توقيت القاهرة المحلي 22:01:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من الاستنكار إلى الاحتفاء الرئاسى بالمجتمع المدنى

  مصر اليوم -

من الاستنكار إلى الاحتفاء الرئاسى بالمجتمع المدنى

بقلم - سعد الدين ابراهيم

المجتمع المدنى هو حصيلة المبادرات والجهود التى يقوم بها الناس لخدمة أنفسهم وخدمة الآخرين من حولهم، دون انتظار ربح مادى أو جزاء أو شكور.. وبهذا المعنى فهو يشمل الجمعيات، والروابط، والتعاونيات، والنقابات المهنية، والأحزاب السياسية، والحريات الجماهيرية.. من ذلك مثلًا مبادرة إنشاء مستشفى المواساة بالإسكندرية، والجامعة المصرية فى أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين كانت هناك أمثلة وثمرات للمجتمع المدنى المصرى.
وقد نشط المجتمع المدنى، خاصة حينما تخلت الحكومة عن بعض مسؤولياتها فى فترة الاحتلال البريطانى طيلة سبعين عامًا من 1882 إلى 1954.. فكانت مؤسسات المجتمع المدنى هى المُنقذ من الضلال والإهمال.

ولكن مع قيام ثورة 1952، وسعيها للتحرر من الهيمنة الأجنبية وهيمنة الطبقى العليا المصرية، التى كان بعض رموزها من البشوات والبكوات والوجهاء يبادرون ويرعون العديد من الجمعيات الخيرية ومؤسسات النفع العام، وشَك ضباط الثورة فى أن مثل تِلك المُبادرات هى عودة مُقنّعة لاستعادة النفوذ.. فقد أصدرت عِدة قوانين وضعت قيودًا شتى على المجتمع المدنى المصرى.

ويبدو أن صفة «مدنى» أصبحت فى عقول أولئك الضباط كما لو كانت معادية لما هو عسكرى.. من ذلك أنه خلال افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب، عام 1985، اجتمع الرئيس الراحل حسنى مبارك مع عدد من المثقفين، الذين دعاهم د. سمير سرحان إلى حوار مع الرئيس، وحين أعطانى الكلمة، شكوت للرئيس من استمرار القوانين المعقدة للمجتمع المدنى، فقاطعنى الرئيس مبارك بغضب استنكارى: ولماذا تكرهون العسكريين؟!، فأجبته إن العسكريين هم إخواننا وأبناؤنا، وهم على عيوننا ورؤوسنا، فهم حُماة الشعب والوطن، فابتسم مبارك وهمهم بعبارة: أيوه كده.

واستكملت أنا الحديث فى شرح وتفسير المجتمع المدنى على النحو الذى بدأت به فى الفقرة الأولى من هذا المقال، فرد الرئيس مبارك مداعبًا: مثلما تفعل تلميذتكم سوزان فى جمعيات الخدمات المتكاملة!.

فضجت القاعة ضاحكة، لمعرفتهم أنه كان يشير إلى زوجته السيدة سوزان ثابت مبارك!، ثم اتجه هو بالحديث إلى د. آمال عثمان، وزيرة الشؤون الاجتماعية فى ذلك الوقت، والتى كانت تجلس فى الصف الأول مع بقية الوزراء الذين كانوا يحضرون اللقاء، طالبًا منها أن تقدم له تقريرًا حول الموضوع.

ولم ينعدل القانون، مع ذلك، إلا بعد عشر سنوات، وبعد عِدة انتقادات دولية وصلت إلى حد امتناع السيدة مارى روبنسون، رئيسة وزراء أيرلندا لمصر، عن حضور المؤتمر الدولى للسكان عام 1994 إلا بعد تعديل قانون الجمعيات فى مصر!.

إننى أسترجع كل ذلك التاريخ بمناسبة إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أوائل هذا العام أن عام 2022 سيكون عام المجتمع المدنى (الأهرام 15 /1 /2022)، فى ختام مؤتمر منتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ، فى نسخته الرابعة.

لقد أيقن رئيس الجمهورية ذلك من خلال أسفاره فى الخارج وخبرته المباشرة كأحد أبناء محافظة المنوفية التى تنشط فيها جمعية «المساعى المشكورة» لما يُقارب القرن من مشروعات تطوعية شتى.. وكانت تِلك الجمعية إحدى مُبادرات عبدالعزيز فهمى باشا وعدد من أبناء المنوفية، وتخرج فى مدارسها مئات ممن أصبحوا فيما بعد سياسيين ومِهنيين مرموقين مصريًا وعالميًا - ومنهم الرئيسان الراحلان أنور السادات وحسنى مبارك، وربما عبدالفتاح السيسى، لذلك فإن المقياس المُقارن للتنمية الشاملة، الذى يستخدمه البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة فى تقريره السنوى، يشمل عدد منظمات المجتمع المدنى ونسبتها إلى كل ألف من السكان فى المائتى دولة التى يشملها التقرير.

وكالعادة، كانت البلدان الإسكندنافية -السويد، والدنمارك، والنرويج، وفنلندا- هى الأسبق فى إدراك الأهمية القصوى للمجتمع المدنى فى تطوير بلدانها. وقد وصل ذلك فى البلدان الأربعة لدرجة تنازل حكوماتها عن دورها الخدماتى المباشر لمؤسسات ومنظمات المجتمع المدنى.. فقد اتضح لحكومات وبرلمانات تِلك الدول أن المجتمع المدنى هو الأقدر على القيام بذلك النشاط بكفاءة أعلى ونفقات أقل. فتِلك الجمعيات هى الأقرب للناس، حيث يعيشون حتى لو كانوا بعيدًا عن العواصم والمُدن الكُبرى، وهى بمثابة الشرايين الحية فى الجسم الاجتماعى، وبالتالى فهى الأكثر إحساسًا بنبضه، والاستجابة لأدق احتياجاته.

فهنيئًا لمصر.. بصيحة رئيسها عبدالفتاح السيسى أن يكون عام 2022 عامًا للمجتمع المدنى.. وستدخل تِلك الصيحة فى ميزان حسنات مصر.

والله على ما أقول شهيد.

وعلى الله قصد السبيل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من الاستنكار إلى الاحتفاء الرئاسى بالمجتمع المدنى من الاستنكار إلى الاحتفاء الرئاسى بالمجتمع المدنى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:05 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 18 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 10:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

دوناروما يؤكد ان غياب مبابي مؤثر وفرنسا تملك بدائل قوية

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 04:33 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونسكو تعزز مستوى حماية 34 موقعًا تراثيًا في لبنان

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 07:25 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزالان بقوة 4.7 و4.9 درجة يضربان تركيا اليوم

GMT 03:12 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

ليليا الأطرش تنفي تعليقاتها عن لقاء المنتخب السوري

GMT 18:33 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميا خليفة تحضر إلى لبنان في زيارة خاصة

GMT 14:47 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

الحضري على رأس قائمة النجوم لمواجهة الزمالك

GMT 11:13 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

ما وراء كواليس عرض "دولتشي آند غابانا" في نيويورك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon