بقلم - هالة العيسوي
أهم ما لفت انتباهي لدي مشاهدة عروض مهرجان القاهرة السينمائي الدولي؛ الفيلم الفلسطيني »واجب» لمخرجته الفلسطينية وكاتبة السيناريو آن ماري جاسر. تميز الفيلم بثراء السيناريو وحيويته رغم تواضع الإمكانيات المادية، بما يؤكد أن الإبداع الحقيقي لا تعوقه قلة الإمكانات لاسيما إن كان لدي أصحابه قضية أو رسالة.
آن ماري فلسطينية من عرب الداخل من مواليد بيت لحم، تميزت بين نجوم السينما المستقلة، وهي ترفض الحصول علي دعم إسرائيلي لإنتاج فيلمها مع أنه حق لها ولغيرها من عرب إسرائيل يستفيد منه زملاء لها آخرون من المخرجين والمؤلفين من فلسطينيي الـ 48. هي لا تدين زملاءها وتحترم إرادتهم في الحصول علي الدعم الإسرائيلي لكنها تحتفظ بموقفها الخاص وتري أن مقاومتها للاحتلال لا تتلاءم مع حصولها علي الدعم منه. وتعترف أنها حصلت بالفعل علي دعم لفيلمها الشهير السابق »ملح هذا البحر» لكن قضية فيلمها الحالي مختلفة. آن ماري انتجت فيلمها المميز »واجب» وفق نظرية الاكتفاء الذاتي، صورت مشاهده في بيوت أصحابها بعد استئذانهم. رشاقة الحوار الذي كتبته المخرجة الفلسطينية لفيلمها ميّز الطرح الناعم الذي قدمته لجدلية شائكة شديدة الحساسية عن أيهما أصدق نضالاً وأطهر: أهو البقاء في الوطن وهو تحت الاحتلال والتشبث به رغم كل عيوبه أم مغادرته والنضال من الخارج لتحريره؟
قام ببطولة الفيلم الممثل الفلسطيني الشهير محمد بكري ونجله صالح بكري في دوري الأب وابنه. وقد ترشح لتمثيل فلسطين رسمياً للحصول علي جائزة أفضل فيلم أجنبي في مهرجان أوسكار عام 2018.
الفكرة الرئيسية للفيلم تسلسلت مع أحداثه وتبدأ مع عودة شادي من إيطاليا، حيث يعمل مهندسًا معماريًا، إلي الناصرة لحضور حفل زفاف أخته ومساعدة والده في تحضيرات العرس. ويصر الأب، ضمن مفهوم الواجب بالتقليد الاجتماعي، علي تسليم بطاقات الدعوة لحفل الزفاف إلي كل الأصدقاء والأقارب بنفسه مع ابنه، الأمر الذي يقودهما في رحلة طويلة للوصول إلي بيوتهم. وعبر الحوارات بين الأب والابن في الطريق تتكشف لنا الخلافات بين وجهتي نظرهما وطباعهما ويتبلور النقد الذي يوجه لفلسطينيي الداخل وقد يصل لحد الإدانة لقبولهم العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي والتعامل معه والاندماج فيه. كما يتكشف ماضي عائلتهما نفسه، فضلا عن صورة الحياة اليومية في الناصرة مع تلك الزيارات التي يقومان بها لأسر مختلفة وعبر جولة بالسيارة وطوافهما في شوارع الناصرة عرضت علينا كاميرا آن ماري ملامح المدينة.
تكشف لنا تلك الحوارات الساخنة بين الشاب الحانق الغاضب من والده لأنه يقبل العيش تحت الاحتلال ويتعامل مع أفراده وجنوده بموده بل ويرغب في توجيه الدعوة لحضور زفاف ابنته لواحد منهم باعتباره صديقا فيما يرفض الابن توجيه هذه الدعوة لأن هذا الصديق الإسرائيلي المزعوم ما هو إلا أحد عناصر جهاز الشاباك الذي يلاحق الفلسطينيين ويتجسس عليهم، وأنه تحديداً كان السبب وراء هجرة الشاب نفسه للخارج خوفا من إبلاغه عنه واعتقاله. في المقابل يدافع الأب عن نفسه بأنه لن يترك أرضه ووطنه للاحتلال وأنه كان مجبورا بالأمس علي التعامل معه كي يتمكن من النهوض بمسئولياته كأب ويربي أبناءه، وأنه مايزال مجبورا اليوم كي يحتفظ بمنصبه ووظيفته ويرد الاتهام عن نفسه بتهكم ناقد ورافض لعلاقة ابنه مع ابنة أحد زعماء منظمة التحرير الفلسطينية من مناضلي الخارج الذين يكفي ثمن إحدي سياراتهم الفارهة لإطعام سكان مخيم بأكمله. وتبرز لنا الحوارات بين الأب وابنه مقاومة الأب لبقاء ابنه في الخارج فلا يغادره الأمل في عودته يوما ما إلي الوطن ولا يكف عن الإلحاح عليه للزواج من إحدي فتيات العائلة.. المهم أن يظل مرتبطاً بوطنه.
مشهد الختام والنهاية الرائقة للفيلم أوصلتنا لإجابة فحواها أهمية التصالح بين الأفكار المتضاربة وعدم الحكم علي الطرف الآخر أو إدانته، فلكل منهما منطقه الخاص به ووجهة نظر لها وجاهتها.
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع