بقلم : سعد الدين ابراهيم
فى مساء الجمعة 25 يناير 2019، شهدت دار الأوبرا المصرية احتفالاً حاشداً لتوزيع جوائز ساويرس للإبداع الثقافى، للسنة الرابعة عشرة على التوالى.
افتتح الحفل الدكتور محمد أبوالغار، الطبيب المعروف والناشط السياسى المُحتشم. وتحدثت بعده المحامية المخضرمة منى ذوالفقار. وكلاهما مع نُخبة من كبار المثقفين المصريين، كوّنوا فيما بينهم لجاناً مُتخصصة لاستقبال وتقييم الأعمال الإبداعية للكبار وللشباب فى شتى فروع الأداب والفنون، واختيار الأفضل من بينها لمنحه الجائزة فى فرعه، سواء كان شعراً، أو قصصاً، أو روايات، أو فى النقد الأدبى.
شارك فى تِلك الاحتفالية حوالى ألف مدعو، ضاق بهم المسرح الكبير بدار الأوبرا العتيدة، ووقف الفائض منهم فى الممرات، أو خارج المبنى فى الأحواش المُحيطة به، والتى زوّدت بشاشات عرض كبيرة لنقل احتفالية الداخل.
وقد تصادف هذا الحدث الثقافى الكبير، مع الذكرى السنوية لأعظم ثورات مصر المُعاصرة، ثورة 25 يناير الجليلة، التى حاول كثيرون من غير أبنائها اختطافها، تارة باسم حُماة الدين، وتارة باسم حُماة الوطن، وكان هدف المُختطفين هو إجهاضها، ودفن أهدافها التى نادى بها مليون شاب، من أجل الخُبز، والحُرية، والعدالة الاجتماعية. وحيث إن الهواجس الأمنية أدت إلى منع أى احتفالية جماهيرية فى ميدان التحرير، أو غيره من ميادين مصر التى شهدت أحداث تِلك الثورة المجيدة، فقد جاء الاحتفال بمنح جوائز ساويرس للإبداع، كما لو كان تعويضاً تلقائياً جزئياً عن غياب الاحتفال بالعيد الثامن لثورة يناير، خاصة أن معظم مَنْ فازوا بتِلك الجوائز فى شتى فروع الإبداع الأدبى والثقافى هم من شباب مصر المحروسة. ولكن بقية هذا المقال هى عن مآثر عائلة أنسى ساويرس بأسرها. فرب الأسرة بدأ مسيرته المتواضعة كصعيدى مُجتهد من مديرية سوهاج، مع زوجته، يُسرية لوزة، رحلة كفاح فى أعمال مقاولات البناء، وكبرت أعمال الشركة، فنالتها قرارت التأميم، خلال العهد الناصرى فى ستينيات القرن العشرين. وقد تزامن ذلك مع استقلال المملكة الليبية، واكتشاف البترول فيها، وبداية مشروعات التعمير فيها، فرحل إليها المقاول المصرى الصعيدى، أنسى ساويرس للعمل فيها، وفى غضون عِدة سنوات، استطاع أنسى ساويرس أن يُراكم ثروة، يعوض بها ما كان قد تم تأميمه فى مصر الناصرية.
وحينما تغيرت فلسفة النظام الحاكم فى مصر، أنور السادات، إلى الانفتاح الاقتصادى، عادت طيور مصر المُهاجرة إلى أرض الوطن، ومنهم أنسى ساويرس، الذى كان قد أنجب هو ويُسرية ثلاثة أبناء، هم نجيب وسميح وناصف. وغرس أنسى ويُسرية فيهم نفس الروح والقيم والسلوكيات. فهم وطنيون يُحبون مصر حتى النُخاع. وهم مُجتهدون فى دراستهم، ثم فى أعمالهم، إلى ما يقرب الكمال. وهم معطاءون بجزء معلوم للسائل والمحروم. بل يتنافس الأشقاء الثلاثة فى الإنجاز وفى العطاء. من ذلك أنه فى نهاية 2018 قضت أسرتى، مثل مئات من العائلات المصرية إجازة عيد الميلاد، ورأس السنة الجديدة 2019 فى مُنتجع الجونة، قرب الغردقة على البحر الأحمر. وهى المنطقة التى حوّلها آل ساويرس إلى أحد أجمل المُنتجعات العالمية. فإلى جانب كل الرياضات المائية البحرية، فقد أضافوا لها فى السنوات الأخيرة تنظيم أحد أهم مهرجانات السينما، والتى يقصدها، ويقوم بالتحكيم فيها مشاهير الممثلين والمخرجين والمنتجين، من المصريين والعرب والأجانب. وقد أسهم هذا النشاط فى تعمير المنطقة. وبدلاً من فُندق واحد بالجونة، ثلاث نجوم، منذ عشرين عاماً، أصبحت الجونة حافلة بالفنادق المصرية وفروع لأشهر الفنادق العالمية. وأكثر من ذلك استقر بمُنتجع الجونة عِدة جاليات أوروبية، وخاصة من السويسريين والهولنديين، والبُلدان الإسكندنافية.
وقد تحدث فى حفل تدشين مركز التحرير الثقافى، كل من فرانك رتشاردونى، رئيس الجامعة الأمريكية، صاحبة المركز الجديد، فى مقر الجامعة القديم. وكذلك تحدث المهندس نجيب ساويرس، الذى تبرع، وتعهد، ونفذ تجديد وتأهيل المقر القديم إلى تُحفة معمارية، وإلى حديقة غنّاء تُحيط بها. وفى القاعة الكُبرى، المعروفة باسم قاعة أبوارت، استمع حوالى ألف مدعو، لا فقط لأصحاب العُرس، ولكن أيضاً إلى مَنْ أحبوه بالموسيقى والغناء. فاستمع المدعوون إلى طرب شرقى من إحدى طالبات الجامعة التى حاكت كوكب الشرق، الراحلة أم كلثوم، وإلى أشهر المُغنيات الفرنسيات، أديت بياف.
وفى سياق تِلك الاحتفالات التى تتزامن مع كل من مئوية الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومئوية أعظم ثورات مصر فى العصر الحديث، وهى ثورة 1919، علِمنا أن نفس أسرة ساويرس، شركة الإسماعيلية، تقوم بمجهود مُماثل فى إعادة تجديد وتأهيل مدينة القاهرة الخديوية، التى شيّدها الخديو إسماعيل، فى منتصف القرن التاسع عشر. ولذلك أخذت الشركة اسمه، اعترافاً بفضله، وإحياءً لذكراه رغم كل أخطائه، التى حاسبه وسيظل التاريخ يُحاسبه عليها، ولكن ستظل آثاره باقية.
وبفضل الكتيبة العِصامية لآل ساويرس، سنرى فى غضون سنوات قليلة بعثاً جميلاً للقاهرة الخديوية، وشكراً موصولاً لعطاء أسرة آل ساويرس.
وعلى الله قصد السبيل
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع