بقلم - لحسن حداد
يُعْتَبَر المغرب من أكبر البلدان المنتجة والمصدرة للفوسفات ومشتقاته؛ خصوصاً الأسمدة المستعمَلة في إنتاج المواد الزراعية، التي تضمن تغذية أساسية في كثير من البلدان الفقيرة، كما النامية والغنية.
أنتج المغرب 38 مليون طن من الأسمدة عام 2021. ورغم أن كميات الفوسفات التي ينتجها أقل من تلك التي تنتجها الصين، فإن المغرب يتوفر على أكبر احتياطي عالمي للفوسفات، أي 70 في المائة من الاحتياط العالمي («الدول العشر الأولى في مجال الفوسفات» - «أخبار الاستثمار» 2022 بالإنجليزية)، وهو ما يجعله دولة رائدة في مجال الأمن الغذائي.
يلعب المغرب دوراً أساسياً في دعم البلدان الفقيرة بالأسمدة، إذ زوَّد «المكتب الشريف للفوسفات»، وهي أكبرُ شركة مغربية لإنتاج وتحويل وتصدير الفوسفات، البلدان الأفريقية بـ550 ألف طن من الأسمدة، عن طريق هبات وعمليات بيع بأسعار منخفضة، ومن المنتظر أن يرتفع هذا الرقم بنحو مليون طن في سنة 2023 و3 ملايين بعد سنتين من الآن («المكتب الشريف للفوسفات»، منتدى الأعمال الأفريقي - الأميركي، يوليو - تموز 2022، مراكش).
كما أن الشركة المذكورة قامت باستثمارات مهمة في 14 دولة أفريقية؛ خصوصاً إثيوبيا ونيجيريا وكوت ديفوار والغابون وغيرها، من أجل وضع وحدات لإنتاج الأسمدة محلياً وضمان إنتاج فلاحي مستديم في هذه الدول.
ومن المحتمل أن تمْتَدَّ هذه الاستثمارات إلى بلدان أخرى في إطار استراتيجية متكاملة لضمان إنتاج غذائي وتغذية سليمة وضبط سلاسل الإنتاج؛ خصوصاً في البلدان التي لا تعاني من نقص في الماء، أي البلدان التي تقع مباشرة شمال وجنوب خط الاستواء.
ومنذ 10 سنوات صَبَّ «المكتب الشريف للفوسفات»، المُصدِّر الأول عالمياً للفوسفات ومشتقاته، اهتمامه على إنتاج الأسمدة التي بلغت 54 في المائة من مبيعاته، مركّزاً على بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، (جون أفريك «الأسمدة... استراتيجية المكتب الشريف للفوسفات في أفريقيا» أبريل - نيسان 2018)، تتبعها دول أميركا اللاتينية، ثم الهند ودول أخرى. وبهذا يكون المغرب قد حقق 3 أهداف استراتيجية في آنٍ واحد؛ محاربة الفقر وسوء التغذية في البلدان التي تعاني من هذه الآفات، وضمان أمن غذائي عالمي بالاستثمار في دول ومناطق تتوفر على مساحات شاسعة قابلة للزراعة وتتميز بوفرة مائية مهمة، والتحول نحو إنتاج أكثر للأسمدة لضمان استدامة أكثر لعملية استخراج المعادن عبر تحقيق أهداف ذات بعد اجتماعي وغذائي.
ويُعْتَبَر الأمن الغذائي أهم التحديات التي تواجه العالم حالياً وفي المستقبل؛ خصوصاً مع تطور النمو الديموغرافي في كثير من البلدان في آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية. ومن المعلوم أن التغيرات المناخية؛ خصوصاً التصحر والجفاف والفيضانات والحرائق والارتفاع المهول للحرارة، تؤثر بشكل كبير على الإنتاج، خاصة في الضيعات الصغيرة والمساحات الصغرى غير المسقية، التي تضمن قوتاً ولو موسمياً لكثير من العائلات والأسر في البلدان الفقيرة والنامية على حد سواء.
وقد أدت جائحة «كوفيد 19» إلى تدهور سلاسل الإنتاج والتزود، ما أثّر بشكل سلبي على الأسواق وعلى وفرة المواد في بعض البلدان؛ خصوصاً التي لا تتوفر على بنية تحتية ومنظومة لوجيستيكية والقدرة المالية لضمان واردات مستمرة لضمان أمنها الغذائي. وهذا ما أدى إلى تفاقم وضعية الفقراء في كثير من البلدان، وأصبحت المجاعة شبحاً يهدد كثيرين في القرن الأفريقي واليمن وجمهورية جنوب السودان وغيرها من الدول.
وتقول منظمة «أوكسفام أميركا» إن المجاعة لا تتمثل فقط في غياب الغذاء، ولكنها أمرٌ معقد قد تحدثه ظاهرة الجفاف أو نزاع مسلح أو عملية ترحيل قسرية، ولكنه يصير أكثر حدة حين تتقاعس الحكومات عن اتخاذ قرارات صارمة للحد من هذه الأسباب. هذا ما يسميه أليكس ذو وال بالفضيحة السياسية (كريس هوسفادر «المجاعة... الأسباب والعواقب وكيف يمكن تجنبها»، مايو - أيار 2020). أي أن المجاعة ليست قدَراً محتوماً، ولكنها فعل إنساني يتعلق بالحكامة والمسؤولية.
توصي «أوكسفام» باتباع مقاربة متكاملة فيما يخص المجاعات، تتمثل في توفير الماء الصالح للشرب وتوفير سبل النظافة والوقاية وتوزيع الأغذية وزرع النباتات المنتجة للغذاء ودفع الحكومات لتحمل مسؤولياتها (المصدر نفسه).
ولكن الأمن الغذائي لا ينحصر في محاربة المجاعة وسوء التغذية، ولكن في ضمان إنتاج كافٍ في مناطق متعددة من العالم، وضمان ولوج الفلاحين للأسواق لضمان دخل محترم لهم يشجعهم على تحسين نوعية الحبوب واستعمال الأسمدة والاقتصاد في الماء عبر تكنولوجيات التنقيط. كما أن تقوية سلاسل التزود والشحن والنقل وتحصينها ضد الاضطرابات، وضمان بنية لوجيستيكية فعّالة لتوزيع الغذاء، والتركيز على ولوج الطبقات الفقيرة والهشة والمجموعات المهمشة للغذاء عبر التحويلات المباشرة أو المساعدات العينية هي إجراءات مهمة كذلك لضمان أمن غذائي مستدام.
إن المغرب، عبر «المكتب الشريف للفوسفات»، يلعب وسيلعب دوراً مهماً في توسيع مساحة الإنتاج والرفع منه كمياً، وعلى مستوى تحسين نوعية المواد الغذائية، وذلك عبر شراكاته المتعددة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية وآسيا، بحكم توفره على 70 في المائة من الاحتياطي العالمي من الفوسفات، المادة التي تُسْتَخرَج منها الأسمدة الضرورية للرفع من حجم وقيمة ونوعية المواد الغذائية، كما أن دوره سيصبح محورياً؛ خصوصاً مع توالي موجات الحر والجفاف والفيضانات التي تتسبب فيها التحولات المناخية.
نعم، هناك دول في أوروبا وشرقها وشمال آسيا وشمال أميركا وأستراليا ونيوزيلندا تتوفر على الإمكانات التكنولوجية ووفرة المياه والمساحات والحكامة الجيدة والقدرة على التحكم في سلاسل التزود، ما يجعلها رائدة في مجال إنتاج القمح والصوجا (فول الصويا) والزيوت واللحوم، وهذا أساسي للأمن الغذائي الدولي والاستقرار في الأسعار. يدعم المغرب هذا المجهود بتوفير الأسمدة اللازمة، ولكنه في نفس الآن يُركِّز على دعم وتوسيع الإنتاج وضمان الوفرة في المناطق التي تعرف ارتفاعاً في حدة الفقر وتهديداً حقيقياً من شبح المجاعة.
يتطلب الأمن الغذائي وضع رؤية دولية متكاملة تتناول قضايا الإنتاج والتوزيع والولوج والاستعمال والاستقرار. وهذا يتطلب تنسيقاً ما بين الدول لخلق منظومة متكاملة تُحدَد فيها الأدوار بشكل دقيق. ولكن من دون إنتاج محسّن نوعياً ومن دون وفرة تلبي حاجيات السوق الداخلية أولاً، والأسواق الجهوية والدولية ثانياً، لا يمكن الحديث عن المراحل أو سلاسل القيمة الأخرى. وعلى مستوى الإنتاج سيلعب المغرب دوراً محورياً؛ خصوصاً من خلال شراكات مع دول لها تجربة فلاحية عريقة وتتوفر على مساحات شاسعة وعلى إمكانات هيدرولية كبرى، ولها تحديات كبرى فيما يخص محاربة الفقر والهشاشة.
هكذا، سيساهم الفوسفات المغربي في درء شبح سوء التغذية والمجاعة، وليس تحسين الإنتاج فقط. بحَجَرة فوسفات واحدة سيتم ضرب هدفين اثنين في الوقت نفسه؛ دعم الإنتاج ومحاربة الفقر.