بقلم - نيفين مسعد
من يُطالع الكثير من التحليلات الغربية والعربية التى تتناول الأزمة الاقتصادية الإيرانية وانعكاساتها المُحتملة على الوضع السياسى للجمهورية الإسلامية يخلص إلى أن العد التنازلى للنظام الإيرانى قد بدأ فعلا، فها هو أحد المسئولين الأمريكيين يقول إن إسقاط هذا النظام بات قريبا وممكنا، فى حين يغامر آخر بالقول إن ما تبقى من عمر النظام الإيرانى فى حدود العام الواحد، وتقديرى الشخصى أن مثل هذا النوع من الأحكام يرفع سقف المطالب ليضغط ليس إلا ، فمن المؤكد أن إيران تواجه أبعادا جديدة وخطيرة للأزمة الاقتصادية التى تعانيها منذ سنوات طويلة، أما كون تطور الأزمة على هذا النحو من شأنه إسقاط النظام السياسى أم لا فهو أمر مشكوك فيه. وفيما يلى محاولة تسليط الضوء على مستجدات الأزمة الاقتصادية الإيرانية من جهة، وتحليل مصطلح إسقاط النظام الإيرانى من جهة أخري.
بداية بجديد الأزمة الاقتصادية الإيرانية يُلاحظ أولا استدامتها، فمع أن ذروة الاحتجاجات الاقتصادية الإيرانية انطلقت من مدينة مشهد فى شهر ديسمبر 2017 إلا أنها تواصلت على مدار الشهور السبعة التالية واتخذت لنفسها عناوين مختلفة من قبيل: الاحتجاج على تدهور وضع الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء، أو ضعف رواتب قطاع معين كالمعلمين، أو تدهور قيمة العملة الوطنية. مثل هذا الامتداد لم تعتده الجمهورية الإسلامية، كما ليس من المألوف لديها أن تتداخل الاحتجاجات الاقتصادية مع احتجاجات اجتماعية كأن تقوم بعض الفتيات بخلع الحجاب والتلويح به فى الهواء، وأخرى دينية كأن يقع صدام لأتباع إحدى الطرق الصوفية مع قوات الأمن، بحيث يبدو الأمر كما لو أن الأزمة متعددة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والدينية، فضلا عن السياسية، طبيعة الحال، فالشعارات المرفوعة تدين الديكتاتورية وتطالب بوقف التدخلات الإيرانية فى الساحات العربية.
ويُلاَحَظ ثانيا دخول البازار للمرة الأولى على خط الاحتجاجات الاقتصادية، ودلالة هذا كبيرة، لأننا عندما نتحدث عن ركائز النظام السياسى الإيرانى فإننا نعلم أن البازار من بين هذه الركائز، كما أن ولاية الفقيه والحوزة الدينية والحرس الثورى ركائز أخري. ويُعلِمنا التاريخ أنه حيثما تحرك البازار سياسيا كان تحركه مؤثرا، حدث هذا عندما أسهمت إضرابات البازار فيما يعرف بالثورة الدستورية مطلع القرن العشرين التى أفضت لتشكيل برلمان ووضع دستور، وتكرر الأمر عندما دعّم البازار تأميم صناعة النفط الإيرانية منتصف القرن ووقفوا خلف رئيس الوزراء محمد مصدق، كذلك لعب البازار دورا مهما فى الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوى عام 1979 وإنجاح الثورة الإسلامية. لقد قدم البازار أقوى رئيس للجمهورية الإسلامية وهو على أكبر هاشمى رفسنچاني، والدور الاقتصادى للبازار يتجاوز التجارة بمفهومها المعروف فهو يرعى العديد من المؤسسات المتنوعة الأنشطة من التعليم إلى العبادة ومن الرياضة إلى الثقافة والترفيه والأعمال الخيرية. لكل هذا فإنه عندما يغلق التجار محالهم سواء داخل بازار طهران الكبير أو خارجه فهذا يدق ناقوس الخطر للنظام. يتضرر التجار من فوضى أسعار صرف العملة الوطنية، ويرفع التدهور المستمر فى قيمتها من تكلفة البضائع التى يستوردونها، وبينما يلجئهم ذلك لرفع أسعار البضائع فإنهم يؤثرون على القوة الشرائية للمستهلكين، وهكذا فإن الدائرة خبيثة. ولا يستطيع المسئولون القول إن البازار مدفوع من الخارج، فهو حينما أراد تغيير النظام كما فى 1979 انحاز لحركة الجماهير التى فاجأت الخارج وعلى رأسه الولايات المتحدة.
هناك إذن فى مسألة التذمر الشعبى على تدهور الأوضاع الاقتصادية الإيرانية الجديد الذى يجب أن تحسب حسابه النخبة الحاكمة. لكن فى الوقت نفسه فإن الحديث عن إسقاط النظام أمر آخر، إذ ما معنى إسقاط النظام الحالي؟، هل المقصود إطاحة نظام ولاية الفقيه؟ نلاحظ هنا أن الحركة الخضراء التى نظمت أكبر مظاهرات عرفتها إيران منذ ثورتها كانت تتبنى شعارات الإصلاح دون أن تسعى لتقويض النظام، ولقد التف الشباب حول تلك الشعارات لأنها كانت تدعو للحريات الاجتماعية والسياسية. وبالنسبة لمنظمة مجاهدى خلق فإنها تتبنى مطلب إقامة حكم مدني، لكن ما مدى فعالية هذه المنظمة التى تعارض رجال الدين منذ نحو خمسة وثلاثين عاما استخدمت فيها كل الوسائل الممكنة وتقلبت خلالها علاقتها بالدول الغربية ما بين الحظر والانفتاح؟. تقول مريم رجوى زعيمة المنظمة إنها أسهمت فى إشعال الاحتجاجات الشعبية، وقد يكون هذا صحيحا لكن ماهو عدد من حركتهم هذه المنظمة من إجمالى عدد المحتجين والمتظاهرين؟ إنه عدد شديد الضآلة.
ما أريد قوله إن الوضع الاقتصادى فى إيران خطير، وعندما يبدأ توقيع العقوبات الأمريكية فى مطلع أغسطس المقبل فإن الدائرة ستزداد إحكاما بخروج عدد أكبر من الشركات الأجنبية من السوق الإيراني، وبمزيد من نقص العملات الأجنبية نتيجة تقييد الصادرات النفطية وبالتالى يفوق الطلب العرض وتتدهور أكثر قيمة العملة الوطنية وتتهدد بعض الصناعات بالتوقف نتيجة نقص قطع الغيار. نعم هذا كله صحيح، وسوف يقترن ذلك باتساع نطاق الاحتجاجات الشعبية وتكون المحصلة حالة من عدم الاستقرار تشغل النظام بنفسه وقد تحمله على تقديم تنازلات للخارج، أما إسقاط النظام القائم فلا تتوافر له الظروف فى حدود الأمد المنظور.
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع