توقيت القاهرة المحلي 20:52:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى

  مصر اليوم -

التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى

بقلم - نيفين مسعد

فى شهر سبتمبر الماضى ألقى مهاتير محمد السياسى المخضرم العائد إلى رئاسة الحكومة الماليزية بعد خمسة عشر عاما من تركه لها، خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حفل بالعديد من النقاط المهمة، لكننا نتوقف فيها على ما يخص موضوع المقال. حمل مهاتير محمد على حزب المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة الذى أتت منه كل حكومات ما بعد الاستقلال عام 1957، ووصف الحكومة السابقة تحديدا لنجيب عبد الرزاق بأنها نشرت الكراهية والتعصب العرقى والدينى الأعمى كما نشرت الفساد على نطاق واسع . والحال كذلك انتقل مهاتير محمد للنقطة التاسعة التى قال فيها إن حكومته تتعهد بالانضمام إلى كل ما تبقى من اتفاقيات دولية لحماية حقوق الإنسان. وأضاف أن هذا الأمر ليس سهلا، لأن ماليزيا مجتمع متعدد الأعراق والأديان والثقافات واللغات، لكن الحكومة ستفسح الوقت والمجال اللازمين ليتحاور الجميع بحرية وعلى قاعدة الديمقراطية .

هذا الكلام النظرى كلام جميل لكنه بدا مستغربا على مهاتير محمد، لأنه على مدار فترة حكمه التى امتدت إلى اثنين وعشرين عاما كان له موقفه الرافض بالذات للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى التى تعد واحدة من أهم اتفاقيات الأمم المتحدة ، فما باله يتحدث من منبر الجمعية العامة عن التعهد بالتصديق على كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان؟ لقد أسس مهاتير محمد موقفه السابق من الاتفاقية المذكورة على أساس أنها تتعارض مع نص المادة 153 من دستور ماليزيا الذى يحتفظ بالسلطة السياسية للملاويين المسلمين ، لكن المسألة أعمق من نص دستورى قابل للتعديل، فثمة توازن قلق فى ماليزيا ما بين الملاويين المسلمين الذين يمثلون نحو 60% من السكان وبين القوميات الأخرى وبالذات القومية الصينية التى تمثل نحو 20% من إجمالى السكان وتتوزع على أكثر من ديانة . مبعث هذا القلق أن القومية الصينية التى وفدت إلى ماليزيا فى ظل الاحتلال البريطانى شأنها شأن نظيرتها فى أى دولة أخرى عادة ماتكون بارزة اقتصاديا ونشطة تجاريا بشكل ملحوظ، وفى حالة ماليزيا فإن هذا الوضع خلق فجوة بين الصينيين وبين الملاويين حاول رؤساء الحكومات المتعاقبة تقليلها ما أمكن . وبالتالى وجد الملاويون أن احتفاظهم بالتفوق السياسى يمثل حصانة لهم تحول دون تهميشهم . وإضافة إلى تعقيدات تعديل المادة 153 من الدستور فإن مهاتير محمد فى كتابه المعضلة الماليزية فى السبعينيات كانت له رؤية ثقافية تمييزية بين الملاويين الروحانيين المتسامحين السلسين وبين غير الملاويين خصوصا الصينيين الماديين العدوانيين! وفى الأيام الأخيرة الماضية تم إخراج هذا النص المقتبس من كتاب مهاتير محمد لإثارة علامات استفهام أو حتى علامات تعجب على خطبته فى الجمعية العامة التى بدت وكأنها خارج السياق .

ردا على تعهد رئيس الوزراء الجديد بالانضمام لكل اتفاقيات حقوق الإنسان بما فيها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى، تداعى الملاويون للتظاهر فى قلب العاصمة كوالالمبور واستجاب للدعوة عشرات الألوف الذين جاءوا من مختلف أنحاء البلاد، فما كان من مهاتير محمد قبل المظاهرة إلا أن أعلن صرف النظر عن الانضمام لاتفاقية القضاء على التمييز دون أن يعطى الموضوع فرصة للنقاش كما ورد فى خطابه بالأمم المتحدة، بل هو عدل عن موقفه فجأة كما قرر ما قرره أمام الجمعية العامة فجأة. و لم يحل هذا التحول الذى وصفه البعض بالـ u-turn دون انعقاد المظاهرة كما كان مقررا لها لكن هدفها تحول من الاحتجاج إلى التأييد، واحتشد الملاويون يوم الأحد الماضى وهم يرتدون ثيابا بيضاء ويرددون شعار الله أكبر ويرفعون أعلاما عليها الشهادة، بل إن بعضهم اعتبر أن الاتفاقية المشار إليها هى اتفاقية موجهة ضد الملاويين وضد الإسلام. هكذا وكما يحدث فى العديد من الأزمات السياسية يتم تصوير الأمر على أن المستهدف هو الإسلام كدين وليس الملاويون كمكوّن من مكونات المجتمع الماليزى يدين أهله بالإسلام ، ويصبح المعنى البغيض الذى يتسرب من أمثال هذه الأحاجى السياسية أن الإسلام مع العنصرية وضد المساواة ، وكأن الإسلام لا يرفض العنصرية إلا إن كان المسلمون أقلية فى مجتمع من المجتمعات، فهنا فقط يتم استدعاء مفردات المساواة والعدالة والمواطنة والديمقراطية ...إلخ.

إن كان مهاتير محمد يبحث بعدوله عما جاء فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن توسيع شعبيته بين الملاويين فقد تحقق له ما أراد لكنه يقينا خسر أصواتا انتخابية كانت قد ذهبت إليه من غير الملاويين ، لكن هذا ليس هو الخطير فى الأمر، لأن مهاتير فى النهاية هو فرد ، أما الخطير جدا فهو اللعب بورقة العرق، خصوصا العرق المختلط بالدين كما هو فى حالة ماليزيا، وليس هناك من ينصح الطبقة السياسية الحاكمة فى ماليزيا بهذا الخصوص أكثر من تاريخ الدولة نفسه،  ففى انفصال سنغافورة عنها وفى الصراع الدموى بين القوميتين الملاوية والصينية نهاية ستينيات القرن الماضى ما يكفى ويزيد من نصائح وعظات .

نقلا عن الاهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:30 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
  مصر اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت

GMT 10:00 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إصبع ذكي يعيد حاسة اللمس للاصابع المبتورة

GMT 23:53 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مصمم مغربي يطرح تشكيلة راقية من القفطان الربيعي لموسم 2016

GMT 05:09 2015 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

توثيق ازدهار ونهاية مؤسس "داعش" أبو مصعب الزرقاوي

GMT 21:24 2017 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

5 مواقف فتحت النار على سهير رمزي بعد خلع الحجاب

GMT 05:22 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة موضة تقدم نصائح لارتداء فساتين الصيف خلال الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon