بقلم - نيفين مسعد
كانت مصر هى المحطة الثالثة فى جولة وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو التى شملت ثمان دول عربية بعد أن أُلغِيت زيارته للكويت حتى يحضر جنازة عائلية كما قيل. ومن فوق منبر الجامعة الأمريكية بالقاهرة روّج بومبيو للتحالف الإستراتيجى فى الشرق الأوسط (MESA) الذى ذكر أنه لمواجهة أخطر التهديدات التى تواجهها المنطقة( خطر إيران بالأساس) وتطوير التعاون الاقتصادى. ومع أن فكرة التحالف ضد إيران هذه ليست جديدة، ومع أن ايران كانت حاضرة بأشكال مختلفة فى مباحثات بومبيو مع قادة العراق والأردن والبحرين والإمارات وقطر وعُمان والسعودية، فإن اختيار القاهرة للحديث المُطّول عن التحالف كان هدفه كسب تأييد مصر للفكرة رغم السياسة المصرية الثابتة بشأن رفض الأحلاف العسكرية. وعلى فكرة التحالف هذه يمكن إبداء الملاحظات الآتية:
1- الهدف الرئيسى للتحالف الإستراتيجى فى الشرق الأوسط هو إجراء عملية إحلال وتبديل لأعداء المنطقة، حيث تصبح إيران هى العدو الرئيسى وليس إسرائيل. فلقد حدثنا بومبيو بالتفصيل الممكن عن الأنشطة التوسعية لإيران فى سوريا ولبنان والعراق واليمن وهذا كلام صحيح ، لكنه لم يحدثنا عن اعتداءات إسرائيل المتكررة على سوريا وجنوب لبنان ومساعيها لضم هضبة الجولان ولا أشار ولو بكلمة واحدة للقضية الفلسطينية برمتها. وهو إذ بدا محرضا على إيران فإنه كان شديد الترحيب بخطوات التطبيع مع إسرائيل وصولا إلى حديثه المؤثر عن دموع وزيرة الثقافة الإسرائيلية التى سالت فرحا لوجودها أخيرا على أرض الخليج . وأظن أن من يشتغلون على تحليل الخطاب سوف يتوقفون كثيرا أمام المفردات المختارة بعناية فى خطاب بومبيو للتعبير عن عملية الإحلال والتبديل هذه، كما فى قوله: إن رغبتنا فى السلام بأى ثمن تقودنا إلى ضرب أى اتفاق مع إيران، عدونا المشترك، نلاحظ استخدام تعبير: عدونا المشترك. وفى موضع آخر من خطابه نجده يعلق على تسارع عملية التطبيع مع إسرائيل بقوله : هذه الخطوات فى اتجاه التقارب ضرورية لمزيد من الأمن فى مواجهة تهديداتنا المشتركة، نلاحظ استخدام تعبير تهديداتنا المشتركة، جمعا لإسرائيل والدول العربية فى سلة واحدة.
لقد تعلمنا فى أساسيات العلاقات الدولية أنه كلما كان هناك توازن بين القوى زادت مرونة الحركة ، يصدق هذا على كل المستويات من أول المستوى الداخلى حتى المستوى الدولى. وبالتطبيق على المستوى الإقليمى نجد أن هناك ثلاثة مشروعات تتصارع على المنطقة العربية، خصوصا مع غياب مشروع عربى واحد فى مواجهتها ، وهذه المشروعات هى المشروع الإسرائيلى والمشروع الإيرانى والمشروع التركى ، وكل مشروع من هذه المشروعات الثلاثة يمثل كابحا للمشروعين الآخرين. وبالتالى فعندما يدعونا بومبيو إلى الاصطفاف ضد إيران، ويسقط تماما تركيا ومشروعها العثمانى من خطابه ، ويرحب بالانفتاح على إسرائيل التى تمتد طموحاتها من النيل للفرات ، فإنه فى واقع الأمر يعطى إسرائيل وتركيا الضوء الأخضر للتحرك بحرية أكبر وأمان أكثر على الساحة العربية ، فهل نحن راغبون فى ذلك؟
2- مثله مثل كل ما يتعلق بمفهوم الشرق الأوسط تعانى فكرة التحالف الاستراتيجى فى الشرق الأوسط من ارتباك واضح ، فلقد حدد بومبيو فى خطابه أطراف هذا التحالف بأنهم دول الخليج الست مع كل من مصر والأردن، وهذه جميعا دول عربية فمن أى جهة بالضبط تلحق بالتحالف صفة الشرق أوسطية؟ وإذا أضفنا لذلك أن ثمة اجتماعا دوليا مرتقبا للاحتشاد ضد إيران يومى 13 و14 فبراير فى العاصمة البولندية وارسو ( التى ارتبط باسمها الحلف العسكرى بين دول الكتلة الشرقية ) أصبحت المسألة أكثر تعقيدا، فما علاقة هذا الاجتماع الدولى بالتحالف العربي؟ ربما يكون المقصود هو تكوين نادى لأصدقاء التحالف الاستراتيجى فى الشرق الأوسط ! .نلاحظ هنا أننى لم أتطرق للخلافات بين قطر والدول العربية الأخرى المرشحة لعضوية التحالف المزعوم ، ولو فعلتُ لزاد الغموض وأصبحنا نتحدث عن سمك فى المياه. أما إذا توقفنا أمام التهديدات الأمريكية بالانسحاب من حلف شمال الأطلنطى فإن هذا يشكك فى أساس الأحلاف العسكرية نفسه.
3- عندما يبرر بومبيو السياسة الأمريكية فإنه يذكر أن الولايات المتحدة لم تحلم أبدا بالهيمنة على الشرق الأوسط بعكس إيران، وهذه المقولة تناقض التاريخ الطويل من الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى فى فترة الحرب الباردة، هذا الصراع الذى بلغ ذروته بمحاولة ربط الدول العربية بسياسة الأحلاف العسكرية فى خمسينيات القرن الماضى، تماما كما يجرى اليوم، والتغيير الوحيد الذى حدث هو أن حلف بغداد كان موجها ضد الاتحاد السوفيتى، أما التحالف الاستراتيجى فهو موجه ضد إيران. وأظن أن حكام إيران لاشك سيداخلهم شعور بالفخر لأنهم يَرِثون مكانة قوة عظمى كالاتحاد السوفيتى فى الاستراتيجية الأمريكية، فهناك فارق كبير بين أن تكون إيران قوة إقليمية تملك أوراقا مهمة للنفوذ والتأثير وبين أن يتم إعلاء شأن إيران على هذا النحو المبالغ فيه لتحتل مساحة ضخمة فى الخطاب الرسمى الأمريكى وفى السياسة الخارجية الأمريكية.
ليس من مصلحة أحد اندلاع مواجهة عسكرية مع إيران فدولنا مثخنة بجراح كثيرة تبحث عمن يداويها لا عمن يزيدها التهابا ، وآلية الحوار لم تُخلَق إلا لحل المشاكل بين الخصوم، أما إذا صممت الولايات المتحدة وإسرائيل على مثل هذه المواجهة فلتذهبا إليها وحدهما وليس باسمنا ولا بغطاء منّا، وستبقى مصر ملتزمة بأمن الخليج ولا تنساق وراء مغامرات لا يعلم منتهاها إلا الله.
نقلا عن الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع