بقلم - نيفين مسعد
عقب إعلان إسرائيل اكتشاف أنفاقٍ لحزب الله اللبنانى يمتد أحدها بطول أربعين مترا إلى داخل الأراضى الإسرائيلية ساد التحليلات الصحفية اتجاهان أساسيان فى التفسير، الاتجاه الأول يفسر هذا الإعلان بأسباب داخلية خالصة على أساس أن بنيامين نيتانياهو يحاول صرف النظر عن وضعه السياسى الحرج بعد استقالة وزير دفاعه فضلا عن الملاحقات القضائية له ولزوجته. وفى تسويق هذا التبرير ركز التحليل على التناقضات فى رواية أنفاق حزب الله من قبيل الطبيعة الصخرية للمنطقة الحدودية مع لبنان بما لا يسمح ببناء الأنفاق، و تجاهل قادة الجيش الإسرائيلى تحذيرات سابقة لرؤساء السلطات المحلية من أن ثمة أعمال حفر تجرى على الحدود مع لبنان، يضاف إلى ما سبق أنه إذا كان تدمير أنفاق حزب الله يتم داخل الأراضى الإسرائيلية فما جدوى تهديد نيتانياهو لحزب الله إذن. وفى هذا السياق جاء أحد عناوين صحيفة هاآرتس متسائلا: درع الشمال أم درع نيتانياهو؟. فإذا انتقلنا للاتجاه الثانى فى التفسير وجدناه يركز على التغير فى استراتيچية إسرائيل فى التعامل مع التهديدات الخارجية لأمنها القومى، وجوهر التغير لدى أصحاب هذا التفسير هو التهدئة على الساحتين الفلسطينية والسورية من أجل التفرغ لمواجهة إيران وحزب الله فى لبنان. ويستند هذا التفسير على قبول نيتانياهو التهدئة مع حركة حماس رغم تأثير ذلك على مزيد من التصدع فى الائتلاف الحاكم، كما يستند على تراجع العمليات الإسرائيلية فى سوريا بعد واقعة إسقاط الطائرة الروسية وما أدت إليه من تعقيد فى العلاقات الروسية - الإسرائيلية، يضاف إلى ذلك أن إيران نفسها كما يقولون نقلت معظم نشاطها من سوريا إلى لبنان. وفى هذا الإطار سيقت أقاويل لعدد من كبار المسئولين الإسرائيليين منهم رئيس المخابرات العسكرية السابق عاموس يادلين الذى تحدث عن أن إسرائيل قلصت وتيرة غاراتها على سوريا حتى نقطة الصفر تقريبا.
فى العلاقات الدولية من المألوف أن تهرب بعض النظم إلى الأمام و تحاول صرف اهتمام المواطنين عن المشكلات الداخلية بتضخيم بعض الأزمات الخارجية أو حتى افتعالها، وشيء من هذا يوجد فى إعلان نيتانياهو الأخير عن اكتشاف أنفاق لحزب الله. لكن فى الوقت نفسه فإن كون حزب الله يمثل مشكلة بالنسبة لإسرائيل فتلك حقيقة لا يمكن إنكارها، وفى بعض مراحل تطوُر الصراع السورى أوشكت المواجهة بين إسرائيل وإيران أن تنتقل إلى لبنان كما حدث بعد إسقاط طائرة إف-16 الإسرائيلية لكن عامل توازن الردع أدى لتغليب العقل. وبالتالى ففى رأيى أن قصة أنفاق حزب الله هى حلقة جديدة من حلقات التصعيد الإسرائيلى تهدف إلى حشد الرأى العام العالمى ضد الحزب واستهدافه بمزيد من العقوبات. ومن جانبها فإن الولايات المتحدة مستمرة بدورها فى التصعيد ضد حزب الله، ويكفى هنا الرجوع إلى العقوبات المتتالية التى فرضتها إدارة أوباما على الحزب من أول أمينه العام حسن نصر الله وابنه وحتى الشركات المتهمة بتمويله داخل لبنان وخارجه.
هل يعنى ذلك إذن أن إسرائيل قررت نقل ساحة المعركة من سوريا وغزة إلى لبنان؟ غير صحيح بسبب وجود عامل مشترك هو إيران يجمع بين هذه الساحات الثلاث، وهذا هو المعنى المقصود من وراء المطالبة بإخضاع النفوذ الإقليمى لإيران لمفاوضات تكميلية لاتفاقها النووى. إن إسرائيل تجد نفسها بعد قرابة ثمانى سنوات من الربيع العربى فى مأزق استراتيچى حقيقى، فبقدر ما أدت الفوضى التى اجتاحت المنطقة إلى شغل العديد من الدول العربية بأمورها الداخلية فإنها أدت إلى تعميق الوجود العسكرى الإيرانى فى الجوار المباشر لإسرائيل أى فى سوريا. لذلك لا تستطيع إسرائيل أن تغمض عينيها أبدا عن الدور الإيرانى فى سوريا، وهى تواجه هذا الدور بالأداة العسكرية أحيانا، وبالأدوات السياسية أحيانا أخرى، ويدخل فى ذلك محاولات إغراء إيران بالخروج من سوريا مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية عليها وهى محاولات تتوسط فيها أطراف عربية وأخرى غير عربية.
نأتى للتهدئة الإسرائيلية مع غزة، هنا أيضا من غير الدقيق تحميل هذه التهدئة على الرغبة فى التفرغ لحزب الله فى لبنان، وذلك أن رد حركة حماس القوى على عملية خان يونس لعب الدور الأساسى فى هذه التهدئة ووقف رئيس الوزراء الإسرائيلى ليقول إن هناك أشياء لا يستطيع الإفصاح عنها للرأى العام، وكل لبيب بالإشارة يفهم. زِد على ذلك أهمية الانتباه بهذا الخصوص لعملية توزيع الأدوار وتكاملها بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فحين يُنشَر هذا المقال اليوم السبت يكون قد تم عرض مشروع قرار أمريكى على الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل إدانة الحركة لإطلاقها الصواريخ على إسرائيل واستهدافها المدنيين، أى أن الولايات المتحدة تقوم بمهمة التصعيد الدبلوماسى ضد حماس.
إن تشابك الملفات الإقليمية لا يدع مجالا لمحاولة الفصل بينها، وهذا عنصر أساسى من عناصر صعوبة موقف إسرائيل لأنها مضطرة لخوض المواجهة على ثلاث جبهات، وإذا ما قُدّر للمعضلة اليمنية أن تمضى على طريق التسوية السياسية واضطُر الحوثيون لتقديم حد أدنى من التنازلات لصالح قوى الشرعية فإن هذا سيؤدى لاهتمام إيرانى أكبر بالمشرق العربى، فعن أى تحول إسرائيلى عن الساحة السورية نراهم يتحدثون؟.
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع