بقلم : أحمد الصاوي
أرجوك لا تغضب كثيراً حين تقرأ أخبار ذلك البيان الذى أصدره بعض الفرنسيين مطالبين بتجميد أو حذف بعض آيات القرآن.. هل تعتقد فعلاً أن ساركوزى والذين معه يمكنهم حذف آيات من القرآن؟.
تلك نصوص مقدسة، وكما تعرف لا يستطيع فرنسى واحد أن يحذف سطراً ليس فقط من كتاب مقدس وإنما من عمل فنى أو إبداعى أو مؤلف بشرى قديماً كان أو حديثاً- فما المطلوب إذن بديلاً عن الغضب؟
مطلوب وبوضوح أن نتحاور مع العالم حول القرآن الكريم وفهمه، إذا كان لدينا الإيمان الحقيقى بأن الفهم المختطف لا يعبر عن جوهر النص، وأن آيات القتال حكمها الرئيس والوحيد والمعتمد أنها شُرعت لرد العدوان وفقط، ومنحت ولى الأمر وحده «الدولة» حق حمل السلاح، هنا يصبح من المهم استثمار هذا الجدل المتفجر حول القرآن لنعيد شرحه بهذا الفهم، ونعيد تأسيس مفهوم الجهاد والاحتكام للسلاح عموما فى حسم أى قضية.
تستطيع أن تحكى طويلاً عن الحروب المسيحية المسيحية التى دارت وضحاياها، وعن النصوص التوراتية التى أبيدت بتأويلها قرى كاملة بسكانها فى الأراضى المحتلة، أو حتى عن منفذ مذبحة فلوريدا الأخيرة الذى زعم أنه قتل نحو 20 نفسا انتصاراً لإيمان بتفوق عرقى، لأن فكرة مناظرة الآخر بأن عنده مثل الذى عندنا من مرض، لن تساعدنا على الأقل فى علاج أمراضنا وأولها أن فهم الخاطفين أوسع انتشاراً من فهم المخطوفين لأسباب متعددة، أهمها أنه فهم مستدعى سياسياً منذ سبعينيات القرن الماضى على يد رجال السياسة وليس رجال الدين ولتحقيق أهداف سياسية ومازال كذلك حتى الآن.
كيف يمكن أن نتعامل إذن مع تلك الدعاوى؟
فى نظرى بأقل قدر ممكن من الانزعاج، هذا إذا كنت بالفعل تعتقد أن بيانا كذلك يمكن أن يمثل تهديداً للقرآن ولنصوصه، لكن بأوسع قدر ممكن من الاشتباك الفكرى والحوار والتناظر واستغلال الزخم الإعلامى حول تلك الدعوة وحول القرآن الكريم كنص مقدس لتقديم الدعاية الصحيحة حول نص دينى يفهمه ملايين المسلمين حول العالم بأكبر قدر من التسامح كما يفهم سائر المؤمنين نصوصهم.
من المهم أن يفهم المسلمون حول العالم قبل غيرهم أنه لا يوجد نص دينى يمنحهم أولوية أو يصعد بهم درجة «دنيوية» داخل دولة وطنية متعددة الأديان، وهو فهم بات مستقراً تماماً على الأقل داخل الأزهر الشريف كمرجعية دينية عالمية، وموثقا فى وثيقته للمواطنة والتعايش المشترك، التى تقر بفهم شرعى ثابت أن الأوطان لكل مواطنيها دون أدنى تمييز بسبب دين أو عرق أو لون أو جنس، فإذا كان المواطنون جميعاً متساوين بالفهم الشرعى قبل المركز القانونى، فكيف يمكن استساغة أن هذا الفهم الدينى الذى استنبطت منه أحكام المساواة بين المواطنين يمكن أن يهدر دماء بعض المواطنين كونهم فقط مختلفين فى الدين؟! كما يستقر مفهوم الجهاد باعتباره مشروطاً بالدفاع ورد العدوان، ولا يجوز إعلانه أو مباشرته إلا من قبل «الدولة» باعتبارها ولى الأمر. ظنى أن أى جدل يكون القرآن الكريم محوره، فرصة لأهل القرآن للذود عنه بمنطق وهدوء وشرح ورد، وليس بغضب وتثوير ونفير، وفرصة لعرض نصوصه على العقول لإزالة الالتباسات لدى الجميع مسلمين وغير مسلمين، حول نص زاخر بدعاوى التعايش والتسامح وتجريم الاعتداء على النفس كونها نفساً وفى تكريم بنى آدم كونه بشراً، وفى مخاطبة الناس كل الناس، وفى الحض على العدل المطلق، والتأكيد على أن اعتقاد البعض بإمكانية جمع كل الناس على دين واحد، ليس فقط مستحيلا وإنما تحد لمشيئة الخالق.
ليكون غضبنا بلا غضب.. وإذا كان لدينا ما نقوله عن النص القرآنى فلنقله بمزيد من الوضوح والحسم فى وجه من يختطفونه ومن يريدون تجميده على السواء.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع