توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل تكفى سلطوية أردوغان؟

  مصر اليوم -

هل تكفى سلطوية أردوغان

بقلم : د. هالة مصطفى

كثير من المستشرقين يتحدثون عن الاستبداد الشرقى, باعتباره أمرا بديهيا لا غنى لأحد عنصريه عن الآخر وكأنهما متلازمان, وأن النزعة الاستبدادية تزداد فى المجتمعات الإسلامية, بحيث يصعب الفكاك منها, لكن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية ذا الجذور الإخوانية, أراد أن يثبت للعالم عكس تلك المقولة, وأنه يشكل الاستثناء من القاعدة, باعتباره القادر, ليس فقط على إقامة نظام حكم إسلامى ديمقراطى, وإنما أن يُصبح نموذجا يُحتذى لكل الأنظمة الحاكمة فى الشرق الأوسط, وبعد مضى أكثر من خمسة عشر عاما على حكمه رئيسا للوزراء ثم رئيسا للجمهورية, إذا به يؤكد صحة النظرية ولا ينفيها, فرغبته فى تدشين نظام سلطوى فاقت مساعيه فى أن يكون مثالا لغيره.

انتهت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية منذ أيام وفاز فيها أردوغان بنسبة 52.6 % فى ظل نظام رئاسى جديد يعطيه صلاحيات بلا حدود تقريبا, وكان له ما أراد بعد استفتاء مثير للجدل على تعديل الدستور جرى فى إبريل العام الماضي, والسؤال هو هل تكفى نتائج تلك الانتخابات لضمان نجاحه مستقبلا أم أن التحديات الداخلية والخارجية التى يواجهها ستكون لها انعكاسات مختلفة على مستقبله السياسى ودوره الاقليمى ومكانة بلاده فى الإستراتيجية الدولية؟.

جرت الانتخابات التركية فى مناخ غير ديمقراطى لا يضمن لها الشفافية والنزاهة, بسبب حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ عامين بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التى أتُهم فيها فتح الله جولن، وما استتبعها من إجراءات قمعية, فضلا عن تقييد وسائل الإعلام والتضييق على منظمات المجتمع المدنى، ورغم ذلك فازت المعارضة بنسبة عالية يُعتد بها (47%) وتجاوزت المشاركة والتصويت الـ80% وهو ما يعنى أن المجتمع التركى بات منقسما على نفسه من ناحية ولكنه نشط سياسيا من ناحية أخرى, وهى حقائق يصعب على أى زعيم سياسى تجاهلها إذا بحث عن شرعية ديمقراطية بعيدا عن قاعدته الانتخابية التقليدية, والتى يمثلها هنا الإسلاميون بالنسبة لأردوغان.

لا تقتصر مشكلات الرئيس التركى على الداخل, وإنما علاقاته الخارجية وسياساته الإقليمية أصبحت هى الأخرى محلا لانتقادات شديدة حتى من أقرب حلفائه, تحديدا الولايات المتحدة وأوروبا, وتركيا بالذات ليست كأى دولة فى الإقليم, فنصفها غربى بحكم عضويتها فى حلف الناتو منذ مطلع الخمسينيات, والنصف الآخر شرقى, وهو ما يُرتب عليها التزامات وشروطا فى الحركة تختلف عن مثيلاتها من الدول الإقليمية الكبرى, ويجعل سياساتها واختياراتها أكثر تعقيدا, بل ويُضاعف من ثمن أخطائها, فحتى وقت قريب كانت تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى بمعاييره المعروفة بخصوص الحريات وحقوق الإنسان, وهو ما أتى عليه أردوغان بانتهاكه المستمر لها, وعرضه لانتقادات عنيفة من دول الاتحاد, ليس ذلك فحسب, لكن سياساته فى القضايا الإقليمية أدخلته فى صدام مع أمريكا والغرب عموما, وبدا ذلك واضحا فى الملف السورى حيث اختلفت الأهداف والإستراتيجيات, سواء فيما يتعلق بإسقاط نظام بشار, الذى مثل أولوية لأنقرة فى وقت مبكر من الأزمة, أو فى قضية الأكراد, الذين تدعمهم واشنطن وتعتمد عليهم فى حربها ضد داعش على الأراضى السورية, بينما شن عليهم أردوغان حربا شرسة فى منطقة عفرين شمال سوريا خوفا وقمعا لأى نزعة انفصالية تُفضى بهم مع أكراد العراق وتركيا إلى اقامة دولة كردية, وأثار بتدخله العسكرى مزيدا من التوتر على علاقاته بدول الأطلنطى ومازال الحلف معترضا على هذه العملية, ولا شك أن المسألة الكردية مرشحة لمزيد من التصعيد بعد دخول حزب العدالة والتنمية فى ائتلاف برلمانى مع حزب الحركة القومية التركى المعروف بمواقفه اليمينية المتشددة تجاه الأكراد.

لم تقف الخلافات عند هذا الحد, وإنما مجمل سياساته فى سوريا والعراق والأزمة الخليجية, التى انحاز فيها لقطر على حساب دول المقاطعة الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) باتت موضع اعتراضات إقليمية ودولية لا يمكن التغاضى عنها.

يضاف إلى ذلك اتجاه الزعيم التركى للانفتاح على روسيا, العدو القديم الذى استمر الصراع معه لما يقرب من خمسة عقود وطوال حقبة الحرب الباردة, ليسميها «بحليف الضرورة» فى الأزمة السورية, والأهم إقدامه على توقيع صفقة معها لشراء أنظمة دفاعية صاروخية (إس 400) لتتأزم أكثر علاقاته بالناتو, الذى اعتبرها خروجا صريحا وانتهاكا لمنظومة الحلف العسكرية الموحدة, وكذلك بالإدارة الأمريكية. لذلك لم يكن غريبا أن تنطلق دعوات لإعادة النظر فى وضع تركيا بحلف الناتو, وقد سبق تجميد عضويتها به عقب غزوها شمال قبرص 1974 وفرضت واشنطن آنذاك حظرا شاملا على تصدير السلاح إليها لم يُرفع إلا فى نهاية السبعينيات فى عهد كارتر مع قيام الثورة الإيرانية وتغيراعتبارات المواجهة الأمريكية فى المنطقة لتركز على طهران, ربما لن تصل الأمور إلى هذا الحد فى المرحلة الراهنة, لأنه مازال لأنقرة دور وظيفى تؤديه فى الشرق الأوسط وتجاه مناطق النفوذ الروسى, لكن فى حال إصرارها على استكمال صفقة الصواريخ مع موسكو قد يتم التلويح باستخدام سلاح العقوبات ضدها.

بنفس المنطق راهن أردوغان على تحسين علاقاته بإيران, شريكة موسكو فى سوريا, فى الوقت الذى تتخذ فيه إدارة ترامب ومعها دول إقليمية كبيرة موقفا عدائيا منها, لكبح سياستها التوسعية فى المنطقة, وهو ما يشير ببساطة إلى دخوله فى صدام جديد خاصة مع اقتراب تفعيل السياسات العقابية تجاهها, وفى كل الأحوال لن يتحمل خسارة حلفائه الغربيين الأساسيين ولن تعوضه عنها تحالفاته الوقتية.

إذن التحديات الداخلية والخارجية التى يواجهها زعيم العدالة والتنمية ليست من قبيل الأمور العارضة, وستكلفه الكثير إن عاجلا أو آجلا, ما لم يراجع سياساته, وليس هناك أبلغ من عنوان مجلة التايم الأمريكية الأسبوع الماضى, بأن سلطاته الواسعة التى حصل عليها لن تكفيه وحدها أو تحرره من العقبات والعثرات التى عليه أن يجتازها منفردا.

نقلًا عن الآهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تكفى سلطوية أردوغان هل تكفى سلطوية أردوغان



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon