توقيت القاهرة المحلي 10:31:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رهانات إيران

  مصر اليوم -

رهانات إيران

بقلم : د. هالة مصطفى

الحرب الكلامية، والتى تزداد سخونة يوما بعد يوم بين الولايات المتحدة وإيران قد لا تتعدى هذه الحدود فى المرحلة الحالية، فمازال من الصعب التصديق أن سياسة حافة الهاوية التى يتبعها الطرفان فى الآونة الأخيرة ستقود حتما إلى مواجهة عسكرية شاملة، نظرا لتكلفتها العالية على جميع الأطراف، فإذا وقعت الحرب ستشمل بالضرورة أغلب الدول الإقليمية المنقسمة بين معسكرين متضادين مع وضد طهران، فأى حرب فى الشرق الأوسط سيكون من الصعب السيطرة عليها وستطول أثارها الجميع، بل ولن تسلم واشنطن من تداعياتها رغم حرصها على تحميل حلفائها الإقليميين تكلفتها المادية والقتالية المباشرة لتكون قواتها المنتشرة فى المنطقة من أجل الردع وليس خوض الحروب، وهذا هو الدرس الذى خرجت به من غزوها العراق وأفغانستان الذى كبدها خسائر مادية وبشرية ضخمة، إلى الدرجة التى جعلت ترامب إبان معركته الانتخابية للرئاسة يعد بعدم دخول بلاده فى حرب جديدة، وقد يستمر نفس النهج مع اقتراب الإعداد للفترة الرئاسية الثانية، كذلك وفى المقابل، فإن إيران التى تمرست فى الحروب بالوكالة عبر ميليشياتها المنتشرة على طول المنطقة لن تقوى على حرب نظامية مع أمريكا، وتصريحاتها ضدها لا تعدو كونها توظيفا لمبدأ أن خير وسيلة للدفاع هو الهجوم، وحتى هجومها هنا لايعنى سوى تحرشها بالدول الخليجية، مثلما فعلت باستهداف بعض السفن ومضخات البترول السعودية قبالة المياة الإقليمية الإماراتية

هذا هو الإطار النظرى الذى من خلاله يتم تأكيد استحالة اندلاع الحرب التى توصف بالكبرى فى الشرق الأوسط، ولا يمكن إنكار أن لكل من تلك الاعتبارات وجاهتها، ولكنها لا تضمن وحدها نهاية للأزمة، وبالتالى يبقى السؤال عن البديل، أى بديل المواجهة العسكرية التى يريد الكل تجنبها.

منذ بداية استعداداتها العسكرية وتشديدها العقوبات الاقتصادية التى وصلت إلى حد الحصار الكامل، حرصت الإدارة الأمريكية على أن تُبقى الباب مواربا لإجبار إيران على التفاوض كخيار وحيد أمامها، ووضعت له اثنى عشر شرطا، تقف وراءها إسرائيل بقوة، أغلبها يتعلق بملفها النووى وقدراتها التسليحية خاصة تصنيعها الصورايخ الباليستية البعيدة المدى، والشق الآخر يشمل مجمل سياساتها التوسعية فى المنطقة، نظرا لتغلغل التنظيمات الموالية للجمهورية الإسلامية داخل الدول التى سيطرت عليها، بحيث أصبحت جزءا لا يتجزأ من تركيبتها السياسية ودوائر صناعة القرار فيها، من حزب الله اللبنانى وقوات الحشد الشعبى فى العراق والحوثيين فى اليمن وحماس فى غزة إلى وجودها المباشر فى سوريا، باختصار يريد الجانب الأمريكى أن يصل إلى النتيجة نفسها التى يمكن أن يصل إليها من خلال الحرب، والتى تعنى نزع قوة النظام الإيرانى وحصر دولته داخل حدودها، وهذه كلها ليست بالمطالب الهينة، لأنها ستُفقد النظام شرعيته وسبب وجوده وبقائه، فالقضية ليست مجرد تعديل سلوكه، ولكنها تمتد إلى صلب نظام ولاية الفقيه.

إن هذا النظام تحديدا يُعد متفردا فى أنظمة الحكم المعاصرة، فهو نظام ثيوقراطى بامتياز، ويعتبر تصدير ثورته ونشرها فى العالم واجبا شرعيا مُبررا فقهيا ومُلزما بحكم نصوص الدستور، ولذلك يُعطى لمنصب المرشد الأعلى، الذى يتمتع بمكانة روحية لا يضاهيه فيها أحد، صلاحيات لامحدودة يهيمن من خلالها على سلطات الدولة الثلاث، وهو نظام محمى أيضا بحرسه الثورى الذى أنشئ لهذا الغرض، وفى مثل هذا النظام ليس هناك مجال لحديث جدى عن وجود تيارين، متشدد وإصلاحى إلا مجازا ولهدف توزيع الأدوار سياسيا.

لكن وعلى الرغم من تلك الحقائق، فالنظام الإيرانى يجيد اللعب بالأوراق التى يملكها ويمتاز بقدر كبير من المراوغة وهذا وجهه الآخر، وبالتالى فقد يعمد فى الفترة المقبلة، للقبول بمبدأ التفاوض مع الولايات المتحدة ولو بوساطة طرف ثالث أوروبى أو إقليمى، مع محاولة كسب بعض الدول الخليجية فى صفه أو تحييدها، ولا شك أن جولة مساعد وزير الخارجية الإيرانى الأخيرة إلى قطر والكويت وسلطنة عُمان والتى تزامنت مع زيارة وزير الخارجية جواد ظريف للعراق تصب فى هذا الاتجاه.

مازالت هناك شكوك كبيرة فيما يمكن أن تحققه المفاوضات حال حدوثها، لأن الأجندة الإيرانية تتناقض جذريا مع ما يطمح إليه الرئيس الأمريكى، فقد تهدف منها طهران فقط إلى محاولة شراء الوقت لحين انشغال إدارته بالانتخابات المقبلة ومحاولة إرباك الطرف الأوروبى حتى لا يتخلى عن التزامه بالاتفاق النووى معها فضلا عن سعيها لكبح جماح العقوبات الأمريكية وإبعاد احتمالات المواجهة العسكرية بدعوى الحوار، وربما تضطر إلى تقديم تنازلات فى ملفاتها المفتوحة، ولو بصورة شكلية أو مرحلية بإعلان تخفيضها دعمها المالى لبعض أجنحتها فى المنطقة، مثلما ورد فى تقرير الوفيجارو« الفرنسية عن تمويلها حزب الله الذى نقص إلى النصف تقريبا، وهو إجراء مرتبط بتدنى أوضاعها الاقتصادية حاليا جراء العقوبات المفروضة عليها، وكذلك بالنسبة لدعمها للحوثيين، ولكن من الصعب تصور تخليها الفعلى والنهائى عن كل ما أنجزته فى لبنان والعراق وسوريا واليمن، ونفس الشىء ينطبق على برنامجها النووى، بعبارة أخرى ستضمن أن تكون تلك التنازلات هامشية أو ثانوية وليست فى الجوهر، أما إذا ضاق الخناق عليها فقد تذهب إلى السيناريو الآخر فى استهداف مصالح الدول الخليجية، خاصة فى قطاع النفط وفى مقدمتها السعودية، إذ مازالت تعتبر الرياض منافستها الأولى فى المنطقة، صحيح أن إعادة انتشار القوات والقواعد الأمريكية فى الخليج عقب هجومها الأول الذى تم عبر وكيلها الحوثى على الناقلات البترولية هناك، حد من هذه الوسيلة إلا أنه لا ضمان لمنعها كليا.

كثير من الآراء تذهب إلى أن الأنظمة القمعية العدوانية مآلها الانهيار والسقوط، وهو ما ينطبق على النظام الإيرانى، ودائما ما تساق الأمثلة بعراق صدام حسين، والأهم بألمانيا النازية فى عهد هتلر، وهى فرضية سليمة ويثبتها التاريخ، لكن ما يغيب عن هذه الآراء هو أن هذه الأنظمة ومثيلاتها لم تسقط إلا بالخيار العسكرى. فى كل الأحوال ابتعد شبح الحرب إلى حين، لمصلحة التفاوض المقترح، لكنه لن يضمن فى ذاته الوصول إلى تسوية شاملة للأزمة، وبالتالى يستمر الصراع مفتوحا.

نقلًا عن الآهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رهانات إيران رهانات إيران



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس
  مصر اليوم - فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon