توقيت القاهرة المحلي 05:53:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مائة عام على ثورة 1919

  مصر اليوم -

مائة عام على ثورة 1919

بقلم - نيفين مسعد

(2010-2020) هى عشرية الاحتفال بمرور مائة عام على ثلاث من الثورات الكبرى التى شهدها مطلع القرن العشرين، وهى الثورة الصينية (1911) والثورة الروسية (1917) والثورة الأبرز فى التاريخ المصرى المعاصر أى ثورة 1919. أطاحت الثورتان الصينية والروسية بالحكم الإمبراطورى وأفضتا إلى تأسيس نظام جمهورى فى الحالتين، أما ثورة 1919 فلقد أنهت الحماية البريطانية على مصر وأسست للملكية الدستورية، ومن يقرأ دستور 1923 لابد أنه سيتوقف كثيرا أمام النضج الذى صيغت به العلاقة بين السلطات فى هذه المرحلة المبكرة من التاريخ المصرى، وسوف يلحظ تبلور حقوق المصريين وواجباتهم قبل نحو ثلاثين عاما من صدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. يصعب القول إنه كان للثورتين الصينية والروسية تأثيرهما المباشر على اندلاع ثورة 1919، اللهم إلا فى استلهام بعض تكنيكات العمل السرى فى مواجهة الاحتلال البريطانى ومن يتعاون معه من المصريين، عدا هذا كان هناك بعض التحَسُب من امتداد الأفكار الشيوعية إلى مصر. ومع أن المبادئ الأربعة عشر للرئيس الأمريكى ويلسون - وفى مقدمتها مبدأ حق تقرير المصير- كانت تعزز حق المصريين فى الاستقلال عن بريطانيا إلا أن ويلسون انحاز لرغبة بريطانيا فى إدامة حمايتها على مصر. صفوة القول إن المناخ العالمى الذى انبثقت فيه ثورة 1919 كان يحمل بعض الأفكار المواتية لحركات التحرر، إلا أن الاستفادة منها كانت محدودة. وبينما كان هذا هو الحال فى مطلع القرن العشرين فإن مبررات الثورة المصرية كانت تختمر وتنضج، وأسهم النضال الوطنى المصرى خصوصا منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر فى تقديم خبرات تاريخية يمكن البناء عليها، حتى إذا وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها وبدأ التجهيز لمفاوضات الصلح بين الأطراف المتحاربة كان ذلك إيذانا بإطلاق شرارة ثورة 1919 .

فى معرض تقييم آثار ثورة 1919، يمكن القول إن أثرها الأهم تَمَثَل فى بلورة الهوية الوطنية المصرية وتأسيس المجال العام فى مصر، فلقد أخرجت الثورة المصريين للمرة الأولى من انتماءاتهم الطبقية والفئوية والدينية الضيقة إلى رحاب المواطنة الواسعة على حد تعبير المفكر الكبير سمير مرقس، فنظام الحماية الذى فرضته بريطانيا على مصر اعتبارا من عام 1914 وحّد المصريين بمختلف مشاربهم فى مواجهته وجعلهم جاهزين للتحرك، وكان أن أدرك سعد زغلول طبيعة اللحظة التاريخية المواتية فتقدم لقيادة الحركة الوطنية. هنا يمكن القول إن الالتفاف الشعبى حول سعد ورفاقه هو ما وفر لثورة 1919 عمقا لم يتوفر لحركة أحمد عرابى ولا لنضال مصطفى كامل، وأنه الذى سمح باستخدام آليات بالغة التنوع لإنجاز التحرر الوطنى وتحقيق أهداف الثورة،  فلقد شملت هذه الآليات توزيع المنشورات وتنظيم المظاهرات والإضرابات وقطع خطوط السكك الحديدية ومهاجمة المصالح البريطانية، وصولا إلى إعلان استقلال جمهورية زفتى. أما الآلية الأبرز والأكثر دلالة على التفاف المصريين حول قيادة سعد فتمثلت فى حركة جمع التوقيعات من مختلف ربوع القطر المصرى . كانت آلية جمع التوقيعات جديدة على حركات التحرر الوطنى، لكنها كانت آلية بالغة التأثير، لأنها أكسبت سعد ورفاقه مشروعية الحديث باسم الشعب المصرى باعتبارهم وكلاء عنه. ويوجد ثمة شبه بين فكرة التوقيعات هذه وفكرة العقد الاجتماعى التى دعا إليها الثلاثى هوبز ولوك وروسو فى القرنين السابع عشر والثامن عشر، مع الوعى بوجود اختلافين أساسيين بينهما، الاختلاف الأول هو أن عقد سعد كان فيما بين المحكومين وبعضهم البعض فيما كان عقد الفلاسفة الثلاثة بين المحكومين والحاكم، والاختلاف الثانى هو أن عقد سعد كان ذا طابع راديكالى، لأنه توكيل بالنضال لنيل الاستقلال، بينما الفكرة الأصلية للعقد الاجتماعى تتضمنت تنازل المحكومين عن سيادتهم للحاكم مقابل حفظ أمنهم أو توحدهم مع إرادة الحاكم.

لم يكن الإنجاز السياسى لثورة 1919 هو الإنجاز الوحيد على الرغم من قيمته الكبيرة، فلقد تركت الثورة آثارا بالغة العمق على مختلف جوانب الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المصرية، وهذا هو حال الثورات الحقيقية التى تمثل قطيعة مع كل مقومات النظام السابق عليها. ثقافيا ألهمت الثورة مبدعين مصريين كبارا فى مجالات الأدب والصحافة والمسرح والغناء والفنون التشكيلية، كما أنها ألهمت السينما لاحقا وقدمّت مادة خصبة للعديد من الأفلام التى احتلت مكانها بين أهم مائة فيلم فى التاريخ السينمائى المصرى. واجتماعيا صكّت الثورة شعار عاش الهلال مع الصليب ومن بعد صار هذا الشعار إطارا حاكما لفلسفة حزب الوفد، و من جهة أخرى كانت الثورة هى بوابة الخروج الكبير للمرأة إلى الحياة العامة وتوحدها مع الحركة الوطنية فاستشهدت شفيقة محمد فى الشهر الأول للثورة وصارت صفية زغلول أُمّاَ للمصريين. واقتصاديا وضعت الثورة أسس الاستقلال الاقتصادى بقيام بنك مصر، ولم يتورع طلعت حرب عن دعم صناعة الكتاب وعيا منه بالترابط الوثيق تبين كل مقومات النهضة.

إن حدثا بهذه الأهمية الضخمة حريُ بالاحتفاء بمئويته واستحضار دروسه وهى كثيرة، ومن حسن الطالع أنه فى الوقت الذى يُنشَر فيه هذا المقال تبدأ فاعليات المؤتمر الكبير الذى يقيمه المجلس الأعلى للثقافة بمناسبة مئوية ثورة 1919، وهو مؤتمر يشارك فيه بخمس وسبعين ورقة باحثون من عدة دول عربية فضلا عن فرنسا بمفكرها الكبير المصرى الأصل روبير سوليه، وهذا يعنى أنه حتى بعد مرور مائة عام مازالت ثورة 1919 لم تفصح بعد عن كل مكنوناتها .

نقلًا عن الاهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مائة عام على ثورة 1919 مائة عام على ثورة 1919



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon