توقيت القاهرة المحلي 05:29:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المرأة المصرية والقضاء

  مصر اليوم -

المرأة المصرية والقضاء

بقلم - نيفين مسعد

 يتردد هذه الأيام اسم القاضية اللبنانية چوسلين متّي.  فى كل أنحاء لبنان ومنه إلى مختلف أنحاء الدول العربية، وكانت متّى   قد حكمت على ثلاثة من الشبان المسلمين - الذين وُجِّه لهم اتهام بالإساءة للسيدة مريم العذراء - بحفظ سورة آل عمران التى تكرم السيدة مريم أرفع تكريم «وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاكِ وطهركِ واصطفاكِ على نساء العالمين .»وراء هذا الحكم المُفحِم عقل راجح يرُد المتهمين إلى صحيح الدين ويقضى بأن يعودوا إلى نصوصه المنزلة، وهذا بعض ما تفعله النساء حين يعتلين منصة القضاء. بسرعة البرق تناقلت وسائل التواصل الاجتماعى نبأ الحكم الفريد من نوعه، وحظيت القاضية المحترمة بثناء عابر لكل الطوائف اللبنانية واختصها رئيس الوزراء الحالى والسابق بالمديح، فعلق سعد الحريرى على الحكم قائلا إنه «قمة فى العدالة وتعليم المفاهيم المشتركة»، ووصف  نجيب الميقاتى الحكم بأنه «مثال يُحتذى فى الأحكام الإصلاحية المبنية على التسامح»، وغير ذلك كثير.

فى مصر مازالت المرأة تناضل من أجل مساواتها بالرجل فى تولى مختلف المناصب القضائية ، نضال يوشك أن يتم عامه السبعين منذ أن تقدمت عائشة راتب عام 1949 للعمل كمندوب مساعد فى مجلس الدولة وحتى يومنا هذا . النضال الأول لمن صارت لاحقا  الأستاذة الجامعية المرموقة والسفيرة الناجحة والوزيرة المخضرمة الدكتورة عائشة راتب هو نضال جدير بكل احترام ، فما تركت هذه السيدة بابا إلا وطرقته دفاعا عن حقها فى المواطنة الكاملة ، وأخيرا ظفرت بنصف انتصار عندما أصدر المستشار عبد الرزاق السنهورى حكمه الشهير عام 1953 الذى لم يجد فيه دستوريا أوقانونيا أوشرعيا ما يمنع المرأة  من تولى منصب القضاء،  لكنه رأى أن اعتبارات الملاءمة تحول دون ذلك . مسألة المواءمة هى مسألة تتعلق بالظروف الاجتماعية وكل المجتمعات تتغير فهذه سنة من سنن الكون .

واصلت حقوقيات كثيرات نضال الدكتورة عائشة راتب وحركن الدعاوى الواحدة تلو الأخرى وصولا إلى الدعوى التى أقامتها الحقوقية أمنية جاد الله للعمل بالقضاء الإداري،  وعلى امتداد الطريق تحققت ثمة إنجازات . ففي2003 وقع اختراق بالغ الأهمية بتعيين المستشارة تهانى الجبالى فى قمة الهرم القضائى : المحكمة الدستورية العليا ، ثم جاء تطور جديد عامى 2007 و2008 بنقل عدد من النساء من النيابة الإدارية إلى العمل بالقضاء العادى ، وهكذا عملت النساء بالقضاء المدنى والجنائى والاقتصادى والأسرى ، وظل مجلس الدولة القلعة الحصينة التى تعذر على المرأة اختراقها . ثم كانت النقلة النوعية مع المادة 11 فى دستور 2014 التى حققت للمرأة ما لم يتحقق لها من قبل عندما نصت على أن تكفل الدولة للمرأة حقها فى « التعيين فى الجهات القضائية ( والإشارة هنا يفهم مقصود به مجلس الدولة فى الأساس ) والهيئات القضائية «. وراء هذا الإنجاز الكبير كان هناك جهد دؤوب قادته كتيبة النساء فى لجنة الخمسين : ميرفت التلاوى و منى ذو الفقار و هدى الصدة وعبلة عبد اللطيف و عزة العشماوى .

فى ظل تلك الخلفية ناقشت ندوة عُقِدَت بإحدى الفضائيات قضية استعصاء مجلس الدولة على الحقوقيات المصريات ، وفيها قيل كلام غريب تعامل مع المرأة المصرية باعتبارها كائنا شاذا عن كل نساء الأرض اللائى عملن بالقضاء من أول المغرب فى عام 1961 وانتهاء بموريتانيا فى عام 2014 مرورا بنساء لبنان والسودان واليمن وفلسطين وليبيا والأردن وسلطنة عمان والإمارات . لن أتوقف عند هذه المساحة التى يحاول البعض جرنا إليها بالحديث عن الظروف الخاصة للمرأة ببساطة لأن إعمال منطق الظروف الخاصة سيفضى فى الأخير إلى أن تلزم المرأة بيتها . لكنى سوف أركز على ثلاث نقاط وردت فى النقاش وأراها جد خطيرة ، النقطة الأولى تتعلق بالتعامل بانتقائية مع مواد الدستور إذ قال أحد الضيوف « إيه اللى فى الدستور دلوقتى ممكن تقول تم العمل بيه وتم تفعيله .. إشمعنى المادة 11عاوزين نفعلها «. منطق «إشمعنى» معناه أن هناك مواد دستورية للتطبيق وأخرى للتجميل ، وهذا يصيب العدالة فى مقتل لأن العدالة بطبيعتها مجردة لا تمايز بين قاعدة قانونية و أخرى . النقطة الثانية هى القدح فى كفاءة القاضية العربية بالقول إنها « فشلت « ! ، هكذا فى بساطة شديدة نحكم على كل من تبوأت منصب القضاء فى الدول العربية بالفشل ، المسألة إذن ليست مسألة القضاء الإدارى لكنها مسألة القضاء نفسه . هناك نماذج قمة فى الكفاءة والمهنية لقاضيات عربيّات  منهن القاضية چوسلين متّى  التى بدأ بها المقال ، ومنهن القاضية كلثوم كنّو  التى نافست على منصب رئيس الدولة التونسية فى انتخابات 2014،

والأمثلة أكثر من أن تُحصى وكانت لمجلس النواب ومجلس حقوق الإنسان المصريين تجربة ممتازة فى الاحتكاك بوفود النساء العربيات المشتغلات بسلك القضاء.

أما النقطة الثالثة والأخيرة فهى التى تتعلق بالتعامل مع مفردات مهنة القضاء تعاملا غير لائق بالمرة ينبع من التعامل مع القاضية كمحض أنثى  فإذا بمداولتها مع زملائها  تتحول  إلى «وشوشة» ! . قال أحد الضيوف فى انتقاد التداول بين هيئة القضاة على المنصة وفى الجلسة العامة وعلى رءوس الأشهاد ما يلى «قد يكون العضو اليمين أو رئيس الدايرة ملاصقا للعضو اليمين أو الشمال علشان يوشوشه»، وهذا الكلام بصوت خفيض فى رأيه لا يجوز . هنا ننتقل بالحديث من ساحة القضاء إلى ساحات أخرى بعيدة عنها كل البعد . هذا علاوة على أن المداولة ليست مقصورة على القضاة لكنها تتحقق على منصات أخرى عديدة منها مثلا منصة  الحكم على رسائل الماچستير والدكتوراه ، فهل نقصى الأستاذات الجامعيات أيضا من اللجان العلمية حتى نمنع «الوشوشة « ؟ هذا تجاوز يفوق كل الحدود .

مهما حدث لن ترفع المرأة المصرية الراية البيضاء أبدا لأنها مواطنة لها مثل ما للمواطن من حقوق وعليها ما عليه من واجبات ، و سوف تحتمى بدستورها الذى صوتت عليه بنعم قبل أربع سنوات ، وستواصل نضالها بكل إخلاص لفتح جميع الأبواب المغلقة  فى وجهها ، وستقف بكل ما أوتيت من قوة وإصرار فى وجه منطق «إشمعنى المادة 11»


نقلا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المرأة المصرية والقضاء المرأة المصرية والقضاء



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon