توقيت القاهرة المحلي 12:33:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الطريق إلى صفقة القرن

  مصر اليوم -

الطريق إلى صفقة القرن

بقلم : د. هالة مصطفى

فى خطوة مفاجئة كتلك التى اعتاد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن يصدم العالم بها, وفى تغريدة له أعلن أن الوقت قد حان لتعترف واشنطن بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية, ولم تمض أيام حتى استضاف وزير خارجيتها بنيامين نيتانياهو بالبيت الأبيض, ليوقع رسميا على وثيقة تعطيها هذا الحق, متجاوزا بذلك القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة التى تعترف بها أرضا سورية محتلة منذ عام 1967, وهى خطوة لم يجرؤ أى من الرؤساء الأمريكيين السابقين على الإقدام عليها على مدى العقود الخمسة الماضية، ليس لأنهم كانوا أقل انحيازا لإسرائيل ولكن خشية من ردود الأفعال الغاضبة التى قد تترتب عليها, لذلك راهن الكثيرون على أن تكون هذه لحظة عابرة ترتبط بشخصية ترامب الانفعالية وبالتالى لن تصبح سياسة ثابتة للولايات المتحدة من بعده, أو أنها جاءت لأغراض دعائية انتخابية ما تلبث أن تنتهى حال انتفاء الحاجة لتوظيفها باعتبارها مجرد قرار رئاسى لم يُصدق عليه الكونجرس, ولكن هل هذا صحيح؟ وهل يمكن اعتبارها مجرد خطوة أحادية منفصلة عما يجرى الترتيب له لمستقبل الشرق الأوسط وتحديدا فيما يتعلق بالخطة الأمريكية للسلام المعروفة بصفقة القرن؟ 

هذا الإجراء جاء متزامنا مع صدور تقرير لجنة مولر الخاص بالتحقيق فى مسألة التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية دون إدانة للرئيس, أى أنه فى أقوى أوضاعه الداخلية والحديث عن رغبته فى الحصول على دعم اللوبى اليهودى حال ترشحه لفترة ثانية لا يُعد حجة قوية، لأن هذا العامل ليس مقصورا عليه فجميع المرشحين للمنصب كانوا ومازالوا يسعون لمثل هذا الدعم دون اتخاذ قرارات مماثلة, أما كونه يروج لترجيح فوز نيتانياهو فى الانتخابات الإسرائيلية التى ستُجرى بعد أيام فلا يمكن اعتباره مجرد تأييد لمرشح يقاسمه الانتماء إلى تيار اليمين الدينى المحافظ, وإنما الأرجح أن هناك مصلحة سياسية متبادلة ترتبط بتغيير الأوضاع الإقليمية وأنه شريك فيها, ومن ثم يكون هو أفضل اختيار للسياسة الأمريكية فى المرحلة الراهنة, وفى كل الأحوال فإن تلك السياسة لاتخضع فقط للمزاج الشخصى للرئيس فهناك أيضا المؤسسات الحاكمة وهى بدورها قوية, بل من المتوقع أن يُصادق الكونجرس رغم الأغلبية الديمقراطية فى مجلس النواب على قرار ترامب, فموقف الحزبين الجمهورى والديمقراطى الداعم لإسرائيل واحد.

أما عن توقيت القرار, فإن ما تشهده المنطقة من صراعات وحروب أهلية وطائفية وبالوكالة أضعفت دولها, ويقلل ولا شك من قدرتها على التصدى لأى مشروع إقليمى تقره القوة العظمى وتعمل على تطبيقه بما تتخذه من قرارات وإجراءات, ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للموقف الدولى رغم معارضة الاتحاد الأوروبى وروسيا القرار الأمريكى, فالأولى لن تدخل فى مواجهة مع الولايات المتحدة حتى مع تعرض تحالفهما لبعض العثرات من وقت إلى آخر, وموسكو التى أقدمت على ضم شبه جزيرة القرم فى أوكرانيا بالقوة العسكرية, لن تكون لمعارضتها مصداقية فى قضية الجولان، لأنها أقدمت على الشىء ذاته, ناهيك عن علاقاتها الوثيقة بإسرائيل, فهى التى أعطت لها الضوء الأخضر, بوصفها صاحبة النفوذ الأكبر فى سوريا, لضرب المواقع العسكرية لإيران هناك وإبعاد قواتها عن المناطق الحدودية الملاصقة للجولان حتى لا تُستخدم كمنصة صاروخية للهجوم على تل أبيب.

إن اعتراف أمريكا بضم الجولان لإسرائيل يمكن اعتباره فصلا جديدا فى صفقة القرن المفترض لها, من منظور واضعيها, أن تقود إلى حل تاريخى شامل لكل قضايا الوضع النهائى التى تجمدت بسببها عملية السلام منذ توقيع الفلسطينيين والإسرائيليين اتفاقيات أوسلو 1993 والمتعلقة بوضع القدس والحدود واللاجئين أو حق العودة إلى الدولة الفلسطينية المزمعة إقامتها, وإذا نظرنا إلى سلسلة القرارات والإجراءات التى اتخذتها إدارة ترامب سنجدها كلها تصب فى هذا الاتجاه, إذ بدأت بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها وألحقت بها قنصليتها التى كانت تمثلها لدى الفلسطينيين فى القدس الشرقية, باعتبار أن هذا الشطر من المدينة كان سيصبح عاصمة دولتهم المستقبلية, مثلما أغلقت مكتب منظمة التحرير فى واشنطن, بعدها أوقفت مساهمتها المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) مما يعنى عدم اعترافها أصلا بتلك القضية, ثم جاء قرار الجولان ويرتبط مباشرة بقضية الحدود, التى لن تكون تبعا لنفس الصفقة على أساس حدود 1967 وإنما رسوم أخرى جديدة يتم فيها توسيع الحدود الإسرائيلية حسب المقتضيات الأمنية التى تراها وهو ما يحققه هذا القرار, وأيضا وفق مبدأ تبادل الأراضى بينها وبين السلطة الفلسطينية بخصوص الضفة الغربية, التى ستقام على معظمها الدولة الفلسطينية فيما عدا الأجزاء التى تشمل المستوطنات الإسرائيلية الكبيرة ويتم تعويض تلك المساحة بمساحة مماثلة من صحراء النقب الخاضعة للسيادة الإسرائيلية. وبما أن صفقة القرن تتحدث عن سلام إقليمى وليس فقط عن إسرائيلى فلسطينى, فإن الجانب الآخر منها والمتزامن معها, ينصرف إلى مواجهة الدول التى تُعتبر مهددة للأمن الإقليمى, وهنا يأتى الحديث عن إيران التى تمتلك سلاحا نوويا وتتزعم ما يسمى جبهة الممانعة الرافضة لأى تسوية سلمية فى الشرق الأوسط والداعمة لفكرة المقاومة المسلحة والتى تضم أهم حلفائها من النظام السورى وحزب الله اللبنانى وحركة حماس, ورغم أن هذه الجبهة تحولت إلى مجرد شعارات فإن طموح طهران فى التوسع الاقليمى, كان كفيلا بأن تتصدى لها السياسة الأمريكية سواء بالانسحاب من الاتفاق النووى أو بتشديد سياسة العقوبات وقد يصل الأمر إلى استخدام القوة العسكرية, ومن أجلها عُقد مؤتمر وارسو أخيرا.

هذه المعطيات هى أجزاء من كل حتى وإن لم يكن الرابط بينها واضحا صريحا فى هذه المرحلة, فالغموض الذى يحيط بالصفقة قد يكون متعمدا ومقصودا فى ذاته, لأن الأمر لا يتعلق بمجرد استئناف مفاوضات السلام كما كان فى السابق, وإنما تمهيد الأرض من خلال ترتيبات متراكمة تخلق أمر واقع جديد يفرض نفسه على الجميع وبعده لا يبقى سوى الإعلان عنها.

نقلًا عن الآهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع  

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطريق إلى صفقة القرن الطريق إلى صفقة القرن



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon