توقيت القاهرة المحلي 11:10:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صفقة القرن بعد تيلرسون

  مصر اليوم -

صفقة القرن بعد تيلرسون

بقلم : د. هالة مصطفى

 إقالة وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون تُعد التغيير الأكبر الذى شهدته إدارة الرئيس دونالد ترامب منذ توليه السلطة, فعلى الرغم من عملية تبديل القيادات المستمرة, التى اشتهرت بها هذه الإدارة فى مدى زمنى قصير, إلا أن التغيير هذه المرة قد يشكل علامة فارقة تؤشر لمرحلة جديدة فى سياسة الولايات المتحدة الخارجية تختلف جذريا مع سابقتها, فهى بمثابة فترة التمكين لتنفيذ رؤيته التى طرحها وقت أن كان مرشحا للرئاسة, وهى رؤية تتسم بالحدة والحسم, لم يكن تيلرسون بشخصيته المهادنة قادرا على تحقيقها.

أغلب الصحف الأمريكية توقعت تلك الإقالة قبل وقوعها, فالهوة بين الرئيس ووزير خارجيته كانت عميقة بحيث كان من الصعب تفادى صدام محتوم بينهما, فلم يكن هناك ملف خارجى واحد يتفق عليه الاثنان, وهو ما جعل الرسائل السياسية الآتية من واشنطن تبدو مزدوجة, فالخلافات شملت جميع الملفات بدءا من كوريا الشمالية مرورا بروسيا وإيران وانتهاء بالصراع العربى الإسرائيلى والأزمة الخليجية، حدة هذه الخلافات دفعت تلك الصحف إلى وصف تيلرسون بأنه امتداد لإدارة أوباما السابقة, التى يتناقض معها ترامب بشدة, بل ويمنحها حضورا قويا فى السياسات الحالية. والسؤال الجوهرى هو كيف نقرأ الحدث ونقيم أثره على منطقة الشرق الأوسط دون اختزاله فى معادلة الرابحين والخاسرين؟

لنتوقف عند بعض القضايا الأساسية موضع الخلاف, والتى إن تم ربطها ببعضها البعض قد تعطى صورة أشمل عن طبيعة السياسة الأمريكية القادمة التى يسعى ترامب لتدشينها, وفى مقدمتها الموقف من إيران حيث لم يُظهر تيلرسون حماسا لتعديل الاتفاق النووى معها, الذى يصر ترامب على إدخال تعديلات جوهرية عليه, أو إلغائه إن اقتضى الأمر وإعادة فرض عقوبات عليها, كذلك رفض دعم المعارضة فى الداخل ضد نظام الملالي, فى الوقت الذى دعا فيه الرئيس إلى دعمها والحد من التوسع الإقليمى لطهران الممتد من لبنان إلى العراق وسوريا واليمن, واعتبرها راعية الإرهاب فى العالم, لذلك بدا وزير الخارجية وكأنه مؤيد لوجهة نظر أوباما حيالها خاصة فيما يتعلق بدعوته لتقاسمها النفوذ مع السعودية, القوة الرئيسية المنافسة لها, وهو موقف يتصادم مع ترامب المنحاز للمملكة والتى جعلها محطته الأولى فى زياراته الخارجية ووقع معها صفقات سلاح بمئات المليارات آخرها فى مجال الطاقة النووية.

نفس الشىء ينطبق على الأزمة بين قطر ودول المقاطعة الأربع, السعودية ومصر والإمارات والبحرين, على خلفية اتهامها بدعم التنظيمات الإرهابية, وهو موقف أيده الرئيس عبر تغريداته على وسائل التواصل الاجتماعى, ولكن كان للوزير موقف مغاير ساع للتهدئة, ليتخذ بذلك مسارا مختلفا عن البيت الأبيض. ثم مرة أخرى, بعد إعلان ترامب عن قراره نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس, مُعتبرها عاصمة موحدة لإسرائيل, تأتى تصريحات تيلرسون حذرة تعطى انطباعا مختلفا, إذ أقر بأن عملية النقل ستستغرق عامين (ويبدو أنه على غير الحقيقة) وأن الوضع النهائى للمدينة ستحدده المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين, أى باختصار كان معاكسا لتوجهات الرئيس. فهل ثمة رابط بين هذه القضايا التى تبدو متفرقة؟ الإجابة نعم. وقد تكون صفقة القرن هى وحدها الإطار الجامع لها.

تلك الصفقة التى تعمدت الإدارة طويلا إحاطتها بنوع من الغموض وتركت التسريبات بشأنها إلى الدوائر غير الرسمية, تتكون من شقين, الأول يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية, والآخر بالسلام الإقليمى بين العرب وإسرائيل. فالشق الأول, والذى تم تداوله كثيرا يقوم على إقامة دولة فلسطينية تشمل قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية المقسمة حاليا إلى ثلاث مناطق (أ) و(ب) و(ج) تبعا لدرجة السيادة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى على أن تكون المنطقتان الأوليان ضمن حدود الدولة المرتقبة, وتكون عاصمتها بلدة أبو ديس أو رام الله وليس القدس الشرقية, على أن يتقرر الاتفاق على تبادل الأراضى والحدود النهائية فى المفاوضات فى ظل الإبقاء على المستوطنات الإسرائيلية, وإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين, وأن تقوم الدول المانحة, خاصة الخليجية, بمضاعفة مخصصاتها للسلطة الفلسطينية من أجل إقامة البنية الأساسية وكل ما يتطلبه إقامة دولة قابلة للحياة, وأن ذلك من وجهة نظر إدارة ترامب يدخل فى إطار حل الدولتين الذى تلتزم به الولايات المتحدة, لأن الحل الذى تقترحه إسرائيل لا يخرج عن حكم ذاتى لفلسطينيى الضفة يربطهم باتحاد كونفدرالى مع الأردن, أو إدارى لسكان غزة مع مصر, ومن هنا يمكن فهم تصريحات نيكى هايلى المندوبة الأمريكية بالأمم المتحدة بأن خطة السلام التى تقترحها بلادها, لن يحبها ولن يكرهها الطرفان (أى الإسرائيلى والفلسطينى) ما يعنى بداية الإعلان الرسمى عن الصفقة, وقد تحدث محمود عباس رئيس السلطة الوطنية صراحة عن ضغوط يتعرض لها من بعض العواصم العربية لقبول خطة السلام, لأن القادم قد يكون أسوأ, فضلا عن تلويح واشنطن بوقف مساعداتها المالية للسلطة وإغلاق مكاتبها فى واشنطن. أما الشق الثانى, المعنون بالسلام الإقليمى, فيفترض إقامة تحالف عربى برعاية أمريكية لمواجهة إيران تكون إسرائيل جزءا منه, وهذا ما تُعطى له الأخيرة أولوية, مثلما أشار رئيس وزرائها بنيامين نيتانياهو, أثناء زيارته إلى أمريكا الأسبوع الماضى بعد لقائه بمسئولين من الإدارة والكونجرس وأيضا فى خطابه الذى ألقاه أمام لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك). بعبارة أخرى, إن صفقة القرن المقترحة لا تختص فقط بعملية السلام وأنما تنطلق من رؤية أشمل لوضع الإقليم ككل لذا سُميت بالصفقة, وبغض النظر عن رفضها أو قبولها من الجانب العربى, أو أن أيا من شقيها قد يسبق الآخر, فالواقع إنها تُعبر عن رؤية ترامب وتوجهاته واختياراته وبالطبع شكل تحالفاته الإقليمية, التى تعتمد فى جوهرها على معسكر الاعتدال (السعودية ومصر والأردن) وهو الانحياز الذى صرح به فور فوزه فى الانتخابات. لا شك أن لكل ذلك علاقة بإقالة وزير خارجيته تيلرسون, وبإعطاء إشارة البدء لوضع الصفقة موضع التنفيذ, المهم أن تعيين مايك بومبيو عضو الكونجرس الجمهورى المتشدد والرئيس السابق للسى آى إيه الموالى له, خلفا للوزير المقال, يستهدف بالدرجة الأولى تحقيق التناغم بين أركان إدارته, لذلك قد لا تقف الإقالات عند هذا الحد, إلى أن يتمكن من صياغة سياساته الخارجية بما يتوافق تماما مع رؤيته الخاصة للعالم وللشرق الأوسط.

 نقلًا عن الاهرام القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صفقة القرن بعد تيلرسون صفقة القرن بعد تيلرسون



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon