بقلم - هالة العيسوي
يتجدد الحديث كل فترة عن تطوير التعليم الفني وربطه بسوق العمل وتأهيل الخريجين لإتقان مهارات الصناعات والحرف بشكل يضمن للشباب فتح مجالات التوظيف والعمل. بمناسبة العام الدراسي الجديد قرأت تصريحات لنائب الوزير للتعليم الفني شعرت معها بابتعاد المخططات النظرية عن الواقع أو عدم كفايتها. والمتابع للأداء الحكومي مع الوزارات المتعاقبة وعلي مدي السنين يشعر اننا نحكي في المحكي ونعيد انتاج العجلة. نفس الكلام كل سنة عن مدارس التعليم الفني والورش في المصانع والشركات ونفس الكلام عن توفير الوظائف بعد التخرج، ويشعر المتابع بعدم التواصل والبناء علي ما بدأه السابقون. قبل ثلاثة عقود تقريبا كان هناك مشروع مبارك كول للتعليم الفني وكانت تجربة فريدة لا ندري كيف انتهي بها الحال وما مصير خريجيها.
أقطن أمام مدرسة ضخمة للتعليم الثانوي الصناعي، في بعض الأحيان أشاهد سيارات النقل وهي تحمل مقاعد مدرسية من انتاج المدرسة. المشهد في عمومه كان باعثا علي سعادتي لأنه يعني ان هذا المبني لم يقتصر علي كونه معهدا تعليميا إنما اصبح مكانا منتجاً يوفر لوزارة التعليم المقاعد المطلوبة للمدارس الأخري وقد يوفر للجهات الحكومية الأخري ما تحتاجه من منتجات متنوعة وانه يصقل المهارات العملية لطلابه ويوظف قدراتهم فيما يفيدهم. كنت اقول في نفسي هكذا يجب ان يكون التعليم الفني. لكن الصدفة البحتة أوقفتني علي الحقيقة ففي حوار مع احد طلاب المدرسة أوشك علي التخرج اكتشفت انه لا يستطيع دق مسمار وانه يتلقي دروسا خصوصية (!) لكي ينجح وانه لا يحصل علي أي تدريب عملي حقيقي وان هذا الإنتاج الذي أراه يقوم به المدرسون وهم الذين يحصلون علي ريعه، وكل ما يساهم به الطلاب هو نقل المواد الخام او تحميل المنتج علي السيارات بلا أي خبرة عملية ولا مهارة مكتسبة أو استفادة ولو كانت بضع درجات تضاف إلي مجموعهم النهائي.
ولو تأملت الواقع ستجد ان معظم الحرفيين في بلدنا ليسوا مؤهلين ولم يحصلوا علي أي قدر من التعليم الذي يهيئهم للحرفة التي يقومون بها ومعظمهم بدأوا السلم في طفولتهم من المتسربين من التعليم وتعلموا الحرفة او الصنعة علي يد »الأسطوات» الذين استقوا الصنعة بدورهم ممن سبقوهم أو من أهاليهم أبا عن جد. هؤلاء يرفعون شعار »العلم في الراس مش في الكراس» وغالبا يقتقر عملهم إلي الدقة ويكلفون العميل تكاليف باهظة بسبب اهدار الوقت وتكرار العمل لعدم اتقانه.
ومؤخراً ثارث قضية إغراق السوق بالعمالة السورية في مختلف الحرف وتفضيلها علي العمالة المصرية نظراً لإتقان العمل ودقة التشطيب والالتزام بالمواعيد وحسن المظهر والسلوك مع الأمانة وعدم المغالاة في الأسعار بشكل يريح الزبون ويطمئنه إلي العامل الذي يدخل بيته. وقد أدي هذا إلي وقوع مشاحنات نتيجة المنافسة التي اعتبرها المصريون مزاحمة لهم في رزقهم.
لقد آن الأوان للتعامل مع الحرف والمهن اليدوية بشكل أكثر عملية مع مراعاة ان المصانع والشركات لا تستوعب خريجي التعليم الفني بالكامل وانهم يتوزعون علي الورش او مشروعاتهم الخاصة المنتشرة في الشوارع من اصلاح الكترونيات او سيارات او سباكة ونجارة وحدادة. فلماذا لا يشترط علي كل ورشة حصول عمالها علي ترخيص مزاولة مهنة كما يحدث مع السائق او صاحب الصيدلية الذي يجب ان يكون احد خريجي كلياتها ولا يكتفي باستوظاف احد خريجي الكليات العملية، بحيث يتلقي العامل او الصنايعي قبل الترخيص ولو فصلا دراسيا يضبط عقله ويمده باللبنة العلمية الأولي للحرفة التي ارتضاها لنفسه أو يجتاز امتحاناً يؤهله لممارسة الحرفة بحيث لا تخضع الصنعة للتجربة والخطأ ويستعيد حرفيونا سمعتهم من جديد..
نقلا عن الاخبار القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع