بقلم - هالة العيسوي
سيناء 2018 قتال مكتوب علينا.. معركة ضمن حرب طويلة بلا هوادة علي الإرهاب. أراها لا تقل بأي حال عن حرب التحرير في أكتوبر 1973، إن لم تتجاوزها - دون مبالغة - في الأهمية والخطورة من حيث الظرف العام المحيط بها أو آثارها وتداعياتها. فالحرب الحالية »حرب وجود» لابد من خوضها، ولا مجال فيها للانكسار أو التخاذل. وطبيعة العدو فضلا عن طرق مواجهته والأطراف الضالعة فيها والجبهات التي نقاتل بها أكثر تعقيدا. ففي حرب التحرير كنا نقاتل عدواً واحداً خارجياً هو العدو الصهيوني له راعٍ واضح هو الولايات المتحدة الأمريكية وكان من السهل بقليل من الدقة أن تجري تقديراتك وحساباتك لإمكانياته العسكرية وآفاق المواجهة معه، كنت تحاربه في جبهة واحدة محددة المعالم جغرافياً، بينما اليوم نقاتل عدوا - أو بالأحري عدة أعداء - غامضين نسبياً وبات العدو في الداخل إضافة إلي الخارج، ولم تعد حدودك جميعا تقريبا آمنة كما ينبغي. كما أن الوضع العالمي لا يساعد كثيرا في تسهيل خوض هذه الحرب مع أن غالبية دول العالم انضربت من الإرهاب وعانت منه إلا أنها لا تساهم أو تتعاون فعليا وبما يكفي لدحر هذا الإرهاب.
رغم كل هذه المخاطر وأكثر منها مما لا يتسع له المجال، إلا أن الملاحظ أن جاهزيتنا علي الصعيد الداخلي لا تتناسب إطلاقا مع متطلبات هذه الحرب، علي عكس الحال إبان حرب أكتوبر. فحالة الوعي الجمعي بخطورة وحتمية الحرب الراهنة، بل حتي تفاعل المواطنين مع ما يجري في سيناء لا يتلاءمان مع ضرورات التعامل مع »حرب وجود» لا من حيث التعبئة العامة والتوعية عبر وسائل الإعلام والفن والتعليم، ولا من حيث الحماس الصادق وتكاتف الجبهة الداخلية. ليس هناك سوي شعارات وصياح ومناقشات ومكلمات دون سياسة إعلامية أو تثقيفية كمساهمة في إيقاظ الوعي العام وتبصيره. فلا الأحزاب التي لا تعد من كثرتها الآن ولم تكن موجودة في 73 أقدمت علي فعل ملموس، ولا الطلاب في مراحل التعليم المختلفة مثلا يتلقون في مدارسهم وكلياتهم ما يطلعهم علي أبعاد هذه الحرب وأهميتها ولا يتابعون تطوراتها ولو عبر الإذاعة المدرسية في طابور الصباح، ولا يدركون أهمية حملة سيناء 2018 ولا ينخرطون في أنشطة مدرسية وجامعية تتواكب مع حربنا علي الإرهاب كما كان يحدث علي أيامنا في 1973 مع حرب التحرير.
حتي وسائل الإعلام والقنوات والصحف العديدة تشعر أنها تعيش في وادٍ يختلف عن الوادي الدائرة فيه حرب سيناء؛ تشغل مشاهديها وقراءها بموضوعات وبرامج الفلانتاين والتجميل ويقتصر تناولها السياسي للحرب ضد الإرهاب وحملة سيناء الحالية علي إذاعة البيانات التي تطلقها القوات المسلحة. كذلك الأناشيد الوطنية والأغنيات الحماسية المنتجة مؤخراً تذاع من باب أداء الواجب وتبدو مصطنعة وركيكة صياغةً ولحناً فلم تجد طريقها إلي قلوبنا ووجداننا. هنا أتذكر الدور الحيوي الذي لعبه كبار الفنانين المصريين والعرب أثناء حربي يونيو 1967 وأكتوبر 1973 وأتساءل هل نفتقر اليوم إلي مبدعين بقيمة الراحلين بليغ حمدي وعلي إسماعيل والأبنودي وعبد الحليم حافظ وشادية ووردة؟ لا ينبغي الاستخفاف أو الاستهانة بالأثر الخطير للقوة الناعمة ممثلة في الفن والثقافة والإعلام. لقد انعكس التفاعل الجماهيري مع حربي التحرير في 67 و73 - بصرف النظر عن اختلاف نتائجهما - في صورة إحساس عام بالمسئولية وتحسنت سلوكيات الأفراد فتخلوا عن اللامبالاة والإهمال، وتوقف المجرمون عن ارتكاب الجرائم والفاسدين كفوا عن فسادهم.. حالة معنوية مرتفعة شبيهة بما شهدناه لفترة وجيزة في أعقاب ثورتي يناير ويونيو سرعان ما تبخرت. في تلك الفترة لم يجد المصريون ما يعبر عن تطلعاتهم سوي استحضار أغاني الستينات واليوم لا يجدون سوي أغاني أكتوبر.
بالطبع ليس مطلوباً شحن الجماهير أو »تمرير عيشتهم» وتحميلهم أعباء نفسية أو إثارة مخاوفهم فيكفيهم ما يعانونه من ضغط اقتصادي مفقر، لكن المطلوب فعلا هو التوعية والتبصير وربطهم بمجريات الحرب علي الإرهاب لتعزيز الرابط المعنوي مع قواتنا المسلحة وعدم الاكتفاء بالأدعية والابتهالات علي الأقل لتقوية عزيمتهم في الصبر علي الضغوط الحياتية وتفهم دوافعها
نقلا عن الاخبار القاهرية