توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روسيا تنضم لصفقة القرن

  مصر اليوم -

روسيا تنضم لصفقة القرن

بقلم : د. هالة مصطفى

لم يلق زعيم سياسى ورئيس لدولة عظمى هجوما كاسحا من وسائل إعلامه المحلية وأعضاء حزبه والآخر المعارض، بل ومن أجهزة الدولة والمؤسسة التشريعية، مثلما حدث مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بسبب مواقفه الودية من روسيا، بعد اتهامها بالتدخل فى الانتخابات الرئاسية واختراق المجال الإلكترونى للتأثير على نتائجها لصالح الرئيس الفائز، إلى درجة وصمه بالخيانة والعمل ضد مصالح بلاده، كما أشار الكاتب الشهير توماس فريدمان فى مقاله الأسبوع الماضى بالنيويورك تايمز، لكن رغم ذلك انعقدت قمة هلسنكى بين الرئيسين الأمريكى والروسى.

منذ توليه السلطة، عمل ترامب على تحسين علاقاته مع موسكو وتجنب توجيه أى نقد علنى لسياستها، خاصة ما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، بل وطالب بإعادتها إلى مجموعة الدول السبع الكبار بعد تعليق عضويتها على خلفية تدخلها العسكرى فى أوكرانيا 2014، ووصف بوتين بـالمنافس وليس الخصم وهو ما زاد من أزمته فى الداخل، ولكن أيا ما كانت أبعاد هذه الأزمة والنهاية التى ستئول إليها، فالواقع يشير إلى أن هذه القمة ليست عادية، من زاوية ما قد تسفر عنه من قرارات معلنة أو غير معلنة ونتائج على المدى الأطول، فلكل من طرفيها مطالب يريد أن ينتزعها من الآخر ولو على حساب الدول الأخرى.

ليس خافيا أن زعيم الكرملين يسعى للتخفيف من حدة الضغوط التى يعانيها من جراء العقوبات الاقتصادية، التى فرضتها القوى الغربية عليه منذ اندلاع الصراع فى أوكرانيا، وربما يطمح لرفعها وإلغاء الدعم العسكرى الذى تقدمه لها تلك القوى لمواجهة الوجود الروسى الذى مازال يلقى معارضة كبيرة هناك يصعب تجاهلها، وليست مصادفة أن يتضمن البيان الختامى لقمة الأطلنطى التى عُقدت قبيل قمة هلسنكى إدانة صريحة لضم روسيا غير القانونى للقرم، ونفس الشىء ينطبق على الحالة السورية، حيث نجحت القوات الروسية فى الإبقاء على نظام بشار الأسد وتأمينه ولكنها أخفقت فى التوصل لحلول سياسية تُنهى الحرب الأهلية، باختصار يريد أن يحول نصف النجاح فى الحالتين إلى نجاح كامل.

وبخلاف تلك القضايا الإقليمية، تبقى مشكلته مع الناتو من أهم المشكلات التى يواجهها بحكم تمركز قوات الحلف حول المناطق الإستراتيجية المحيطة بروسيا، مما يجعلها مصدرا مستمرا للقلق وعدم الاستقرار له فى القارة الأوروبية، ومن ثم فقد يراهن على أن تُخفض واشنطن من التزاماتها الأمنية تجاه دول الأطلنطى، وأن تمنحه اعترافا بضمه القرم بالقوة وهو ما أشارت إليه صحيفة ذى صن البريطانية.

أما الرئيس الأمريكى، الذى طالما انتقد سلفه أوباما لتعاونه مع الروس، لا سيما فى الملف السورى حيث أوكل لهم مهمة مراقبة نزع الأسلحة الكيماوية للنظام، فقد وجد نفسه هو الآخر فى حاجة إليهم، إذ يسعى إلى التنسيق مع منافسه الروسى لتسوية بعض الملفات الدولية، وفى مقدمتها خفض التسلح وتحجيم برامج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية لكوريا الشمالية ومنع تصديرها للدول المعادية للولايات المتحدة، وعلى المستوى الإقليمى، فمطلبه الأساسى هو محاصرة المشروع التوسعى لإيران فى المنطقة، والحد من نفوذها وتقليص دور ميليشياتها المسلحة، خاصة فى سوريا حيث الوجود الروسى المكثف، ضمانا لأمن إسرائيل، وللبدء فى إطلاق صفقة القرن فهذه الصفقة، التى لم تُعلن كل تفاصيلها رسميا، تتكون من شقين، الأول يتعلق بإيران ودورها الإقليمى، والآخر بالتسوية النهائية للقضية الفلسطينية، ليس على أساس حل الدولتين وإنما وفق الرؤية الأمريكية الإسرائيلية، التى لا تعترف سوى بدولة واحدة يهودية، مع إعطاء الفلسطينيين الحق فى دولة منقوصة السيادة وعلى مساحة جغرافية غير متصلة عبر تبادل الأراضى تكون عاصمتها بلدة أبو ديس وليس القدس الشرقية مع إسقاط قضية اللاجئين والمستوطنات اليهودية من مفاوضات الحل النهائى، وتعويضهم فى المقابل بمشروعات استثمارية ضخمة لإقامة بنية أساسية تمنح دولتهم الحياة، بتمويل أمريكى خليجى.

هذا المشروع تُرجم عمليا منذ أيام، عندما صدق الكنيست على قانون القومية بالأغلبية، والذى ينص على أن إسرائيل هى الوطن القومى لليهود واللغة العبرية هى اللغة الرسمية، والاستيطان مشروع تدعمه الدولة، إضافة إلى أن القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.

من هنا عرض الرئيس ترامب على نظيره الروسى تسوية سياسية إقليمية، تقوم موسكو بمقتضاها بتسهيل وتمرير تلك الصفقة، والمبادرة بعقد لقاءات مباشرة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، نظرا للعلاقات الجيدة التى تربطها بالجانبين، مقابل اعتبار سوريا منطقة نفوذ خالصة لها لكن بعد إخراج إيران.

هذا العرض الذى تحدثت عنه العديد من وكالات الأنباء العالمية، جاء بعد فشل جولة مستشاره وصهره جاريد كوشنير ومبعوثه الخاص جيسون جينبلات إلى المنطقة من أجل التسويق لصفقة القرن وفتح قنوات الاتصال مع السلطة الفلسطينية، التى أُغلقت على خلفية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس اعترافا بكونها عاصمة إسرائيل، والملاحظة الرئيسية فى هذا السياق أن الأخيرة كانت بمنزلة الحاضر الغائب فى قمة هلسنكى، فهى الأقرب، مقارنة بباقى دول الشرق الأوسط، لدوائر صناعة القرار الأمريكية والروسية معا، وهو ما أكده لقاء نيتانياهو مع بوتين أخيرا فى العاصمة الروسية وكذلك الانتقائية فى العمليات العسكرية الإسرائيلية فى سوريا والتى استهدفت المواقع الإيرانية دون المساس بمثيلاتها الروسية، ولذلك لم تكن مسألة ضمان أمن إسرائيل وتأمين مصالحها محل خلاف بين قطبى القمة.

إذن نحن نتحدث عن مقايضات وتبادل للمكاسب والمصالح واقتسام النفوذ بين روسيا وأمريكا وفقا لمتغيرات العصر الحالى، وليس عن قواعد الحرب الباردة بتناقضاتها الأيديولوجية العميقة بين المعسكرين الشرقى والغربى، والتى كانت تترك هامش مناورة للدول الأصغر، والأيام المقبلة هى التى ستجيب وحدها عما ستُفضى إليه تلك التبادلية فى المصالح من آثار على مستقبل المنطقة.

نقلًا عن الآهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا تنضم لصفقة القرن روسيا تنضم لصفقة القرن



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon