بقلم : أحمد الصاوي
فى التعامل مع مرض كالإرهاب لديك عدوان أساسيان..
الإرهابى والإرهابيون كأفراد، وفكرة الإرهاب فى حد ذاتها وقدرتها على اجتذاب مزيد من الإرهابيين لتحقيقها ومحاولة فرضها على الواقع.
محاصرة فكرة الإرهاب بأى معيار أهم من قتال الإرهابيين، ولا يعنى ذلك عدم قتالهم. يمكنك قتل وسجن ألف إرهابى كل يوم.. هذا عمل عظيم جداً، لكن مع بقاء الفكرة حية وملهمة لعقول بعينها، سيخرج بعد كل ألف نقتله أو نسجنه، آلاف آخرون أكثر توحشاً وتشبثاً بالأفكار بالشكل الذى يجعل الباحثين المتخصصين ينظرون للأجيال الأقدم باعتبارها أكثر اعتدالاً وأقل توحشاً من الأجيال الأحدث، على نحو ما جرى فى النظرة لتنظيم «القاعدة» بعد ظهور تنظيم «داعش».
المطالبة بسجن فضل شاكر تنفيذا لحكم المحكمة اللبنانية بإدانته فى جرائم إرهابية حق وواجب، ويصب فى اتجاه مكافحة المتورطين فى الإرهاب، لكن منعه من الغناء والتضييق عليه لا يصب بأى حال فى دعم مكافحة فكرة الإرهاب، بل على العكس يُفقد هذه الحرب على الأفهام فرصة مهمة لهزيمة الفكرة وخلخلتها فى عقول المنجذبين إليها.
مشهد واحد لفضل شاكر بينما أصابعه على البيانو وليس السلاح.. وصوته يغنى للناس وللحياة، وليس للموت والتخويف والتفزيع والتحريم، يكفى لخلخلة الفكرة فى عقول شبان فتنهم فضل نفسه حين غادر فقه الحياة إلى فقه الموت والأرجح أنه جذب معه من جذب بقصد أو بدون، أو تركت صورته ملتحياً وفى يده السلاح ومشاهده نادماً على الفن والغناء وأيامهما خير دعاية لدى التنظيمات الإرهابية لتسويق منطقها وجذب ضحاياها.
ليت كل إرهابى يُغَنى، ونسمع منه صوت الموسيقى وليس صوت الرصاص. فى الحرب على الإرهاب «الفكرة وليس الفرد» لو خُير عقلاء العالم بين مشهد لأبى بكر البغدادى مع الجيتار وبين صورة له معلقا على مشنقة، أيهما أفيد لعالم يحارب الإرهاب ويسعى لهزيمته فى العقول؟! سنشنق البغدادى وسيأتى خلفه ألف بغدادى، ولن يردع الشنق أو السجن شاباً مفتوناً بهذا النموذج عن السير فى الطريق، لا الموت تهديد ولا السجن عقوبة لمن يعتقد أن حياته التى تستحق هناك فى الآخرة وأن دوره فى هذه الدنيا فقط أن يُصدر التوحش والتخويف والتحريم وأن يغتال الحياة ذاتها ليُعجل بجنته مثله مثل أولئك الذين يشعلون الحروب أو يصبون النار لإشعالها فقط لتسريع ظهور المسيح المخلص والتعجيل بنهاية العالم.
لكن الغناء رادع ومشهد إرهابى واحد «سابق» سواء أخلص فى «مراجعاته أم لا» يكفى لقطع الطريق على مفتونين كثر لإعادة التفكير والتراجع عدة خطوات قبل الدخول فى طريق الموت.
الذين يؤمنون برسالة الفنون الرشيدة وطاقة الإبداع فى تحصين المجتمعات، ويعتقدون أن هذه الرسالة ناجزة مع الشباب «المحايد» الذى لم يختبر خطاب التطرف ولم ينحز له، عليهم أن يفهموا أن رسالة أغنية يؤديها إرهابى سابق أكثر أهمية لأن تأثيرها يصب فى قلب عصابات التطرف، ووسط من أقنعهم هذا الإرهابى سابقاً برفع صوت الرصاص وتجريم صوت الموسيقى.
ليؤدى فضل شاكر حق مجتمعه وليخضع للمحاكمة ويرضى بقرارها، ليدافع عن نفسه إن كان لديه دفاع، وليعترف بأخطائه ويقبل نتائجها، لكنه لا يجب أن يتوقف عن الغناء طالما بات مقتنعاً بمراجعاته، سمع من سمع ورفض من رفض، فليغن من سجنه أو (منفاه – مخبأه) ومن قفص المحكمة.. سجنه حق لكل شهيد سقط بيديه أو بتحريضه ولذويهم وإقراره أو التسامح فيه ليس فى يد أحد غيرهم، لكن غناءه فرصة لكل من تزعجه فكرة الإرهاب ويتطلع لهزيمتها.
فليغن فضل.. وليحرض غيره من رفاق الأمس على الغناء، وليساعدهم ـ إن كانت تلك قناعته الأخيرة ـ على هزيمة ثقافة الموت فى داخلهم لصالح ثقافة الحياة
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع