بقلم : هالة العيسوي
»اليوم استسلمنا للإرهاب، نشتري الهدوء بالمال، ونساوم علي الأمن بعيد المدي لإسرائيل» هكذا برر افيجدور ليبرمان استقالته من منصبه كوزير دفاع إسرائيل. بلطجي الحانات الذي صعد بقدرة قادر من مرتبة مهاجر إلي وزير دفاع عبر في مؤتمره الصحفي عن احتجاجه علي اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس والتهدئة في غزة وقبول الحكومة الإسرائيلية نقل حقائب أموال تبلغ 15 مليون دولار من قطر إلي غزة لدفع رواتب الموظفين.
الحمساويون مقتنعون بأنهم أحدثوا زلزالاً في إسرائيل باستقالة ليبرمان، والإسرائيليون يرون أن الأخير يضغط علي نتانياهو في لعبة سياسية مكشوفة.
حقيقة الأمر أن الوزير البلطجي تنحي لأنه شعر بانعدام قيمته وبعدم قدرته علي السيطرة علي الأوضاع في غزة وبأن رئيس الوزراء نتانياهو أصبح يقوم بدور وزير الدفاع الفعلي، وبالتوافق مع رئيس الأركان أصبح الاثنان هما اللذان يديران الأوضاع العسكرية في القطاع. تجليات هذه الحقيقة بدأت تظهر مع بواكير التصعيد الأخير حين شرع الفلسطينيون في تنظيم الاحتشادات بجوار خط حدود القطاع مع إسرائيل. فمع أنه اتفق مع رئيس الوزراء في نقطة واحدة هي أن الصراع مع إيران في سوريا له الأولوية وأنه ليس من المصلحة ترك الأمور تتصاعد في قطاع غزة كي لا تتشتت الجهود في حملات عسكرية كثيفة علي جبهتين في آن واحد، إلا أنه كان ينادي بسحق قطاع غزة عبر الضربات القاضية للتخلص من هذا الصداع. بداية الصراع نشأت في أوائل الصيف حين قرر نتانياهو بدعم من جهاز الأمن العام (الشين بيت) التهدئة مع الفلسطينيين باعتبارها مصلحة عليا آنية، وشرع في خطوات التوصل إلي تسوية طويلة المدي معهم. البلطجي أعرب عن معارضته خلف الأبواب المغلقة في اجتماعات مجلس الأمن المصغر، وتدريجيا نقل الصراع إلي وسائل الإعلام. ثم استغل قبول نقل الأموال إلي غزة كأرضية لإعلان استقالته واحتجاجه.
استقالة ليبرمان في هذا التوقيت أثبتت للإسرائيليين أنه لا يصلح للقيادة، فلا هو عسكري فذّ استطاع ترك بصمة في المؤسسة العسكرية ولطالما شعر الكثيرون أنه دخيل علي تلك المؤسسة وأن نتانياهو أتي به إليها نكاية في الوزير السابق موشيه يعلون، ولا هو سياسي داهية فقد »نقحت» عليه جينات البلطجة واختار التوقيت الأسوأ لقلب الطاولة، ولم يأبه للحسابات السياسية التي كان يمكن أن تقوده هو وحزبه (إسرائيل بيتنا) إلي النجاح في الانتخابات وتسهل عليه المنافسة وهو وزير داخل الحكومة بدلا من المنافسة من خارجها فيشق عليه تخطي حاجز الحسم المطلوب للمشاركة من جديد في الحكومة.
الدليل علي ذلك أن ليبرمان لم يدرك المغزي من إعطاء نتانياهو الضوء الأخضر لقصف غزة يوم الأحد الماضي تحديدا في هذا التوقيت المتزامن مع جهود التهدئة طويلة المدي مع حماس ولم يفطن لفرط غروره أن نتانياهو لا يختلف عنه كثيرا، فلا الأخير داعية سلام عازف عن الحرب ولا هو مقامر يدخل الحروب من أوسع أبوابها، لكنه متمرس علي الاحتفاظ بمنسوب معين للتوتر بحيث تبقي النار مشتعلة دون أن تخمد تماماً ودون اندلاع ينذر بالخطر. الاختلاف الوحيد بينهما في التكتيك وليس في الهدف النهائي فنتانياهو يؤمن بأسلوب الضربات الخاطفة.. يعني بلطجة محسوبة مع تشدد لا يلين. يتبدي جيدا في كتابه الذي ألفه قبل خمسة وعشرين عاماً بعنوان »مكان بين الأمم».
اللافت أن وسائل الإعلام الإسرائيلية قابلت استقالة ليبرمان بفتور شديد وبعضها تفنن في إظهار عيوبه والتنديد به وكأنهم كسروا وراءه زيراً وخرج غير مأسوف عليه. مع ذلك لا يمكن التقليل من أثر استقالة لبيبرمان بل يمكن القول بأن توقيتها هو الأسوأ أيضا بالنسبة لنتانياهو فالطلقة الأولي للانجرار نحو انتخابات مبكرة قد خرجت من مكمنها وتبلورت الصورة بأن خيارين وحيدين أمام رئيس الوزراء إما الخضوع للتهدئة مع الفلسطينيين، وإما مواجهة احتمال الانتخابات المبكرة بعد تهديد حزب البيت اليهودي شريكه في الائتلاف الحاكم بالانسحاب من الائتلاف إن لم يشغل أحد أعضاء الحزب منصب وزير الدفاع الشاغر.
وتبقي نهاية الأزمة الحالية مفتوحة باحتمال تراجع البلطجي وعودته للحكومة.
نقلًا عن الاخبار
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع