بقلم - نيفين مسعد
فى السادس عشر والسابع عشر من شهر فبراير الجارى تم عقد مؤتمر مهم فى القاهرة بعنوان: التعليم فى الوطن العربى فى الألفية الثالثة. المؤتمر تشاركت فى تنظيمه أربع جهات هى معهد التخطيط القومى بمصر وهو الذى استضاف فعاليات المؤتمر، والمعهد العربى للتخطيط بالكويت، ومركز تونس التابع لجامعة الدول العربية ، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم . استهل المؤتمر أعماله بجلسة افتتاحية تحدث فيها رئيس معهد التخطيط القومى بمصر الدكتور علاء زهران ، ومدير الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى الأستاذ عبد الحميد الزقلعى، والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية الدكتورة هيفاء أبو غزالة ، ووزراء التخطيط والتربية والتعليم والتعليم العالى بمصر وهم الدكاترة هالة السعيد وطارق شوقى وخالد عبد الغفّار. ركزت الكلمات الافتتاحية على الارتباط الوثيق بين التعليم والتنمية المستدامة، وعلى أن التعليم فى الوطن العربى يحتاج إلى ثورة شاملة، ليس أدل على ضرورتها من أن خُمس سكان الوطن العربى مازالوا يعانون الأمية، وأن ثمة جهودا مخلصة تُبذَل فى اتجاه تطوير التعليم على مستوى بعض الأقطار العربية لكنها مازالت غير كافية ، وأنه فيما يخص مصر تحديدا فلقد أولت القيادة السياسية أهمية لعملية بناء الإنسان واتخذت من عام 2019 عاما للتعليم كما تضمن برنامج عمل الحكومة استراتيچية شاملة لتطوير التعليم. ومن بعد تناولت محاور المؤتمر احتياجات التعليم فى الوطن العربى لمواكبة التطور التقنى الذى يشهده العالم.
آتى بعد ذلك للورقة بالغة الأهمية التى قدمها النائب الأول لرئيس البنك الدولى الدكتور محمود محيى الدين، وهى ورقة بقدر ما كانت غنية بمعلوماتها فإنها كانت كفيلة بإثارة أعلى درجات القلق من المستقبل. حملت الورقة العنوان التالي: التعليم وأهداف التنمية المستدامة فى عصر المُربِكات الكبرى، وكلمة مُربِكات تشير إلى التطورات المفاجئة التى إما أن أحدا لم يكن يتوقع حدوثها كانهيار الاتحاد السوڤيتى مثلا، وإما أنها كانت بالغة السرعة بما يجعل من الصعب اللحاق بها كما هو الحال تحديدا مع التغيرات التكنولوچية. توقف محيى الدين أمام الإرباك الناتج عن سرعة التغير التكنولوچى فقال إن هناك تاريخا طويلا من الصراع بين الإنسان والآلة، يدافع الإنسان عن القوة العضلية التى تضمن له الاستمرار فى وظيفته، ويزيح التطور التكنولوچى بالتدريج العمل البشرى ويُحّل الآلة مكانه. الجديد فى الموضوع أن التدرج الذى لازم الصراع بين الإنسان والآلة منذ منتصف القرن السابع عشر لم يعد قائما، فالآلة تقلل الحاجة للإنسان بسرعة مذهلة وتحل محله فى مجالات لم تكن تخطر على بال مخلوق. أما وأن الحال كذلك فإن التعليم ما لم يلاحق هذه المستجدات المتسارعة فسوف تتزايد نسب البطالة، وسوف تتعمق الفوارق بين من يملكون المعرفة ومن لا يملكونها، وثمة مؤشرات خطيرة فى هذا الشأن ، فعندما نعلم أن دولة مثل الولايات المتحدة مهددة بفقد 47% من وظائفها التقليدية خلال خمسة وعشرين عاما ، وأن دولة مثل الصين تتعرض77% من وظائفها التقليدية للاختفاء، فإن لنا أن نتخيل شكل المستقبل بالنسبة للدول النامية، ومنها دولنا العربية.
يركز التعليم المناسب للمستقبل على التعلم وليس على التمدرس ، ويسعى لإكساب المهارات وليس لنيل الدرجات، ويهتم بالتجويد وليس بالتلقين. إنه تعليم يجعل الطالب فى بؤرته student - centered modelويركز على ما تؤهله له مهاراته الفردية وما تحتاجه سوق العمل . وهنا يثور الحديث عن دور الذكاء الاصطناعى فى تطوير العملية التعليمية ، فعلى الرغم من المخاوف المتزايدة من احتمال عدم قدرة الإنسان على التحكم فى الآلة، فأن الذكاء الاصطناعى سيكون محور الثورة التكنولوچية فى المرحلة المقبلة. ولذلك وجدنا الذكاء الاصطناعى يمثل محورا أساسيا من محاور منتدى دافوس فى يناير الماضى، كما وجدنا أن معهد ماساتشوستس للتكنولوچيا بالولايات المتحدة قد أعلن عن إنشاء كلية شوارتزمان المتخصصة فى موضوع أخلاقيات الذكاء الاصطناعى ، وسوف تبدأ الدراسة بهذه الكلية فى خريف هذا العام. وعندما يُطوّر الذكاء الاصطناعى العملية التعليمية فإنه يؤدى بالتالى إلى ضخ فرص عمل جديدة فى شرايين المجتمعات المختلفة، وتعبير فرص العمل مختار بعناية فى هذا المقام بدلا من تعبير الوظائف، وذلك وعيا بالاختلاف بين التعبيرين من حيث الاستقرار والامتيازات المختلفة، فمجتمع التنافس بين الماهرين لا يعرف التعاقدات الدائمة. ومن المفهوم أن التعليم الذكى أمر يتطلب توفير إمكانات مادية كبيرة، لكنه يتطلب أيضا تغييرا فى ثقافة المجتمعات ونظرتها لمسألة الدرجات العلمية، ويتطلب برامج متواصلة لتدريب المعلمين وتأهيلهم، فضلا عما يتطلبه من تصميم مبتكر للمقررات الدراسية. وفى المحيط العربى نجد أن دولة الإمارات العربية المتحدة أخذت هذه المسألة بجدية تُحمد لها وأظن أنها أول دولة عربية تُعيّن وزيرة دولة للعلوم المتقدمة ووزير دولة للذكاء الاصطناعى، وهى تحرص على إثارة نقاش مجتمعى واسع النطاق حول موضوع الذكاء الاصطناعى لإنارة جميع جوانبه. وفى مصر ننتظر إدخال مجال الذكاء الاصطناعى ضمن برامج التعليم العالى ، فقضية جودة التعليم لم تعد تخضع للاختيار ولا هى تحتمل التأجيل.
نقلًا عن الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع