توقيت القاهرة المحلي 05:29:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الضربة العسكرية لسوريا

  مصر اليوم -

الضربة العسكرية لسوريا

بقلم : د. هالة مصطفى

 الضربة العسكرية التى قادتها الولايات المتحدة بالتحالف مع كل من فرنسا وبريطانيا, جاءت بعد أيام من التهديدات والتصريحات الأمريكية المتتالية ضد النظام السورى, على خلفية اتهامه باستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا, والتى استهدفت المدنيين, أعقبتها حرب كلامية مضادة قادتها روسيا, الحليف الأول للنظام, ثم تلتها إشارات متضاربة من الجانبين, فواشنطن على لسان رئيسها قالت إن الضربة قد تكون قريبة جدا أو لا تكون كذلك, وموسكو تحدثت عن قنوات اتصال مفتوحة معها, قبل أن يتحول الأمر إلى استعراض شبه مسرحى من الجانبين لقوتهما العسكرية, بصورة تعيد إلى الأذهان زمن الحرب الباردة ونظام الثنائية القطبية, وسياسة الردع المتبادل وترحيل الحروب إلى أراضى الغير, تجنبا لحرب مباشرة بينهما. ولأن سوريا الآن تشهد حربا أهلية مستمرة منذ ما يقرب من سبع سنوات, وصراعات حادة بين أطراف دولية وإقليمية عديدة, وتتشابك فيها الخيوط وتتقاطع المصالح والأهداف, فليس هناك أنسب منها لتكون ساحة المعركة بين جميع المتصارعين.

لم يكن الاتهام الأول الذى يُوجّه إلى النظام فى دمشق, ولم يكن هو الإنذار الأمريكى الأول أيضا, بل سبق أن نفذت الولايات المتحدة تهديدها وقصفت بالفعل مطار الشعيرات السورى العام الماضى, كإجراء عقابى ولم يزد عن ذلك ولم يغير من الواقع شيئا, لكن التوقعات من الضربة العسكرية هذه المرة تختلف, لأن مواقف كثير من القوى لم تعد كما كانت, والأهم أن فترة الوفاق الأمريكى الروسى قد انتهت.

لاشك أن لروسيا مصالح إستراتيجية مؤكدة فى سوريا, فهى مركز الثقل لسياستها فى الشرق الأوسط, وموطئ قدم لها للمنطقة ككل, سواء لأهميتها وموقعها المطل على البحر المتوسط, أو من أجل إحداث توازن للقوى مع الغرب واستعادة مكانتها كقوة عظمى فى مواجهة الولايات المتحدة, ولن تسمح بخسارتها, وهو ما يفسر دعمها اللامحدود لنظام بشار على جميع الأصعدة.

إيران, وهى الحليف الآخر, تعتبر سوريا أيضا محورا مهما فى مشروعها الإقليمى التوسعى بعد سيطرتها الفعلية على لبنان والعراق وأجزاء من اليمن, وهى فى كل هذه الحالات التى تُغلفها بطابع طائفى شيعى, تسعى لمناهضة المعسكر السنى الذى تقوده السعودية منافستها القوية فى المنطقة, وكسبها للمعركة السورية سيكون نقطة تحول فارقة فى صراعها مع المملكة, لذلك وقفت الأخيرة ضد استمرار النظام السورى, الذى تستخدمه طهران كرأس حربة ضدها, وحتى عندما خففت من مطالبها إزاءه جعلته مشروطا بخروج القوات الإيرانية, وهو شرط يستحيل على بشار تحقيقه.

فى المقابل حاولت تركيا اللعب على التناقضات بين الدول المتحاربة على الأرض السورية, فطالبت فى البداية بإسقاط النظام, ثم بدلت الموقف بالتعاون مع حليفيه الروسى والإيرانى, بسبب دعم واشنطن للأكراد المتعاونين معها فى حربها ضد داعش, والذين تخوض أنقرة الآن حربا ضدهم فى عفرين, قمعا لنزعتهم الانفصالية وخشية من مطلبهم فى إقامة دولة مستقلة مع أقرانهم من الأكراد العراقيين والأتراك, ولكنها عادت أخيرا للاصطفاف بجانب التحالف الغربى.

إسرائيل بدورها, ليست غائبة عن المشهد, فهى ترى فى إيران خطرا حقيقيا على أمنها, وأن تجربة حزب الله اللبنانى ستتكرر فى سوريا.

وسط هذا التعقيد يظل السؤال الجوهرى حول أهداف الضربة العسكرية وأبعادها, وهل فى ذلك تكرار لسيناريو الغزو الأمريكى للعراق؟ هنا تُثار عدة ملاحظات:

إن هذه الضربة نُفذت بإحكام لإحداث خسائر عسكرية, دون الإعلان من جانب التحالف عن أنها حققت أهدافها بالكامل فى القضاء على مخزون الأسلحة الكيماوية, كى يبقى الباب مفتوحا لتكرارها فى أى وقت آخر.

إنها جاءت بتحالف دول ثلاث تمتلك حق الفيتو فى مجلس الأمن لتعطى انطباعا رمزيا بأنها تمثل المجتمع الدولى, وليس فقط الولايات المتحدة، كما جاءت أيضا بمباركة من ألمانيا الدولة القائد فى فى الاتحاد الأوروبى.

توجيه رسالة سياسية واضحة لروسيا, بأنها لن تنفرد بالساحة السورية, ولا تستطيع أن تحرز فيها نصرا حاسما, صحيح أن الرئيس الأمريكى ترامب بدأ عهده بالمهادنة مع بوتين, واعتبر بلاده شريكا له فى حل أزمات الشرق الأوسط, وفى مقدمتها الملف السورى فى إطار تبادل المصالح, إلا أن هذا الموقف تغير بعد تنامى القوة الروسية ليس فقط فى هذه المنطقة وإنما فى أنحاء أخرى من العالم, وجاءت حادثة محاولة اغتيال عميل بريطانيا الروسى الجنسية على أراضيها والتى اتُهمت فيها موسكو, لتُزيد من الدعوات الأوروبية ومعها الأمريكية لتحجيم القوة الروسية, وتغيير الفريق المعاون لترامب, بعد ضم مايك بومبيو وزيرا للخارجية, وجون بولتون مستشارا للأمن القومى, ليس بعيدا عن هذا التوجه الجديد, وقد صرح الأول بأن «السياسة الناعمة تجاه روسيا قد ولت».

الرسالة الثانية لإيران, وهى هدف أساسى لإدارة ترامب وإسرائيل معا, وتكفى الإشارة إلى أن مواجهتها وتقويض نفوذها ومشروعها الإقليمي, من خلال تحالف واسع تقوده واشنطن, هو جزء لا يتجزأ من صفقة القرن جنبا إلى جنب مع خطة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وأن عدم المساس بأى من مواقع روسيا العسكرية بل واطلاعها على توقيت ومكان الضربة, يخفى وراءه رغبة من قوى التحالف بعزل طهران وفصلها عن موسكو, ويبدو أن الأخيرة لن تمانع فى ذلك.

ليس شرطا أن يكون غزو العراق هو النموذج لإسقاط الأنظمة, فهى تجربة لن ترغب الولايات المتحدة فى استنساخها, لتكلفتها العالية ولما تتطلبه من الدخول بقوات برية وكذلك لعدم وجود بديل جاهز يخلف بشار, ويكفى إضعاف نظامه بشكل ممنهج.

إن الحل السياسى -إن وُجد- سيكون مرهونا بتوازن القوى ويكون للجانب الأمريكى الأوروبى دور أساسى فيه وقد يؤدى إلى تغيير النظام بتوافق الأطراف أو بالأحرى بصفقة بينهم, فالنظام السورى قد فقد بالفعل سيادته على أراضيه منذ فترة طويلة.

 نقلا عن الآهرام  القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الضربة العسكرية لسوريا الضربة العسكرية لسوريا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon