لا يتحدث اللاعب الدولى المصرى محمد صلاح فى إنجلترا عن الإسلام. لا يخاطب الجمهور الإنجليزى باعتباره ممثلاً للدين أو متحدثاً باسمه أو مبعوثاً من السماء للتعريف به.
لا يخاطب وسائل الإعلام باعتباره مسلماً ويركز فى كل كلمة يقولها على ذلك. لا يترك التدريبات ليؤدى الصلاة. لا يطيل الشورت ليقترب من الركبة ليصبح متوافقاً مع بعض الفتاوى عن عورة الرجل. لا ينظر لزملائه فى الملعب من غير المسلمين باعتبارهم أغيارا أو خارجين عن دين الحق. لا يحاول دعوتهم للإسلام وهدايتهم لرسالته. لا يلح فى انتقاد أخطاء الغير أو يعلق على سلوكيات من حوله أو ينشغل بإقبال غيره على الخمر أو الجنس أو التعرى.
لا يفعل صلاح كل ذلك، لكن كل الجمهور المهتم به فى العالم كما انشغل به انشغل بالإسلام، ليس فقط لأن جمهور ناديه الإنجليزى تغنى له وللإسلام ووعده تحفيزاً بأنه كلما استمر فى إحراز الأهداف كلما فكر جدياً فى اعتناق الإسلام، وإنما لأن مراكز الدراسات والباحثين النفسيين المرموقين فى الغرب يدرسون ظاهرته، تأثيره الهائل على مكافحة الإسلاموفوبيا، وكراهية المسلمين المنتشرة فى العالم، دوره فى التصدى للأفكار العنصرية فى مجتمع - تصفه «واشنطن بوست» - بأنه كاره ومعاد للأجانب بفطرته.
ماذا فعل صلاح للإسلام إن لم يكن قد تحدث عنه؟
الإجابة أنه عاشه كما ينبغى ولم يتحدث عنه.
أخلص لعمله دون ضجيج، واستمر بتركيز مذهل يطور موهبته ويبنى أدواته ويعزز كفاءته وينمى مهاراته، ويرفع وعيه بكرة القدم وتكتيكاتها وأساليبها، ويملك كل ما يساعده على الاندماج السريع فى الملاعب والتواصل مع زملائه ومدربيه بتعلم اللغات والالتزام الاحترافى بقواعد هذا العمل الشاق.
عاش إسلاماً يدعوه لإتقان العمل، وإسلاماً يدعوه للاندماج والتعايش والتعارف والتواضع وعدم التعالى على الآخرين. مارس تدينه وحده وبهدوء غير صاخب. سجد بعد كل هدف كما يختار كل لاعب طريقة فرحته بالهدف. انتظم فى صلواته دون أن يقول للناس تعالوا وشاهدونى وأنا أصلى. أحسن لجيرانه. مارس البر مع جمهوره مقدراً ومحترماً وداعماً للأطفال منهم الذين تعلقت أمانيهم بتوقيع منه أو قميص فيه عرقه.
وتحسس طريق الخير وحق الفقراء والمحرومين من الخدمات فى نصيب من عوائده.
مضى صلاح فى طريقه يفعل ويترك الحديث لغيره، يسجل الأهداف ويترك الجماهير والإعلام ومراكز الأبحاث تتحرك خلفه لتبنى التصورات وتحلل الرسائل ترصد النتائج.
ووسط المئات من أهدافه المؤثرة جالبة الفرحه يبقى هدفه الأسطورى فى مرمى التطرف بعملتيه، الرافض للعالم المستعلى بإسلامه، والرافض للإسلام المخوف منه والمشوه له، ليعيد لصورة الإسلام كدين الكثير مما فقدته بفعل الممارسات الوحشية للدواعش، ويزيل عن المسلمين الكثير مما لحق بهم بفعل التشويه الممنهج الذى حاول ربطهم جميعاً بممارسات إجرامية لبعض من ينتسبون بفهم مختلف لذات الدين.
قيمة هذا الهدف أنه لم يسدده بينما تشاهده الجماهير بترقب وتحفز، ولم يجر فرحاً بعد تسجيله، هو لم يقل حتى إنه سجله، فقط عاش قيم الإسلام ومقاصده، وترك نمط حياته فى الملعب وخارجه وحده يشرح للناس ما هو الإسلام، أو على الأقل يحفزهم على مراجعة أفكارهم المسبقة عنه، بتأثير ناعم بلا جيوش ولا ميليشيات ولا ترسانات من الفتاوى والشاشات.
هذا هو الهدف.. وتلك هى القيمة.. لا تتحدثوا عن الدين لكن عيشوه، ولا تتكلموا عنه واتركوا الناس يرونه فى معاملاتكم وفى كل نموذج مهنى تقدمونه للعالم، وهذا النموذج الذى يعد صلاح أبرز تجلياته لن يحدث دون ثقافة تعزز الاندماج فى العالم، وفى نفس الوقت تطمئن إلى أن هذا الاندماج لا يعنى الذوبان، وإنما يعنى أن المرء المسلم يمكن أن يتعايش مع العالم بوعى محمد صلاح المنفتح بلا تربص، المجتهد بلا تكاسل، المتفوق بلا تعال، الملتزم بلا تفريط، والمؤمن فى ذاته دون انشغال بإيمان الآخرين..!
نقلاً عن المصري اليوم القاهريه