذلك:
1- أن الساعة التى سبقت عقد القران أعطت لحوالى مائتين من المدعوين التعارف، وتبادل الأخبار الخارجية والشائعات الداخلية. وأعطت للأطفال فرصة الجرى واللعب، واستهلاك فائض الطاقة.
2- دخل العروسان (عمر وهناء) ذلك الحفل فى الحديقة الفسيحة فى زفة من أصدقائهما وأقاربهما، استمرت على أنغام موسيقى هادئة لحوالى عشر دقائق، ثم أخذا مكانهما على عرس من الزهور البيضاء والورود الحمراء. وعلى مائدة بجوارهما جلس المأذون، الذى أجرى مراسم عقد القران بطريقة مبتكرة، فقد تحدث لعدة دقائق عن الزواج كفريضة فى الإسلام والأديان السماوية لشريعة النكاح والإنجاب. ثم طلب من المدعوين أن يُرددوا وراءه ومع العروسين قَسَم القران.
وبعد ذلك مباشرة تمر صوانى الشربات الأحمر على المدعوين، ثم جولة ثالثة أو رابعة من المُقبلات الخفيفة، وعلى هامش الحديقة الفسيحة عِلب هرمية، فمها إلى أسفل.
ولأن الجميع كانوا سعداء مبتهجين، سهروا مع العروسين إلى منتصف الليل. وسألت على استحياء السيدة نرمين، أم العريس، عن تكلفة الفرح، فى هذه الحديقة البديلة لفندق الخمس نجوم، فأجابت بلا تردد: رُبع التكاليف- مائة وخمسون ألف جنيه، مقارنة بستمائة ألف جنيه، مع الانتظار شهرًا.
ولم تكن تلك التكلفة هى التى جعلتنا نفكر فى حديقة منزلنا، ولكن الانتظار شهرًا كاملًا، حيث كانت كل قاعات الأفراح فى فنادق الإسكندرية محجوزة، بينما مطلوب من العروس أن تسافر إلى مقر عملها الجديد فى العاصمة الأيرلندية، دابلن، خلال ثلاثة أسابيع. ورُب ضارة نافعة، فقد لقى هذا المكان البديل ترحيبًا من العروس وأهلها، وتوفير حوالى نصف مليون جنيه، نحو شهر عسل (ثلاثة أسابيع) فى لوس أنجلوس بأمريكا.
وكان الجزء الآخر المُبهج هو أن الشركة التى تولت إعداد المكان وتزيينه، وإعداد المشروبات والمُقبلات، وتقديم أربعة أصناف فقط من الوجبات: لحوم، دجاج، أسماك، ونباتيات، هى إحدى ثلاث شركات بدأها شباب، خلال سنوات جائحة كوفيد 19، أى منذ عام 2020، وهم بدورهم يتعاقد كل منهم على ثلاثة أو أربعة أفراح، أو مؤتمرات، يوميًّا، وبرُبع تكاليف فنادق الخمس نجوم، فهنيئًا للعروسين، عمر وهناء، وهنيئًا لشباب مصر المُبدع فى تقديم الخدمات العصرية بأرقى مستوى، و25% من التكاليف.
وعلى الله قصد السبيل.