توقيت القاهرة المحلي 09:11:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روسيا تنضم لصفقة القرن

  مصر اليوم -

روسيا تنضم لصفقة القرن

بقلم : د. هالة مصطفى

لم يلق زعيم سياسى ورئيس لدولة عظمى هجوما كاسحا من وسائل إعلامه المحلية وأعضاء حزبه والآخر المعارض، بل ومن أجهزة الدولة والمؤسسة التشريعية، مثلما حدث مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بسبب مواقفه الودية من روسيا، بعد اتهامها بالتدخل فى الانتخابات الرئاسية واختراق المجال الإلكترونى للتأثير على نتائجها لصالح الرئيس الفائز، إلى درجة وصمه بالخيانة والعمل ضد مصالح بلاده، كما أشار الكاتب الشهير توماس فريدمان فى مقاله الأسبوع الماضى بالنيويورك تايمز، لكن رغم ذلك انعقدت قمة هلسنكى بين الرئيسين الأمريكى والروسى.

منذ توليه السلطة، عمل ترامب على تحسين علاقاته مع موسكو وتجنب توجيه أى نقد علنى لسياستها، خاصة ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، بل وطالب بإعادتها إلى مجموعة الدول السبع الكبار بعد تعليق عضويتها على خلفية تدخلها العسكرى فى أوكرانيا 2014، ووصف بوتين بـالمنافس وليس الخصم وهو ما زاد من أزمته فى الداخل، ولكن أيا ما كانت أبعاد هذه الأزمة والنهاية التى ستئول إليها، فالواقع يشير إلى أن هذه القمة ليست عادية، من زاوية ما قد تسفر عنه من قرارات معلنة أو غير معلنة ونتائج على المدى الأطول، فلكل من طرفيها مطالب يريد أن ينتزعها من الآخر ولو على حساب الدول الأخرى.

ليس خافيا أن زعيم الكرملين يسعى للتخفيف من حدة الضغوط التى يعانيها من جراء العقوبات الاقتصادية، التى فرضتها القوى الغربية عليه منذ اندلاع الصراع فى أوكرانيا، وربما يطمح لرفعها وإلغاء الدعم العسكرى الذى تقدمه لها تلك القوى لمواجهة الوجود الروسى الذى مازال يلقى معارضة كبيرة هناك يصعب تجاهلها، وليست مصادفة أن يتضمن البيان الختامى لقمة الأطلنطى التى عُقدت قبيل قمة هلسنكى إدانة صريحة لضم روسيا غير القانونى للقرم، ونفس الشىء ينطبق على الحالة السورية، حيث نجحت القوات الروسية فى الإبقاء على نظام بشار الأسد وتأمينه ولكنها أخفقت فى التوصل لحلول سياسية تُنهى الحرب الأهلية، باختصار يريد أن يحول نصف النجاح فى الحالتين إلى نجاح كامل.

وبخلاف تلك القضايا الإقليمية، تبقى مشكلته مع الناتو من أهم المشكلات التى يواجهها بحكم تمركز قوات الحلف حول المناطق الإستراتيجية المحيطة بروسيا، مما يجعلها مصدرا مستمرا للقلق وعدم الاستقرار له فى القارة الأوروبية، ومن ثم فقد يراهن على أن تُخفض واشنطن من التزاماتها الأمنية تجاه دول الأطلنطى، وأن تمنحه اعترافا بضمه القرم بالقوة وهو ما أشارت إليه صحيفة ذى صن البريطانية.

أما الرئيس الأمريكى، الذى طالما انتقد سلفه أوباما لتعاونه مع الروس، لا سيما فى الملف السورى حيث أوكل لهم مهمة مراقبة نزع الأسلحة الكيماوية للنظام، فقد وجد نفسه هو الآخر فى حاجة إليهم، إذ يسعى إلى التنسيق مع منافسه الروسى لتسوية بعض الملفات الدولية، وفى مقدمتها خفض التسلح وتحجيم برامج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية ومنع تصديرها للدول المعادية للولايات المتحدة، وعلى المستوى الإقليمى، فمطلبه الأساسى هو محاصرة المشروع التوسعى لإيران فى المنطقة، والحد من نفوذها وتقليص دور ميليشياتها المسلحة، خاصة فى سوريا حيث الوجود الروسى المكثف، ضمانا لأمن إسرائيل، وللبدء فى إطلاق صفقة القرن فهذه الصفقة، التى لم تُعلن كل تفاصيلها رسميا، تتكون من شقين، الأول يتعلق بإيران ودورها الإقليمى، والآخر بالتسوية النهائية للقضية الفلسطينية، ليس على أساس حل الدولتين وإنما وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية، التى لا تعترف سوى بدولة واحدة يهودية، مع إعطاء الفلسطينيين الحق فى دولة منقوصة السيادة وعلى مساحة جغرافية غير متصلة عبر تبادل الأراضى تكون عاصمتها بلدة أبو ديس وليس القدس الشرقية مع إسقاط قضية اللاجئين والمستوطنات اليهودية من مفاوضات الحل النهائى، وتعويضهم فى المقابل بمشروعات استثمارية ضخمة لإقامة بنية أساسية تمنح دولتهم الحياة، بتمويل أمريكى خليجى.

هذا المشروع تُرجم عمليا منذ أيام، عندما صدق الكنيست على قانون القومية بالأغلبية، والذى ينص على أن إسرائيل هى الوطن القومى لليهود واللغة العبرية هى اللغة الرسمية، والاستيطان مشروع تدعمه الدولة، إضافة إلى أن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.

من هنا عرض الرئيس ترامب على نظيره الروسى تسوية سياسية إقليمية، تقوم موسكو بمقتضاها بتسهيل وتمرير تلك الصفقة، والمبادرة بعقد لقاءات مباشرة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، نظرا للعلاقات الجيدة التى تربطها بالجانبين، مقابل اعتبار سوريا منطقة نفوذ خالصة لها لكن بعد إخراج إيران.

هذا العرض الذى تحدثت عنه العديد من وكالات الأنباء العالمية، جاء بعد فشل جولة مستشاره وصهره جاريد كوشنير ومبعوثه الخاص جيسون جينبلات إلى المنطقة من أجل التسويق لصفقة القرن وفتح قنوات الاتصال مع السلطة الفلسطينية، التى أُغلقت على خلفية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس اعترافا بكونها عاصمة إسرائيل، والملاحظة الرئيسية فى هذا السياق أن الأخيرة كانت بمنزلة الحاضر الغائب فى قمة هلسنكى، فهى الأقرب، مقارنة بباقى دول الشرق الأوسط، لدوائر صناعة القرار الأمريكية والروسية معا، وهو ما أكده لقاء نيتانياهو مع بوتين أخيرا فى العاصمة الروسية وكذلك الانتقائية فى العمليات العسكرية الإسرائيلية فى سوريا والتى استهدفت المواقع الإيرانية دون المساس بمثيلاتها الروسية، ولذلك لم تكن مسألة ضمان أمن إسرائيل وتأمين مصالحها محل خلاف بين قطبى القمة.

إذن نحن نتحدث عن مقايضات وتبادل للمكاسب والمصالح واقتسام النفوذ بين روسيا وأمريكا وفقا لمتغيرات العصر الحالى، وليس عن قواعد الحرب الباردة بتناقضاتها الأيديولوجية العميقة بين المعسكرين الشرقى والغربى، والتى كانت تترك هامش مناورة للدول الأصغر، والأيام المقبلة هى التى ستجيب وحدها عما ستُفضى إليه تلك التبادلية فى المصالح من آثار على مستقبل المنطقة.

نقلًا عن الآهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا تنضم لصفقة القرن روسيا تنضم لصفقة القرن



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 15:58 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
  مصر اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon