بقلم: نيفين مسعد
أراهن عزيزي القارئ إن لم تتسلل ابتسامة إلى شفتيك بمجرد قراءة عنوان المقال فظاهرة التوائم ظاهرة طريفة جدا. هذه العربة ذات المقعدين التي تدفعها أم شابة ويَقبَل فيها كل شيء القسمة على اثنين: الملامح والمشاعر والملابس وفي بعض الأحيان السلوك، هذه العربة كأن بها حمولة من البهجة تنتظر أن يتم إفراغها عند أول حديقة أو نادٍ أو حضانة أو بيت الأجداد.
***
تقطع العربة الصغيرة الطريق وسط وجوه كثيرة منها الواجم ومنها القلق ومنها العابس فتُفسح المجال لتعبيرات أخرى على الوجوه مختلفة تماما، وكأن العربة هي جرّافة تجرف الهموم وتنثر ما يليق باستقبال مخلوقَين شاءت الأقدار أن يكونا "فولة وانقسمت نصين". زمان لم تكن ظاهرة التوائم معروفة على نطاق واسع، الآن وبسبب أدوية مكافحة العقم تطور الأمر وانتشر، لا بل عرفنا أيضا أن الطعام قد يكون له علاقة بظاهرة التوائم هذه، ففي إحدى القري النيچيرية التي توصف بأنها "عاصمة التوائم في العالم" يقال إن سر التوائم يكمن في أوراق نبات البامية وثمار البطاطا، هل هذه دعوة لكل زوجة شابة لتجرّب وصفة القرية النيچيرية لمرة واحدة في العمر؟ أم تراها دعوة للامتناع عن تناول البطاطا علي الطريقة النيچيرية حفاظا على مبدأ طفل واحد يكفي في هذا العالم؟ .. لا توجد إجابة مثالية .
***
قبل عدة أسابيع قامت إحدى الفضائيات في نشرتها الإخبارية بتغطية المهرجان السنوي للتوائم في القرية النيچيرية إياها، الاحتفال مذهل بكل معاني الكلمة. توائم من كل الأعمار، طاعنون في السن ومواليد جدد، رجال ونساء، المشهد في نصف الشاشة الأيمن يتكرر بحذافيره في نصفها الأيسر.. هل يوجد خلل في الإرسال؟ لا بل هو انبهار على مستوى الاستقبال. ألوان الثياب الأفريقية المفرحة تضفي على ظاهرة التوأمة جمالا فوق جمال، وفي هذا الإناء العميق "يبلبط" توأم صغير تسكب عليه الأم دفقات الماء بحب وحرص فيما تلوح للكاميرا باليد الأخرى في اعتزاز. ما سبب هذا الاعتزاز؟ هذا الاعتزاز مصدره الندرة، فمهما تكاثر التوائم بسبب حساء البامية أو صينية البطاطا فالأكثرية هي من غير المتشابهين، هل أضيف أيضا أن الواحد منّا يحب أن يرى نفسه دون حاجة إلى مرآة؟ ربما .. فالأنا عندنا تحتاج أحيانا إلى من يدللها أو حتى يضخمها، وهذا التضخيم قد يكون مصنوعا بكثرة الحديث عن الذات والإنجازات، وقد يكون مطبوعا أي فطريا عبر ظاهرة التوائم، وشتّان هو الفارق بين المصنوع والمطبوع .
***
وأنا أجهّز مادة المقال اكتشفت أن العالم كله يحتفي بظاهرة التوائم وليست نيچيريا وحدها، وعلمت أن هناك مهرجانات سنوية تقام لهذا الغرض في الصين وفرنسا وإن كانت جذور الاحتفال السنوي للتوائم تعود إلى الولايات المتحدة فالأمر فيها يرجع لسنين طويلة. تسلَلت إلى نفسي دَفعَة جديدة من البهجة المحفوفة بالدهشة من أن يكون هناك مهرجان للتوائم في الصين، فالشعب الصيني بشكل عام أقرب ما يكون إلى مجموعة كبيرة جدا من التوائم، حتى أنه لطالما حيّرني السؤال: كيف يمكن لفتاة صينية أن تحب شابا يشبه الآلاف بل الملايين؟ كيف تميزه وكيف يستأثر باهتمامها؟ لقد تدَخلت الإرادة البشرية للتلاعب بالچينات الصينية فتفاوتت الأطوال والأحجام وبدرجة أقل الملامح هذا صحيح، لكن يظل في الصين أن التشابه هو الأصل. الصين ليست وحدها على أي حال، مثلها في ذلك مثل ڤيتنام وماليزيا واليابان.. إلخ. على ذكر اليابان أطيح مؤخرا بوزير العدل الياباني بعد أن تبين رشوته الناخبين بثمار البطاطا والذرة... ممممم ما حكاية البطاطا هذه؟ مرة في نيچيريا ومرة في اليابان.. أتكون لها صلة بظاهرة التوائم؟ العلم عند الله.
***
في حياة كل منا توأم أو أكثر اقترب منه وتعامل معه، وفي طفولتي جمعتني صداقة بالتوأم منى وسلوى. كان للفتاتين أخ وأخت.. لكن التوأم كان عالما وحده، ملامح متطابقة.. نفس القامة.. صوت واحد.. سلوك متماثل.. حرص على ارتداء نفس الزِّي. بعد أن استنفدَت دهشتي من هذا التطابق الغرض منها بدأت أشعر ببعض الضيق، فأنا ألعب مع منى وأفاجأ بأنها سلوى وألعب مع سلوى فتفاجئني بأنها منى، أحب أن أسمّي الأشياء بمسمياتها وأحب أن أعرف مع من ألعب بالضبط من باب الشفافية، وكان هذا أمرا صعب المنال. كانت الصديقتان تتفننان في خداعنا وتقهقهان ونحن ننادي كلا منهما باسم الأخرى، وانتهى بِنَا الأمر إلى أن ننادي كلا منهما بالاسمين معا فنقول: يا منى أو سلوى! وهكذا انتقمنا لسنوات طويلة من خداعنا. وفي حياتي العملية التقيت بالتوأم رحاب ورباب وكانتا طالبتين في الدراسات العليا، وهنا أخذ الأمر أبعادا أخرى. كانت الفتاتان معتزتان جدا بتطابقهما، تدخلان عليّ المكتب فتبدأ إحداهما الكلام لتكمله الأخرى، تنفعل الأولى فتساندها الثانية. عند أداء الامتحان استماتت الفتاتان لتجلسان متجاورتين لأنهما لا تطمئنان إلا بوجود إحداهما إلى جانب الأخرى، وهنا كان السؤال المنطقي: ماذا فعلتما في امتحانات الشهادات العامة حيث أرقام الجلوس لا تعترف بالتوأمة ولا يحزنون؟ كان ردهما أنه الاستثناء أما القاعدة فكانت أنهما تجلسان متجاورتين. حسن لا ضير من بعض المرونة، استجبنا أول مرة ثم لم نكررها أبدا. جعلت الفتاتان عيون المراقبين في وسط رؤوسهم كما يقولون، رحاب تعير قلما لرباب ورباب تعير مسطرة لرحاب، علبة مناديل من رحاب لرباب وعلبة عصير من رباب لرحاب، رحاب تسأل رباب عن الساعة ورباب تطلب من رحاب مروحة، رباب تسلّم ورقتها للمراقب ورحاب تستعد للتسليم!! لاحقا تزوجت الفتاتان من شقيقين وأظن أنهما توأم، واستقر الرباعي في إحدى الدول الخليجية .