بقلم - نيفين مسعد
تمثل سيطرة قوات الشرعية على مطار الحديدة تطورا نوعيا لافتا فى مسار الصراع اليمنى الذى دخل عامه الرابع منذ نهاية شهر مارس الماضى. هذا التطور الجديد كان قد مهد له تقدم بطىء لكن حثيث لقوات الشرعية على طول الساحل الغربى لليمن خصوصا منذ مطلع عام 2017، ومر بمحطات رئيسية كما فى تحرير ميناءى المخا وميدى بما لهما من موقع استراتيچى متميز على البحر الأحمر. وعندما تتمكن قوات الشرعية من الوصول إلى ميناء الحديدة فإنها تكون قد أتمت سيطرتها على الساحل الغربى لليمن بالكامل، وهذا هدف مهم فى المطلق لأنه يقطع خطوط إمداد الحوثيين بالصواريخ التى يمطرون بها الأراضى السعودية ويردهم إلى الداخل اليمنى ويحمى حركة الملاحة فى البحر الأحمر، كما أن هذا الهدف يستمد قيمته من أهمية ميناء الحديدة الذى يعد أكبر الموانى اليمنية ومنه تمر معظم واردات البلاد، وبالتالى فإن انتزاعه من قبضة الحوثيين يحرمهم من حصيلة الرسوم الجمركية ويُحكم الخناق على مواردهم الاقتصادية.
هناك إذن ما يدعو للتفاؤل بالإنجاز الذى حققته قوات الشرعية، وبالتطلع مستقبلا إلى تحرير كامل محافظة الحديدة التى استولى عليها الحوثيون بعد شهر واحد من سقوط صنعاء فى قبضتهم فى سبتمبر عام 2014. ومع ذلك فإن التفاؤل يجب أن يظل محفوفا بالحذر بالنظر إلى جملة التحديات التى تكتنف إتمام تحقيق هذا الهدف. بداية.. فإن معركة مطار الحديدة وإن حُسِمت لصالح قوات الشرعية إلا أن الوضع لم يستتب تماما بعد، لكن الأهم أنه لا يمكن الوصول إلى ميناء الحديدة من دون السيطرة على مدينة الحديدة عاصمة المحافظة وثالث أكبر مدينة يمنية من حيث عدد السكان . هذا التطور تَحَسَب له الحوثيون- منذ بدأ التقدم الحثيث لقوات الشرعية على طول الساحل الغربي- فقاموا بحفر الخنادق وتمترسوا فيها فضلا عن قيامهم بزرع الألغام الارضيّة حول المدينة وداخل شوارعها. تلك العوامل مجتمعة تجعل عملية تحرير مدينة الحديدة محفوفة بالمخاطر وباهظة الثمن من حيث الخسائر البشرية ما يُرجح أن تستغرق وقتا ليس بالقصير . ومن استمع إلى الخطاب المطول الذى ألقاه عبدالملك الحوثى وبثته قناة المسيرة يوم الأربعاء الماضى يدرك أن الحوثيين فى هذه المرحلة مازالوا بعيدين عن الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فلقد أفاض الحوثى فى الحديث عن الصعوبات التى واجهتها قوات التحالف وهى تخوض معركة الساحل الغربى طيلة ثمانية وثلاثين شهرا وأضاف قائلا إن هذه المعركة مازالت صعبة وهى فى الحاضر والمستقبل أصعب وأقسى وأشد نكاية وألما، وتعهد بأن تتحول الحديدة إلى مستنقع يستنزف قوات التحالف إلى الحد الأقصى. بطبيعة الحال يمكن فهم هذا الخطاب فى إطار محاولة رفع الروح المعنوية لأنصار الله بعد الإنجاز الأخير لقوات الشرعية، لكن الحوثى فى الوقت نفسه مازال يراهن على أن جماعته تسيطر على مساحات واسعة من الأراضى اليمنية وبالأساس صنعاء، وهو شدد على البعد العقائدى للصراع الذى تخوضه جماعته لأن هذه النوعية من الصراعات لا تتأثر بأى تطور سلبى فى المعادلات الميدانية طالما أن النصر فيها مؤكد لصالح الجماعة، المطلوب فقط هو الصمود والثبات، وقد رأينا نصر الله سبحانه وتعالى ولولا هذا النصر وهذا التأييد لما كان للمعركة أن تطول كل هذا الوقت والعدو يضرب فيها بكل إمكاناته العسكرية.
لقد كتب أحد الباحثين بعد استيلاء قوات الشرعية على المخا مقالا كان عنوانه هل تسقط حكومة صنعاء بعد السيطرة على ميناء المخا؟، وكان ذلك فى يناير 2017، وها قد مر أقل قليلا من عام ونصف العام على هذه النبوءة ولم تسقط صنعاء . مثل هذا النوع من التحليلات الاستباقية شديد المبالغة فى تفاؤله أسوقه للتحذير من القفز مبكرا إلى أن تحرير مطار الحديدة أوحتى مدينتها ومينائها معناه قرب تحرير صنعاء، أولا لأن الطرق الفاصلة بين مدينتى الحديدة وصنعاء شديدة الوعورة ما يجعل الدخول لصنعاء من جبال نهم التى تمثل البوابة الشرقية للعاصمة أوقع ، لكن حتى هذه اللحظة فإن ثمة جمودا فى الوضع العسكرى على جبهة نهم .ثانيا لأن الخبرة التاريخية تفيدنا بأن صنعاء كانت دائما عصية على إخضاعها ، فلقد فشلت القبائل الملكية فى دخول صنعاء بعد حصارها لمدة سبعين يوما كاملة غداة انسحاب الجيش المصرى من اليمن فى ديسمبر 1967 واضطرت آخر الأمر لفك الحصار ولاحقا انتصرت الثورة. درس التاريخ هنا يبدو مهما وإن كانت المفارقة التى يحملها غير خافية ، ففى 1967 تحصن الثوار فى العاصمة صنعاء أما فى 2018 فالعاصمة فى قبضة الثورة المضادة.
إن الصراع اليمنى بشكل عام صراع بالغ التعقيد والتشظى أيضا ، وفى مقابل الجمود الذى يميز بعض جبهاته (تعز ونهم نموذجا) فإن تحالفاته السياسية متغيرة (تحالف على عبد الله صالح وَعَبد الملك الحوثى على سبيل المثال)، زِد على ذلك أن الأطراف المتدخلة فى هذا الصراع متعددة وحساباتها أيضا مختلفة (تباين الموقف الفرنسى عن الموقفين الأمريكى والبريطانى بشأن العمليات العسكرية فى الحديدة)، ثم إنه لا يمكن التعامل مع ما يجرى على الساحة اليمنية بمعزل عما يجرى فى سوريا والعراق ولبنان لأن إيران لاعب أساسى فى كل هذه الساحات، والتسوية حين تتم ستكون على الكل لا الجزء.
والخلاصة أن من حقنا بالتأكيد أن نحتفى بالإنجاز الكبير الذى حققته قوات الشرعية بالسيطرة على مطار الحديدة لكن من دون أن نتصور أن تحرير ميناء الحديدة أصبح أمرا سهلا أو أن الطريق إلى صنعاء صار مفروشا بالورود.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع