توقيت القاهرة المحلي 08:45:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاتفاق النووى فى مهب الريح

  مصر اليوم -

الاتفاق النووى فى مهب الريح

بقلم - نيفين مسعد

 يتبقى أسبوعان على تحديد الرئيس الأمريكى موقفه من الاتفاق النووى مع إيران فى 12 مايو المقبل، فإما أن يمدد المهلة لحلفائه الأوروبيين ستة أشهر أخرى حتى يصلحوا الاتفاق وإما أن يقرر الانسحاب المنفرد منه . فى انتظار القرار الذى سوف يتخذه ترامب والذى لم يخبر به نظيره الفرنسى إبّان زيارته الأخيرة لواشنطن، يمكن ملاحظة عدد من الأمور الآتية ، الأمر الأول أن هناك اتفاقا أوروبيا على عدم التفريط فى الاتفاق النووى أولا، لأن البديل هو تحرير النشاط الإيرانى من أى قيود، وثانيا، لأن إيران دولة إقليمية يهم أوروبا إقامة علاقات اقتصادية (آمنة) معها، وثالثا، لأن إلغاء الاتفاق يعنى المزيد من التعقيد فى العلاقات الأمريكية والأوروبية بروسيا (الشريك القوى فى الاتفاق) وهى علاقات لا ينقصها شىء من أسباب التعقيد، وأخيرا لأن أوروبا استثمرت وقتا وجهدا كبيرين فى التفاوض حول الاتفاق وتعتبر إبرامه أحد أهم إنجازاتها على الصعيد الدبلوماسى . لكن من ناحية أخرى فإن أوروبا لا تستطيع أن تبتعد كثيرا عن الولايات المتحدة سواء للأسباب التقليدية المتعلقة بالشراكة فى حلف الأطلسى والحاجة لموازنة النفوذ الروسي، أو للتخفيف من أثر السياسة الحمائية للبضائع والسلع الأمريكية فضلا عن طلب الدعم الأمريكى لدور أوروبى أكبر فى المنطقة العربية، ولعله لم يكن من المصادفة أن يضغط ماكرون على ترامب للبقاء فى سوريا، ويصرح فى الوقت نفسه باستحالة تحديد جدول زمنى لإنهاء الوجود العسكرى الفرنسى فى سوريا.

من هنا ورغبة فى إرضاء الطرفين طرحت الترويكا الأوروبية (فرنسا- ألمانيا-بريطانيا) فكرة إبرام اتفاق تكميلى ينصّب على البرنامج الصاروخى الإيرانى وأيضا على النشاط الإقليمى لإيران فى عدد من الساحات العربية. لكن المشكلة فى هذا الطرح هى أنه ليس من الوارد بالنسبة لإيران التفاوض على برنامجها الصاروخى الذى هو شديد الارتباط بدورها الإقليمى من جهة، ومن جهة أخرى لأنه يجعلها هى وحلفاءها مستباحين من السلاح الجوى الإسرائيلي. ويكتسب المتغير الخاص بالتهديد الإسرائيلى أهميته على ضوء التصعيد العسكرى الخطير فى سوريا بإسقاط طائرة «إف 16» الإسرائيلية وقصف مطار نيفور وسقوط قتلى من الحرس الثورى جراء القصف. وعلاوة على ذلك لا يضمن الإيرانيون أن يكون موضوع الصواريخ والدور الإقليمى آخر ما يطرحه الغرب للتفاوض، فمن يدريهم ألا تُطرَح لاحقا قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان مثلا؟ وكيف يمكن للإصلاحيين أن يقنعوا جمهورهم الذى لم يحصل أصلا على المزايا الاقتصادية المرجوة من الاتفاق النووى أن يكرر التجربة ويقبل باتفاق جديد على البرنامج الصاروخى؟

وعلى الجانب الأمريكى فإن السقف الذى يطالب به ترامب يرتفع كثيرا عن التفاوض حول البرنامج الصاروخى الإيراني، فهو يطالب بتمديد أجل الاتفاق المحدد بعشر سنوات لعدد أطول من السنين قدّره فى أحد تصريحاته بمائة عام، كما أنه يطالب بالسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش ما يتراءى لها من المواقع وبالذات المواقع العسكرية وهو ما يتجاوز النطاق المحدد لعمل الوكالة بموجب الاتفاق. هنا نلاحظ أن الشروط المذكورة التى يطرحها ترامب تتعلق بتعديل الاتفاق النووى وليس باستكماله، وهذه نقطة لا يتكلم عنها أحد، فكل الكلام يدور على تكملة الاتفاق النووى بالبنود الخاصة بالصواريخ الباليستية وبالدور الإقليمى لإيران ولا يذكر أحد أن مد أجل الاتفاق النووى أو زيادة مواقع التفتيش ليسا سوى تعديل للاتفاق نفسه. وأتصور أن هذا الغموض الأوروبى حول الاتفاق المُكمل مقصود بذاته أولا لإفساح المجال للتشاور حول الموضوع، وثانيا لعدم التسبب فى مزيد من إغضاب إيران بالحديث عن تكملة + تعديل، وثالثا لأن مسألة تغيير الالتزامات الدولية بمجرد انتقال السلطة من حزب سياسى لآخر مسألة غير مريحة، ناهيك إن تعلقت بدولة عظمى .

الأمر الثانى هو أن التطور الأخير الخاص بالبرنامجين النووى والصاروخى لكوريا الشمالية لابد أن يلقى بظلاله على نظرة الأطراف المختلفة لمواطئ أقدامها خاصة مع وجود درجة من التشابه بين الحالتين الإيرانية والكورية الشمالية فى العلاقة مع الولايات المتحدة. بعبارة أخرى فإن وقف كوريا الشمالية هذين البرنامجين بصفة نهائية يضع إيران فى الزاوية، لأنها تبقى وحدها التى تتمسك بحقها فى رفع معدل تخصيب اليورانيوم بعد عشر سنوات وفى تطوير مدى صواريخها الباليستية دون ضوابط. وفى الوقت نفسه فإن تمسك ترامب بتخلص كوريا الشمالية من مخزونها الباليستى والنووى وليس مجرد وقف الأنشطة ذات الصِّلة به يبعث برسالة مؤداها أنه لا يوجد سقف لمطالب إدارة دونالد ترامب حتى مع تقديم تنازلات على هذا المستوى الكبير.

الأمر الأخير أنه فى حال أقدم ترامب على الخروج من الاتفاق النووى فإن الإيرانيين على الأرجح سيخرجون بدورهم منه، صحيح أنهم طرحوا من قبل الاستمرار فى الاتفاق من دون الولايات المتحدة لكن تصريحات المسئولين الأخيرة تغيرت فى اتجاه الخروج. ويرجع ذلك إلى أن المردود الاقتصادى للاتفاق لو انسحب ترامب سينخفض إلى الحد الأدنى فمن هى الشركة الأوروبية التى ستخسر السوق الأمريكية مقابل دخول السوق الإيرانية؟ وبالفعل فإن الصفقات الكبرى مع شركات توتال وبوينج وإيرباص تعانى من جمودا وارتباكا فما بالنابها فى حال انسحب ترامب؟

أُعّول على أن يمدد الرئيس الأمريكى المهلة ستة أشهر أخرى بضغط من حلفائه الأوروبيين، فعلى الرغم من محدودية الخيارات المتاحة فى مواجهة عقدة الملف النووى الإيراني، فإن هذه المهلة قد تساعد على مزيد من التشاور فى الأمر، كما أن تطورات كثيرة تنتظرها صراعات المنطقة يمكن لها أن تؤثر فى حسابات كل الأطراف.


نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاتفاق النووى فى مهب الريح الاتفاق النووى فى مهب الريح



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon