توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وش السعد

  مصر اليوم -

وش السعد

بقلم - نيفين مسعد

ها قد عاد الكلب الجريفون اللطيف لاكي إلي طبيعته، نفض عنه الكسل وراح ينبح ويتقافز، بدت عيناه الضيقتان أوسع من المعتاد واستردتا ألقهما المفقود. وقف على ساقيه الخلفيتين في وضع انتباه وراح ينتظر. يلقي إليه الأحفاد بالكرة البلاستيكية الحمراء بعيدا بعيدا فيركض من خلفها كالسهم وأذناه معه تلهثان.. لا بل هما تتحركان كمروحة من ريش النعام ترطب جسده وتنعشه. يمل الأطفال بعد الرمية العشرين للكرة ولا يمل لاكي من اللعب أبدا ، ينظر إليهم نظرة استعطاف لا تٰقَاوم فيمنحونه وقتا إضافيا من البهجة ويواصلون ملاعبته. يبدو لاكي كما لو كان يعوض حرمان الشهور الستة التي قضاها وحيدا متنقلا بين بيت وآخر ومن أسرة إلى ثانية، ستة شهور في عمر الكلاب هي فترة طويلة جدا، أفلا يعد هذا مبررا كافيا للتعويض؟ أخيرا جدا شعر لاكي بالحاجة إلي الاسترخاء، تمدد أسفل الأريكة التي يجلس عليها الأولاد وراح ينعم بالأمان.

***

منذ أن اشترت الجدة نادية الجرو الصغير لاكي وعمره لا يتجاوز بضعة أيام وهو لا يفارقها أبدا، في البداية أطلقت عليه اسم بيمبو - هذا النوع القديم من الشيكولاتة بالبسكويت الذي تعشقه- ثم تغيرت الأمور. تعلقت نادية بالجرو من النظرة الأولى وعشقت كل تفاصيله المحببة.. شعره الكثيف نصف المجعد نصف المسترسل.. عيناه العسليتان وسط كوم من القطن الأبيض.. أذناه المتدليتان في انسيابية.. وداعته الشديدة.. هكذا قررت أن تسميه على اسم شيكولاتتها المفضلة.

***

لكن خلال الشهر الأول من علاقة الجدة نادية بجروها صادفتها عدة مفارقات جعلتها تغير اسمه من بيمبو إلى لاكي . توالت المفاجآت السارة على الجدة نادية فلم تجد لها تفسيرا ولا وجدت بينها رابطا إلا ظهور بيمبو في حياتها. كان بائع الجرائد الذي تتعامل معه من سنين قد انقطع عنها فجأة فانقطعت بدورها عن أخبار العالم، نعم هي تمسك بالريموت كل مساء وتطوف بين الفضائيات هذا صحيح ، لكنها من جيل قديم يعشق الورق ويقرأ أخبار الوفيات في صفحة الأهرام وليس على صفحات الفيسبوك. لم تفكر في التعامل مع بائع آخر للجرائد فهي تصون العشرة وهي أصلا لا تعرف كيف تبحث عن بائع جديد للجرائد. وبدون مقدمات مرت بجوار الباب فوقع نظرها على جرائد الصباح ثم لم تعد تنقطع عنها ثانية.

***
لم تكن عودة بائع الجرائد الغائب وحدها هي أجمل ما حدث للجدة نادية، لكن أيضا انتهت مشكلتها الضريبية التي كانت تؤرقها. أدهشها تقدير متأخرات الضرائب علي عيادتها بآلاف كثيرة وهي تفتح عيادتها يوما وتغلقها أياما، استفهمت واعترضت وتظلمت وقدمت للمسؤولين قوائم مرضاها المتناقصة عاما بعد عام لكن دون جدوي تُذكَر. في لحظة كادت أن تستسلم فإذا بمحامي العائلة الداهية ينقذها ويُرَشّد القيمة المستحقة عليها. جلست الجدة نادية تحصى المفاجآت الصغيرة الجميلة التي جاء بها معه بيمبو دون أن يدري.. تجربتها في زراعة الفل تنجح بعد طول انتظار.. آلام ركبتها تهدأ وكانت تستقوي على كل المسكنات.. قرَرَت أن تعطي جروها حقه بعد أن اكتشفت أنه كان وش السعد عليها.. اختارت له اسما جديدا يليق بالسعادة التي تسير في ركابه.. أسمته لاكي.

***

هل كان قدرُ لاكي أن يجلب الحظ لغيره ولا يحافظ عليه لنفسه؟ سؤال له ما يوجبه . بعد عامين قضاهما في كنف الجدة نادية يتدلل عليها وينعم بحنانها لحقت دون أعراض تُذكَر بكل الأحبة الذين سبقوها إلى السماء، وحين اجتمع الأبناء في بيت العائلة لينقلوا أمهم إلي مثواها الأخير بدا الشعر الأبيض الكثيف فوق عيني لاكي كأنه أطول من المعتاد، ماذا فعلت يا لاكي بالضبط لترخي هذه الستارة السميكة علي عينيك الضيقتين؟ كيف تحايلت لتهرب من دنيا موحشة لم تعد فيها حبيبتك نادية؟ منبطح أرضا تمر به الأيام، فإن مشي تثاقل لا يدري لأي بيت من بيوت الأهل تحمله خطاه وكل البيوت سواء.. فكل البيوت بغير نادية. لم يتطوع أحد من الأبناء لاستضافة لاكي فلديهم من الأعباء ما يكفي وبها يستقوون على ضغوط الأحفاد ويقاومونها. يقولون إن الكلاب الجريفون هي أكثر فصائل الكلاب ارتباطا بأصحابها فلماذا يا تري يكون لاكي استثناء علي القاعدة؟

***

عندما لفظ الجميع الكلب الجريفون اللطيف لم تجد الابنة الكبرى بدا من أن تستضيفه في بيتها، وهنا تبدّل حال لاكي بالكُلية. معلوم أنه مازال يفتقد الجدة نادية كالمعتاد لكنه انتقل ليعيش في عالمها الخاص، ليس في نفس شقتها هذا صحيح لكن في شقة أخري في العمارة نفسها، ليس تحت قدميها هذا أكيد لكن تحت أقدام الأحفاد الذين طالما غنت لهم وله. حال الابنة الكبرى هو الآخر تبدل، لأول مرة تتجاسر علي نطق لفظ "ماما" وكانت قد شطبته من قاموس اللغة منذ رحلت أمها، خفّ شعورها بالفقد مع دوران عجلة الحياة وضبطت نفسها يوما تحدث لاكي قائلة : خيطت لك بلوڤر صوف تمام زي اللي كان عندك أيام ماما!. حصل ابنها على A+ في مادة الرياضيات علي غير العادة . عثَرت علي صديقة من صديقات الطفولة صدفة عبر الفيسبوك وتواصلتا بعد سنين .

***

هل هذا أنت يا لاكي؟ هل هذا أنت يا وش السعد من حمل لي هذه المفاجآت الصغيرة الجميلة كما حملتها من قبل لماما حبيبتي وحبيبتك ؟ نظر إليها الكلب الجريفون اللطيف وهو مسترخ بعد وصلة لعب مع الأحفاد. مد لسانه لاهثا بالحب والشكر معا ولم يحر جوابا ، لم تكن تنتظر منه إجابة ، فالواقع أنه لا إجابة مقنعة لأنه لا شيء يثبت أن لهذا الكائن الضعيف علاقة مباشرة أو غير مباشرة بما يحدث للأسرة وأفرادها . الصدف وحدها هي المسؤولة وهي صدف لطيفة مثله علي أي حال. التقطت الابنة لاكي من جلسته الوادعة، طوقته بذراعيها في حنان فراح يلعق كل سنتي في وجهها، احتضنته أكثر.. اعتصرت جسده أكثر.. وغمرته بقبلات لا حصر لها.

 

 

 

نقلا عن الشروق القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وش السعد وش السعد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon